نوري بريمو: الديمقراطية لسوريا والفدرالية لكوردستان سوريا

2014-05-19

إنعقد المؤتمر التأسيسي لحزبنا (لحزب الديمقراطي الكوردستاني ـ سوريا) في أوائل شهر نيسان المنصرم 2014م، تحت شعارات عديدة، أبرزها "الديمقراطية لسوريا والفدرالية لكوردستان سوريا"، وهذا الشعار بحد ذاته لم يأت من العبث أو بمحض الصدفة وإنما تم طرحه ومناقشته والمصادقة عليه عن سابق تصميم يستمد قوته ومشروعيته من دواعي ومقومات ذاتية ملحة وأخرى موضوعية أكثر أهمية وإحاحاً.
 
وبما أنّ هذا الشعار الذي نتبناه اليوم كخيار استراتيجي وسط هذه المرحلة السورية المصيرية، لا يخص الشأن الكوردي فقط وإنما يتعلق بالشأن السوري العام، فإننا نعطي الحق لأنفسنا ونؤكد بأننا لم نطرح هذا الشعار من قبيل تأزيم االأوضاع السورية نحو المزيد من الإستعصاء، وإنما نطرحه من أجل حل هذه الأزمة العالقة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وللعلم فإن الجانب الكوردي قد أكد مرارا وتكرار بأنه جزء من الثورة وضد النظام واعب أساسي في المعادلة السورية وقد كان وسيبقى جزء من الحل وليس المشكلة. 
 
ولعلّ من المفيد العودة إلى التاريخ والإستفادة من تجارب المجتمع البشري، وخاصة أنماط الحكم التي حكمَتْ شعوبنا وبلدان شرق أوسطنا، لنجد بأنّ كل الأنظمة التي حكمت هذه المعمورة هي من صنيعة الإنسان ذاته، ولا توجد أية وصفة مسبقة الصنع أو جاهزة للتداول في مجال أساليب حكم  البلدان (السلطة والإدارة) من حيث كيفية ونوعية الأداء وأساليب التعامل ما بين الراعي والرعية، خاصة وأن تجاربنا الذاتية قد أثبتت بأنّ معظم الأنظمة الدكتاتورية التي هيمنت على ديارنا جاءت بغالبيتها عبر الانقلابات على الأهالي لتحقيق أغراضها الخاصة، علما بأن بلداننا بحاجة إلى أنظمة ديمقراطية تدير شؤونها بشكل توافقي وليس تخالفي. 
 
وبالنظر إلى المشهد السوري الحالي، نرى بأن أفضل صيغة لنظام الحكم في سوريا المستقبل، هي فدرلة البلد بشكل دستور وعملي، وبناء عليه وكما أنَّ لكل سلطة خصوصيتها وطبائعها التي تحدد شكلها وجوهرها، فإنَّ معظم النظم الديمقراطية وبالتحديد الفيدرالية هي ذات جوهر واحد من حيث المبدأ لكنها تختلف عن بعضها من حيث الشكل والمكان، وهي على إختلاف أشكالها وألوانها عبارة عن أنظمة متطورة تنبثق عن توافقات إختيارية تؤدي بغالبيتها في نهاية المطاف إلى تأسيس منظومة اتحادية طوعية بين قوى سياسية متوافقة أو بين قوميات متتاخمة أو بين مناطق جغرافية قريبة من بعضها أو مناطق نفوذ دينية تتآلف فيما بينها لتشكل معاً دولة اتحادية مبنية على أسس وقواسم وإرادات مشتركة.
 
في حين يمكننا التأكيد بأنه لا خوف على الإطلاق من حاضر ومستقبل كافة المكونات السوري في الدولة الفدرالية التي ستكون تشاركية بين كل السوريين الذين سيكونون رابحين بالجملة، أما الطرف الخاسر فهو من لا يقبل بالفدرلة وبالتوافق السياسي الديمقراطي بين كافة القوميات والأديان والطوائف، كالكورد والعرب وغيرهم، وللعلم فإن الجانب الكوردي قد يشكل بوصلة التغيير نحو سوريا ديمقراطية وتعددية واتحادية، لتصبح وطناً للجميع وضامنة لحقوقهم.
 
وبهذا الصدد لابد من الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية فقد نختلف حول تسميات هذه النظم الحاكمة (حكم ذاتي ـ فدرالية ـ كونفدرالية ـ تقرير مصير ـ الدولة القومية المستقلة و...الخ) لكنَّ ما يهمَّنا في هذا الموضوع الذي بات محيّرا للبعض، هو المضمون الذي ينبغي أن يتم التركيز عليه من قبل الذين تقع على عاتقهم مهمة مراكمة الحراك لدفع شعوبنا نحو تقرير مصيرها وتخليصها من مظالم الأنظمة المركزية (البسيطة) التي قبعت فوق صدورنا لعهود طويلة، لأنَّ هكذا حراك سياسي من شأنه الإتيان بالبديل اللامركزي (المركب) الذي بمقدوره أن يجلب الاستقرار العام ويشكل عاملا حاسما لإنصاف مكونات البلد واستتباب العدالة وسريان خصال حسن الجوار بين مختلف المكونات، والذي ربما يوصلنا أيضا إلى شراكات اندماجية حقيقية ترضي الجميع وتلبي طموحات أجيالنا وتشجعنا لنبني معاً بلدناً على شكل فضاء ديمقراطي يضمن توفير العيش السعيد والآمن لكافة المواطنين سواء أكانوا عرباً أم كورداً أم غيرهم.
 
ورغم اختلاف مواقفنا من بعض القضايا العالقة بسبب اختلاف قومياتنا ومنابتنا ومشاربنا وثقافاتنا وتوجهاتنا ومقتضيات مصالحنا، وبالنظر إلى ما حصل بين شعوبنا من أزمات خلافية في مجال اعتداء الأكثرية على حقوق الأقلية، فإنَّ أحداً لا يستطيع أن ينكر بأن تجربة الدولة الفدرالية (الاتحادية) هي أنموذج ناجح على شتى الأصعدة والميادين كما هو الحال في كل من أمريكا وسويسرا وألمانيا وغيرها من الدول، خاصة وأنّ غالبية الدول الفدرالية في دنيانا قد تطورت بشكل ملحوظ وتفوَّقتْ على غيرها وباتت قوية من الناحية المادية والمعنوية والقدراتية، وذلك نظراً لما تتمتع به هذه النظم الديمقراطية من محاسن تستجلب الفائدة لأمم تلك البلدان، ونظراً لما يتوفر في هذه الاتحادات من إرادة جماعية تسامحية بين المركز والأقاليم في مجال تحقيق الحقوق وأداء الواجبات.
 
وبناء عليه فإنَّ الدول التعددية السائرة في منحى فدرلة نفسها، ينبغي أنْ تستند في نشأتها إلى دستور دائم يقرُّ بالتعددية السياسية كخيار ديمقراطي ويدعم بنيانها ويصون حاضرها ويخطط لمستقبلها ويمدها بالقوة الجماعية ويعمل على تنظيم التواصل المؤسساتي فيها كافة الأفرقاء بشكل توافقي يضمن تحسين العلاقات وتخصيبها ما بين الحكومة الاتحادية وبين الأقاليم أو الولايات المكونة لها.
 
وبهذا الصدد يمكننا القول بأن البحث عن أي بديل سوري آخر غير الفدرالية، قد يعقد الأمور أكثر فأكثر، وقد يُبقي البلد في دوامة العنف والعنف المضاد، مما قد يؤدي إلى مزيد من إنسداد الحلول والتفرقة والتشتت وإنهيار البلد وتقسيمه بدلا من إنقاذه وإجراء تغيير ديمقراطي حقيقي فيه عبر توافق كافة الأفرقاء على فدرلته بعد اسقاط نظام البعث الدكتاتوري.
---------------------------------
مقالة منشورة في جريدة حزبنا (كوردستان)، الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، العدد (490) التاريخ (15 / 5 / 2014)