واقع التنمية البشرية وأثرها في التنمية الاقتصادية (سوريا عامةً وكردستان سوريا بشكل خاص)

 جوانا أحمد
     عضوة جمعية الاقتصاديين الكُرد- سوريا
 
  تُعرّف التنمية البشرية حسب التقرير الذي صدر في عام 1990 عن برنامج
الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والذي تم تعديله لاحقاً في تقريره لعام
1995 "بأنَها عملية توسيع خيارات الناس. ومن حيث المبدأ هذه الخيارات
يمكن أن تكون مطلقة ويمكن أن تتغير بمرور الوقت، ولكن الخيارات الأساسية
الثلاثة على جميع مستويات التنمية البشرية هي:
1-      إن تعيش الناس حياة مديدة وصحية.
2-       إن يكتسبوا معرفة.
3-       إن يحصلوا على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائقة.
   لكن التنمية البشرية لا تنتهي عند ذلك.. فالخيارات الإضافية تتراوح من
الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى التمتع بفرص الخلق والإنتاج
والتمتع بالاحترام الذاتي الشخصي وبحقوق الإنسان المكفولة".
   فالموارد البشرية هي الثروة الرئيسية للأمم فرأس المال المادي
والموارد الطبيعية رغم أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما بدون العنصر البشري
الكفء والمدرب لن يكون لها قيمة، وذلك لأن الموارد البشرية تؤدي دوراً
مهماً في العملية الاقتصادية وبالأخص في الدول النامية. ذلك لأنها تمثل
العنصر الأكثر حسماً في تحقيق التنمية. فغاية التنمية وهدفها النهائي هو
الارتفاع بمستوى هذه الموارد البشرية حيث لا يمكن الارتقاء بمعدلات
التنمية الاقتصادية إلا من خلال الارتقاء بمعدلات التنمية البشرية. وقد
أصبحت تنمية الموارد البشرية جزء لا يتجزأ من النمو الاقتصادي لأي دولة
بل وأصبحت ركناً أساسياً في المفهوم العام لعملية التنمية الاقتصادية.
   فما هو واقع التنمية البشرية على مستوى سوريا بشكل عام وعلى كردستان
سوريا بشكل خاص وبالأخص في ظل الأزمة السورية؟
   حيث أفادت وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين "الأونروا" وبرنامج
الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في تقرير جديد لها أن ثلاثة أرباع
السوريين كانوا يعيشون في الفقر حتى نهاية عام 2013 وأكثر من نصف السكان
(54,3%) يعيشون في فقر شديد، غير قادرين إلا على تأمين أبسط الحاجات
الغذائية وغير الغذائية اللازمة لبقاء أسرهم على قيد الحياة ويعيش نحو
20% في فقر مدقع.
  وأن التنمية البشرية في سوريا خلال الأزمة تراجعت بما يعادل أكثر من
أربعة عقود وانخفض مؤشر التنمية إلى (0,472) مما يعني هبوط سوريا من فئة
دول التنمية البشرية المتوسطة إلى فئة التنمية البشرية المنخفضة بسبب ضعف
لأداء في التعليم والصحة والدخل، موضحاً أن التعليم يترنح من وضع يشهد
حرمان أكثر من نصف الأطفال في سن الدراسة (51,8%) "الالتحاق بالمدارس"،
بل بلغت هذه النسبة 90% في الرقة وحلب ووصلت إلى 68% في ريف دمشق. ومع
نهاية 2013 أصبحت أربعة آلاف مدرسة خارج الخدمة نتيجة تدميرها أو اصابتها
بأضرار أو استضافة نازحين فيها.
   وأضافت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية في منظمة (الإسكوا) في تقريرها
أن سوريا ستتكبد في عام 2015 خسائر تعادل ثلاثة عقود في النمو الاقتصادي
وعقدين في التنمية البشرية إذا استمرت الأزمة حيث بلغ عدد العاطلين عن
العمل 3 ملايين شخص من أصل 5 ملايين هم مجموع القوى العاملة.
   ووفق مؤشر الإسكوا لأهداف الالفية الذي يضم مؤشرات التنمية فإن سوريا
تحتل المرتبة الرابعة في المنطقة العربية بعد سلطنة عمان ومصر وتونس عام
2010 بينما اليوم تراجعت إلى المرتبة الثالثة في أسفل القائمة يتقدم
عليها العراق وهي تتقدم على السودان والصومال فقط. حيث توقع أن ينخفض
الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 57% ويبلغ معدل الفقر 50,44% عام 2015.
  وإذا ما أخذنا المناطق الكُرديّة في كردستان سوريا فنلاحظ أن المؤشرات
السابقة تسجل مستويات أكبر وذلك للأسباب التالية:
1-      الأنظمة السورية خلال فترة حكمها عملت جاهداً طوال سنين حكمها على
تهميش هذه المناطق ومحاربتها على كافة الاصعدة وإغلاق كافة السبل أمام
تطور هذه المناطق اقتصادياً. حيث كان هناك غياب تام للتنمية البشرية عن
المناطق الكُرديّة. فتعتبر المناطق الكُرديّة أكثر المناطق الأقل نمواً
والتي تحتوي أعلى معدلات الفقر في سوريا، حيث كشف مسح أممي للفقر عام
2011 أن أكبر تركيز للفقراء هو في المناطق الكُرديّة وخاصة في ريف تلك
المناطق بنسبة 37% من الفقراء "فقر شديد"، وهذا يفوق بكثير نسبة سكان هذه
المناطق إلى إجمالي سكان سوريا والتي لا تتجاوز 23.3%. بالإضافة إلى أن
97.8% من قرى هذه المناطق تخلو من مستوصفات صحية.
2-      لم تتوفر في المناطق الكُرديّة مراكز استقطاب القوة العاملة وكما كان
لغياب الجامعات والمعاهد طوال العقود الماضية دور كبير لتوجه خريجي
الجامعات والمعاهد للعمل في المدن الكبرى. أي اصبحت هذه المناطق الكردية
مناطق طاردة للسكان بشكل عام وللكفاءات بشكل خاص.
3-      الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع هي من الأسباب الرئيسية التي
أثرت سلباً على التنمية البشرية في المناطق الكُرديّة وبالتالي على
التنمية الاقتصادية. ففي ظل الانقطاع المستمر للكهرباء والماء والاتصالات
وإغلاق المعابر الحدودية نحو الخارج وشبه استحالة السفر نحو الداخل
السوري والحصار الاقتصادي الخانق للمناطق الكُرديّة في سوريا أصبحت
التنمية البشرية تعاني من اختلالات جوهرية.
4-      الصراعات الحزبية في المناطق الكُرديّة هي أيضاً من معوقات عملية
التنمية البشرية للمناطق الكُرديّة في سوريا.
5-      بساطة دور منظمات المجتمع المدني في عملية التنمية البشرية خلال
الأزمة السورية لأن مجال نشاط مؤسسات المجتمع المدني في الغالب تركز خارج
سوريا (لانعدام الأمن في الداخل) خصوصاً في الدول التي لجأ إليها
السوريون هرباً من آلة القتل والدمار التي يتحكم بها النظام السوري.
   وتجدر الإشارة إلى أنَه على الصعيد السوري فهناك غياب شبه تام من حيث
التنسيق بين منظمات المجتمع المدني والسلطات السياسية (الحكومة المؤقتة)
فإذا ما عدنا إلى واقع الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة وحكومته
المؤقتة نجد أنَ كل ما خلصت إليه بما يخص موضوع التنمية البشرية في
الداخل السوري غائبة تماماً من ممارساته الفعلية.
   إنَ أهم ما يترتب على ضعف التنمية البشرية في المناطق الكُرديّة على
التنمية الاقتصادية يمكن إبرازها من خلال ما يلي: إنَ انهيار الخيارات
الأساسية الثلاثة للتنمية البشرية (العيش في حياة مديدة وصحية، واكتساب
المعرفة، والحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائقة) سينعكس سلباً
على التنمية الاقتصادية، حيث تصبح حياة المواطن في حالة غير صحية،
واكتسابه للمعرفة سيتراجع، وفرصة حصوله على الموارد سيتضاءل، مما يؤدي
إلى تراجع مقدرته الإنتاجية في المجتمع، وبالتالي بطء دوران الانتاج
(الفكري، والعلمي، والمهني،..الخ)، وبالتالي يتراجع مؤشر النمو
الاقتصادي.
      وبالتالي فمن أجل الرقي بالتنمية البشرية إلى مستوى قدرته للقيام
بالتنمية الاقتصادية في المناطق الكُرديّة لا بد من تحقق حالة الاستقرار
السياسي إلى جانب تطوير منظمات المجتمع المدني لهياكلها التنظيمية وزيادة
التنسيق فيما بينها وحصولها على الدعم المناسب من المنظمات الدولية. وذلك
لأن المناطق الكُرديّة تعتبر المستودع الأساسي للناتج المحلي الإجمالي
المستند إلى القطاع الأولي (الزراعة والصناعة الاستخراجية) وعلى الرغم من
ذلك يتربع سكان هذه المناطق على قمة الهرم الأكثر فقراً في سوريا من
ناحية مستوى الفقر وعمقه وشدته، وتدني مؤشرات تنميته البشرية.
 
البريد الالكتروني:
kak.suri2006@gmail.com
صفحة الفيسبوك: