الزراعة والتصنيع الزراعي قاطرة للتنمية في غربي كردستان

 ﭽلنگ عمر
 
                 عضو جمعية الاقتصاديين الكُرد- سوريا
 
اختلف الاقتصاديون حول تحديد المعيار الذي يعتمد عليه في قياس درجة
التقدم والتخلف في الدول والمجتمعات، وبالتالي التفرقة بين المتخلف منها
والمتقدم اقتصادياً، ففيما يرى البعض ضرورة الاعتماد على مقاييس تعكس
مظاهر الحياة العادية كمتوسط طول العمر ومعدلات الوفيات نجد أن البعض
الآخر اعتمد مقاييس تعكس مظاهر النشاط الاقتصادي كحجم الدخل القومي
ومتوسط دخل الفرد.
وفي العموم يمكن القول بأن كل النظريات الاقتصادية تتفق على أن انتقال
المجتمعات من التخلف إلى التقدم تتم من خلال عملية تنمية اقتصادية تأخذ
على عاتقها تحقيق أهداف مثل:
1-      زيادة مستوى الدخل القومي والفردي.
2-      رفع مستوى المعيشة.
3-      تقليل التفاوت بين الدخول والثروات.
4-      تعديل الهيكل الإنتاجي.
تالياً تركزت جهود العلماء على محاولة إيجاد أنسب الطرق لبدء عملية
التنمية الاقتصادية، حيث ظهرت نظريتان هما:
1-      نظرية النمو المتوازن: التي تفترض حدوث النمو الكبير والمتزامن لجميع
القطاعات دفعة واحدة وهذا يتحقق من خلال القيام بموجة كبيرة من
الاستثمارات وفي مختلف الأنشطة الاقتصادية، حيث ترى النظرية أن هناك
علاقة تكامل بين هذه الأنشطة والقطاعات.
2-      نظرية النمو غير المتوازن: حيث ترى هذه النظرية أن سياسة النمو
المتوازن في مختلف الأنشطة الاقتصادية هي فوق طاقة البلدان والمجتمعات
المتخلفة، وبالتالي ترى النظرية ضرورة إعطاء الأولوية للاستثمار في قطاع
على حساب الآخر ومتى ما زاد الطلب على العرض ينبغي تغيير أولوية
الاستثمار والانتقال إلى قطاع آخر.
بالنسبة لروج آفا (غربي كردستان) وفيما لو أردنا تطبيق نموذج للتنمية فإن
سعينا يمكن أن يستند إلى كلتا النظريتين حسب ظروف وواقع كل منطقة أو
مقاطعة، حيث يتسم اقتصاد المناطق الكردية عموماً بأنه اقتصاد ريعي يعتمد
على القطاع الزراعي الذي يعد المصدر الرئيسي للدخل وباب الرزق شبه الوحيد
للمواطنين الكرد في كل من الجزيرة وعفرين وكوباني.
بناءا عليه فإن انطلاقة التنمية في روج آفا يجب أن تعتمد أولاً على إعادة
الاعتبار لقطاع الزراعة الذي يعتبر المصدر الأساسي لتشغيل اليد العاملة
وتأمين معيشة غالبية السكان، أي أن التنمية الزراعية يجب أن تكون في رأس
سلم أولوياتنا الاقتصادية. وبالتالي يقتضي هذا الوقوف على أسلوب وعلاقات
الإنتاج الأمامية والخلفية أو (البناء التحتي) في القطاع الزراعي.
حيث تتعدد الأسباب التي تجعل من التنمية الزراعية أمراً حيوياً لمجتمع
ما، كذلك تتباين درجة أهمية كل من هذه الأسباب تبعاً لظروف كل مجتمع
واحتياجاته. حيث أن عدد السكان ومدى التطور في مستوى المعيشة إضافة إلى
الظروف المحيطة المحددة لدرجة الاعتماد على الذات أو مدى إمكانية
الاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات الغذائية، كلها عوامل تُسهم
بصورة أو بأخرى في تحديد درجة اهتمام المجتمع بالتنمية الزراعية.
وتقسم متطلبات قيام التنمية الزراعية إلى:
1-      علاقات الإنتاج الأمامية (المدخلات): التي تتضمن توفير مستلزمات
الزراعة، وهذه المستلزمات تتلخص في الموارد الطبيعية من مياه وتربة،
إضافة إلى التكنولوجيا المستخدمة ويقصد بها المعلومات والأدوات المستخدمة
في الإنتاج، حيث يمكن توظيف ما سبق لأجل التنمية الزراعية من خلال
التركيز على البحوث الإنتاجية والإرشاد الزراعي ووضع الخطط الزراعية لسدّ
الفجوات التي يمكن أن تحدث في المستقبل، وزيادة الإنتاج من وحدة المساحة
من خلال دمج التكنولوجيا بالزراعة بشكلٍ يزيد من مردودية الإنتاج ضمن
المساحات ذاتها، إضافة إلى عمليات ترشيد استهلاك المياه بما يتناسب
والظروف المناخية، وبما لا يستنزف المورد، إضافة إلى دراسة موضوع تقديم
الدعم وتوفير مستلزمات دورة الإنتاج الزراعي وفق أسس سليمة.
2-      علاقات الإنتاج الخلفية (المخرجات): وهي تأتي بعد مرحلة الزراعة، أي
بعد جني المحصول، وهي تتعلق أساساً بتصريف الإنتاج الزراعي، حيث يتم
التصريف عبر قناتين، تجارية من خلال إيجاد المنافذ وأسواق البيع
والتصدير، وصناعية من خلال تصنيع المنتجات الزراعية.
ما أود التركيز عليه هنا هو التصنيع الزراعي، كون المناطق الكردية تفتقد
إلى المشاريع الصناعية من هذا النوع، وذلك بالرغم من الغنى وتوافر كل
مقومات قيامها، فنظام البعث عمل جاهداً طوال سنين حكمه على تهميش مناطق
روج آفا ومحاربة الكرد اقتصادياً، بهدف دفع الكرد للهجرة وتغيير
ديمغرافية غربي كردستان، وذلك عبر إغلاق المجال أمام تطور وتنمية مناطقهم
اقتصادياً من خلال مصادرة أراضيهم الزراعية الخصبة وإحلال العرب مكانهم
عبر مشروع الحزام العربي والإحصاء الاستثنائي والمرسوم 49 الذي قيّد حركة
البناء وسد منافذ البيع والشراء في المناطق الكردية، واستنزاف الثروة
المائية في بعض مناطق مقاطعة الجزيرة عبر مشاريع الري العشوائية التي أدت
لجفاف المياه الجوفية ولتملح التربة والتصحر وخروج مئات الهكتارات من
الإنتاج الزراعي، كذلك عمل من خلال السياسات والمراسيم الاستثنائية على
منع إقامة المشروعات الصناعية المكملة للإنتاج الزراعي الموجود، وبالتالي
كان كل الإنتاج الزراعي في المناطق الكردية يُباع بشكله الخام، سواء
بالتصدير إلى خارج سوريا أو إلى الداخل السوري ليُصنّع ويُباع كسلع
ومنتجات مُصنعة، وبالتالي تبعية المناطق الكردية اقتصادياً ومعيشياً
للداخل العربي السوري.
ويشتمل تصنيع المنتجات الزراعية (النباتية والحيوانية) على ثلاثة أقسام هي:
1-      صناعات تقوم على منتجات زراعية، مثل غزل ونسج القطن وصناعة الورق.
2-      صناعات تستهدف إعداد المنتج الزراعي وتحويله من صورة غير صالحة
للاستخدام إلى شكل صالح للاستخدام، مثل صناعة السكر من القصب أو من
الشمندر السكري.
3-      صناعات تهدف إلى إطالة فترة استخدام المنتج الزراعي أو خلق استخدامات
جديدة له، مثل الصناعات الغذائية من خلال التجفيف أو التجميد أو التعليب
للفاكهة والخضار واللحوم والألبان ومشتقاتها.
إن مقومات قيام التصنيع الزراعي في مناطق روج آفا اليوم كبيرة جداً فعدا
عن توافر المواد الأولية الزراعية (حيث تعتبر المناطق الكردية من اخصب
المناطق وأنسبها للزراعة من حيث المساحات السهلية الواسعة ووفرة الموارد
المائية الجوفية والسطحية والسدود) والأيدي العاملة الخبيرة (حيث يتميز
المجتمع الكردي بفتوته وارتفاع نسبة الشباب القادرين على العمل وفي مختلف
الاختصاصات)، فإنه يضاف إلى ما سبق ميزة الأسبقية والريادة لقيام أي
مشروع، فأي مشروع صناعي يتأسس الآن في غربي كردستان يمكن أن يكون الأول
من نوعه وبالتالي فإن فرصته للاستفادة من السوق ستكون أكبر، ذلك أن السوق
المحلية بحاجة إلى هكذا منتجات تضطر إلى استيرادها.
تبقى العقبة الوحيدة في هذا المضمار هو توفير رؤوس الأموال اللازمة، حيث
أن التوجه نحو التصنيع يتطلب تأمين رؤوس أموال كبيرة قد لا تتوافر لدى
غالبية الكرد، لذا فإنه يجب العمل على تشجيع الأثرياء والملاكين الكرد
الكبار على استثمار فائض مردودهم الناتج من الزراعة في هكذا مجالات، كذلك
يمكن أن يكون الحل الأمثل هو في العمل على إنشاء التعاونيات أو الشركات
المساهمة محدودة المسؤولية التي ستساعد في توظيف فائض المردود الزراعي أو
المدخرات الفردية للمواطنين، لتُشكل معاً رأسمالاً ضخماً مؤهلاً لقيام
مشروعات صناعية هامة، مما يسهم في تحقيق قيمة مضافة كبيرة ويتيح إمكانية
تشغيل آلاف الأيدي العاملة من الشباب الكرد الذين يضطرون للهجرة بحثاً عن
لقمة العيش، وبالتالي سيساهم هذا في تثبيت الكرد في مناطقهم وعدم هجرتهم.
وبالتالي فإنه يجب العمل على توفير الاستقرار الأمني والسياسي وإيجاد
البيئة القانونية والتشريعية الملائمة لإنشاء وتطوير الفعاليات الزراعية
والصناعية والتجارية وبما يحقق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة في غربي
كردستان.
البريد الالكتروني:
kak.suri2006@gmail.com
صفحة الفيسبوك: