غسان جانكير : المقامة التشرّدية

2014-05-09

حدثنا العطال البطال, بعد أن ألححنا عليه بالسؤال, أن يُظهر كامل ما يُخفيه, تحت لسانه في فيه, و بعد أن بانت ما لديه مِن الرغبة, في الاستسلام لحق نشر المعلومات مِن الغلبة, و دلاله في الرغبة بالحديث مع التمنّع, وتلميحه بشكلٍ خبيث أنه لا يتصنّع, واشترط علينا كعادته أن نكتم السر, و ألا يخرج من دائرتنا قيد شبر, فوعدناه وعد الثعالب, أن لن نفشي العيوب و المثالب, فانطلق بشكلٍ مُتسارع في سرد حكايته, مُقتنصاً مِن وعدنا الخُلّبي فرصته, فقال :
 
لمّا تمادى نظام المافيا في قتل السوريين, و تقاسم حصاد الارواح مع الشبيحة و المجرمين, وصاروا يُساومون - بوقاحة - الناس المحاصرين, على كسرة الخبز مُقابل تمجيد بشاركو الأهبل, وأن يتطبّع الكلّ على شاكلته مِن الهبل, و أمعن في القتل و الاعتقال و التهجير, وصرنا محكومين من قِبل كلّ سافل وحقير, يأتمرون بأمر النظام, في توزيع الأنفال و الأنعام, وتقاسم النفوذ على المناطق, وجعل الانسان مُجرّد حيوان ناطق, في ولايات محكومة بدساتير القسوة و الجهل, يُطبّقها أصحاب لحى مليئة بالقمل, و التضييق على نشطاء الحراك السلمي, كي يخلو تفكير الناس من أيّ حلٍ علمي, وتبقى المقارنة محصورة, وببصمات النظام هي ممهورة, و الرضا بأيسر الشرّين, وتأبيد طبيب العيون الأعمى قرّة العين .
 
ولمّا ضاقت بنا البلاد, ولم يبقى لنا من الصبر العتاد, ما وجدنا سوى الرحيل من بديل, وفارقنا الأحبة على النوح و الهديل, ورمتنا الأقدار على أطراف القارة العجوز, يفضحنا الجهل باللغات و الرموز, وهذا التصرّف جائز و ذاك لا يجوز, وبعد أن رمانا المهرّب في أحد الحدائق, في جوٍ صيفي رائق, نبّهنا النبيه فينا, ولن ننسى أبد الدهر فضله علينا, ألّا نُبحلق في سيقان البنات بعيوننا, كي لا يشكّ أحدٌ بأمرنا, وأنّى لأبو مُخطة, ألّا يوقِعنا في ورطة, ويغضّ الطرف عن هذه القطة, أو تلك البطة, سيقانات تستدعي طعم القشطة, أو الزبدة ممزوجة بالعسل فردوسية الخلطة, فتشاطر علينا أبو مُخطة و شارطنا على تطبيق إحداهن, بأن يسأل عن الشارع المؤدي الى برلين، وكلّ ظنه أنها على بُعد كيلومترين، فلمّا رأينا منه الجدّ, وأنه لن يقف عند حدّ, استعجلنا ( بعثيكو قربانو ) بالوصول, فردّ عبر الموبايل بأن الوقت لن يطول, فإذا به و معه مُهرّبٌ مجهول,مُلثّم في سيارته مُتوسط الطول, عرّفنا به على أنه أفغاني, يفعل فعل الخير من منطلق انساني, لكنه في سعر إيصالكم لا يُفاصل, فادفعوا إجرة التوصيل كي نواصل،  فدفعنا له المعلوم, وسألنا السُتر من الربّ القيوم, وتوزّعنا في الشتات على الدفعات, كلٌّ حسب ما يملكه من اليوروات, وفي الطريق الى برلين, صدر من هاتف ( الأفغاني ) رنين, ودون أن يتنبّه لوجودنا, تحدّث مع الهاتف بكردية فصيحة, عن الخطوط العريضة الصحيحة, في خطاب حزبه بمناسبة عيد نوروز, وعن قيم النضال من أجل وطن المنّ والجوز و اللوز.
Ghassan.can@gmail.com