خالد ديريك : هدنات بين النظام السوري والمعارضة........ ارتدادات وانعكاسات

2014-05-11

تعد شح الذخيرة والعتاد وضعف التمويل المالي لكتائب المقاتلة في صفوف الجيش الحر من أبرز عوامل ضعف العمليات العسكرية نوعية وعرقلة أي الانتصار والتقدم على الأرض،بالتالي عدم القدرة على الصمود في المعارك من جهة والاستمرار في السيطرة على بعض المدن والمناطق من جهة أخرى 
إضافة إلى ذلك،أبراز تعدد ولاءات بين كتائب الجيش الحر لجهات خارجية ممولة لها ،وفساد في هيكلة المعارضة وخاصة بعض مسئولي ومستلمي التمويل المالي والإغاثي وانعكاس هذا الفساد والولاءات سلباً على وحدة وقوة الجيش الحر مما أضعف إدارة مركزية محصنة ،من شأنها آمرة وناهية،في المحصلة،تعدد الولاءات تنتج تعدد الأجندات
زد على ذلك،ظهور قوي لكتائب إسلامية واستجذابها للمقاتلين في صفوفها على حساب هيبة الجيش الحر وتعثر دوره في أكثر من منعطف.
أما النظام فقد استفاد من دعم محور الروسي الإيراني اللامح دود له سواء أكان من خلال عرقلة أو منع استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي بحقه أو من خلال تقديم الدعم العسكري والمالي لجيشه
كما استفاد النظام السوري من قرار الدول الغربية في منع تزويد الجيش الحر أسلحة فتاكة ونوعية ،ولعل تسليم النظام أسلحته الكيماوية للغرب والتخلص منها من أهم ما حفزت الغرب وغض النظر عن جرائمه والذي لا بد إنه حصل على ضمانات من الدول الكبرى بعدم التعرض له عسكرياً ،هذه الأمور مجتمعة شجعته على الاستمرار في تكثيف هجماته بقصف المدن والأحياء في أكثر من محور وبمختلف الأسلحة لحسم المعركة لصالحه .
أمر آخر استفاد منه النظام ونجح في إقناع الغرب به،هو اتباع سياسة الترويج في مكافحة الإرهاب وحماية الأقليات،وما شجع حجته وذرائعه هو دخول مقاتلين أجانب في ساحة الحرب ولهذا يحاول النظام جاهداً استغلال هذه الفرص مجتمعة للقضاء على معارضيه واحداً تلو آخر،بعدما كان في بداية الثورة عاجزاً عن خلق أدلة وبراهين لتبرير عنفه 
ها هو يمارس منذ أكثر من سنتين جميع الأساليب لإجبار المعارضين له للركوع والخنوع والطاعة،طائراته لا تكف عن القاء البراميل المتفجرة وقصف المدن والأحياء السكنية التي تتواجد فيها معارضيه من جهة
وإتباع سياسة حصار المدن والأحياء لمدة زمنية طويلة من جهة أخرى.
يتعامل النظام السوري مع المناطق الخارجة عن سيطرته والمستعصية على الحل الأمني العسكري بسياسة الحصار ثم الهدنة ويرى أهميتها بمنطق سيطرته الجغرافية وسياسته العسكرية التي تقوم على إخضاع المعارضين لينفضوا ويتركوا ثورتهم ويعودوا إلى حضن الديكتاتورية والطاعة وتتحول الثورة إلى نكبة.
من هنا يولي النظام أهمية فائقة على سياسة الحصار للمدن والأحياء حتى ولو أخذت هذا الحصار مدة زمنية طويلة طالما لا رادع يمنعه، إلى جانب الخيار الأمني العسكري في المدن والأحياء الأخرى 
جرب النظام أساليب عدة للتفاوض في أكثر من منطقة وخاصة في المدن التي يعتبرها استراتيجية لديمومته مثل محافظات دمشق وريفها وحلب وحمص
يستعمل النظام مصطلح "المصالحة الوطنية" في عقد هدنات وتسويات ،وتتم هدنات ومصالحات عن طريق وجهاء تلك المناطق المحاصرة ،وفي حالات مستعصية عن طريق منظمات للأمم المتحدة،وتوصل من خلال هذه المفاوضات إلى هدنات سرعان ما تفشل بعض منها بسبب أزمة الثقة وعدم وفاء الطرفين بتعهداتهما 
وعادة تضمن بنود هذه الهدنات،بالاتفاق على إدارة أبناء المنطقة لشؤونهم وتسليم المسلحين والثوار أسلحتهم المتوسطة والثقيلة مع بقاء أسلحتهم الفردية،مقابل خروج آمن للجيش الحر وكتائب مسلحة أخرى ورفع الحصار الاقتصادي عن المنطقة أو حي محاصر وإعادة الماء والكهرباء والسماح بمرور ودخول المواد الغذائية والإغاثة وخاصة قوافل تابعة للأمم المتحدة،عندها يرفع علم النظام على المباني الحكومية في تلك المدينة أو الحي.
تقوم استراتيجية النظام على الاستفادة من هذه الهدنات بعزل البلدات والأحياء الثائرة عن بعضها وشد الخناق عليها 
بكل الأحوال النظام لا يزال يتعامل مع الثورة السورية بمنطق مجموعة مطالب معاشيه ويكثف النظام جهوده إلى عقد مثل هذه التسويات،فضلاً عن ترك الانطباع بهرولة الثائرين لعقد هدنات معه،بالاستفراد على كل منطقة ،ويظهر للرأي العام المحلي والعالمي بدور نظام عادل يلبي مطالب شعبه ويبحث عن الإصلاح للانتقال إلى الديمقراطية
ولا يبالي النظام بأية تسوية ولا صراع في مناطق ليست خطرة عليه كما هي حال محافظتا الرقة ودير الزور ،أولاً،لأن تلك المدن بعيدة عن المركز. ثانياً فرعا تنظيم القاعدة (دولة الإسلامية"داعش" وجبهة النصرة) تنخران في جسم بعضهما البعض وتؤكدان مقولته بأنه لا يوجد الثورة وإنما هناك إرهاب
هكذا،يستفيد النظام السوري من هذه الهدنات لأنه يبسط سيطرته على
بقع جغرافية كان قد خسرها في أوقات سابقة،وستكون هذه التسويات مدخلا لتغيير موازين القوى وعزل هذه المناطق وتفكيك عوامل قوتها وتمردها،في حين أن المعارضة المسلحة غالباً تقبل بهذه الهدنات بسبب الأوضاع المأساوية وقلة الدعم اللوجستي وتغيير موازين القوى على الأرض لصالح النظام
وتتبع المعارضة العسكرية في قسمها المتشدد سياسات الثأر والانتقام والقيام بحالات الخطف والإعدام من خلال محاكم صورية
وتؤثر هذه الإجراءات على مدى مصداقية الثوار والثورة ،وتعكس حالة الجيش الحر المزرية وعن مدى سيطرت قوى المتشددة على مجريات وعمليات العسكريه.
بقلم خالد ديريك