أحمد العربي : حركات الاسلام السياسي في سوريا.. .تحت الضوء

2014-04-19

اولا.بداية لا بد من التأكيد ان الاسلام كدين .في الجماعة الوطنيه السوريه ومعتنقيه ايضا.لم يكن يوما منفصلا عن شؤون السياسة والحياة العمليه والقيم والاخلاق المجتمعيه.وهناك تماهي قيمي اسلامي مسيحي وفوق التقسيمات الفرعيه كاقليات او طوائف او مذاهب. وتكاد تكون الاخلاق والقيم ذات الاصول الاسلاميه مشتركة بين الجميع ومرجع للكل بغض النظر عن تسمياتها او انتسابها..
وكان الاسلام الى ما قبل العصر الحديث هو المرجع الذي تنتسب اليه السلطه السياسيه.فالعثمانيين حتى سقوط الخلافه بعد العشرين من القرن الماضي .يعتبرون حكمهم الممتد لقرون حكما اسلاميا...بالمختصر ليس الاسلام جديدا في السياسه ولكن العصر الحديث .اعاد السؤال حول دور الاسلام السياسي. .ومارسه البعض كخيار سياسي مجتمعي وللحكم كسلطة ودوله...
 
ثانيا.كان سقوط الخلافة العثمانيه واحتلال سوريا والعرب عموما من الغرب. صدمه حضاريه بكل معنى الكلمه .اعاد السؤال لماذا تخلفنا وتقدم الغرب واحتلنا ايضا. وكيف نتقدم ونتحرر ونحقق العداله.ومن الاجوبه التي كانت على هذا السؤال.هي بالعودة للدين الاسلامي دين ودنيا. وكان هذا التوجة ممتد في العالم الاسلامي وعند العرب والسوريين منهم.. وكان هذا الطرح متجاوزا الحالة التقليديه من رجال دين متتلمذين على بعضهم بطريقه عنقوديه .ومتوارثين المشيخه والاستاذيه جيلا عن جيل..بل كانت بالبداية على طريقه المصلحين الكبار المتماسين بالمباشر مع الغرب. والمتأثرين به سواء ايجابا لجهة تقدمة العلمي والتكنلوجي والحياتي.او سلبا لجهة تحوله لاستعمار رأسمالي. يستعبد الشعوب الاخرى لمصلحته ونح العرب منهم. بسبب فارق التقدم العلمي وبالقوة.. فكان الطهطاوي والتونسي والافغاني ومحمد عبده.الخ.وكلهم كانوا بمثابة دعاة ولم تصل تجربتهم لدرجة التحزب....
 
ثالثا.كان لتأسيس جماعة الاخوان المسلمين على يد حسن البنا في عشرينات القرن الماضي في مصر. دور الانتقال من الحالة الدعويه الى الحزبيه .بالمعنى المعاصر .كبنيه حزبيه و فكريه واهداف معلنه واستراتيجية عمل.. فقد نشأت الجماعة في ظروف سقوط الخلافه الاسلاميه (العثمانيه). ووجود حكم مصري فاسد تابع للمستعمر الانكليزي .ووجود الحالة الديمقراطيه المتمركزه على الطبقه الحاكمه والملاك والتجار. ووقتها كثرت الحالات الحزبيه شيوعيه وغيرها .وكانت مصر حبلى بمقدمات ما سيظهر في الخمسينات من ثورة تموز وجلاء المستعمر الانكليزي... المهم هنا.. ان جماعة الاخوان المسلمين وصلت الى سوريا عبر بعض الطلاب الازهريين وغيرهم. وكان لهم حضورهم وتميزوا بانهم تصرفوا في سوريا بعقليه عمليه.فانغرسوا في المجتمع بكل تلاوينه.وتأقلموا مع الوجود الفرنسي كغيرهم من الاحزاب. ومع فسحة الديمقراطية المتاحه .ومارسوا دورا مجتمعيا في محاولة لان يؤسسوا مع غيرهم لسوريا المستقبل بعد خروج المستعمر الفرنسي..
 
رابعا.بعد خروج المستعمر الفرنسي بالاربعينات من سوريا .ومع تأسيس الجمهوريه في سوريا. والبدايات الديمقراطيه.. كان لكل التيارات الفكريه والحزبيه وجود وحضور.من اخوان مسلمين للشيوعيين للقوميين السوررين وللبعثيين والناصريين لاحقا. ولكن الدور الدولي والاقليمي .كان له الفعل المؤثر في سوريا سواء عبر الانقلابات العسكريه المتتاليه او هزيمة النكبه او حلف بغداد او العدوان الثلاثي على مصر..وما تلاه من وحدة سوريا ومصر.. وما كان لذلك من تداعيات على الحالة الحزبيه السوريه وخاصة الاخوان السوريين .الذين كانوا فرعا للاخوان كتنظيم عالمي والذي اصطدم مع عبد الناصر في مصر...
 
خامسا.اختلف عبد الناصر مع الاخوان في مصر سواء لجهة السياسات .حول الاصلاح الزراعي والقرارات الاشتراكيه..الخ .او حول المشاركة بالحكم .وانعكس ذلك على صراع مفتوح بدأ من الخمسينات وما زالت رواسبه باقية للان بين العروبيين والاسلاميين.. وانعكس الخلاف على التنظيم في سوريا حيث وقف الاخوان موقف المتردد من الوحده المصريه السوريه.ولو ان بعض قادتهم التحق بالمشروع الوحدوي العربي.كمصطفى السباعي الذي تقدم خطوة مع القرارات الاشتراكيه .التي اقتربت من عدالة الاسلام الاجتماعيه عبر كتابه اشتراكيه الاسلام. .وبكل الاحوال كانت فترة الوحده وبعدها الانفصال .مرحلة اعادة ضبط لمسار الاخوان وكل الحالات الحزبيه السوريه.وعملت الجماعة على التمكن مجتمعيا. وهنا بدأت الجماعة تنتج لها مجموعاتها المسلحه. وهي من اصل الدعوة منذ البنا المؤسس.والتي كانت ذراع الجماعة الضارب. والذي يتحرك وفق خطة الجماعة وكقوة مستقبليه للوصول للحكم. وتنفيذ برنامج الجماعة لخلق الدولة الاسلاميه المبتغاة...
 
سادسا.لم يكن التوافق الفكري السياسي موجودا. بين ابناء جماعة الاخوان المسلمين حول اسلوب العنف للوصول للسلطة السياسيه في الدوله .خاصة بعد خبرة صراع الجماعة مع الملكيه في مصر .واغتيال البنا نفسه على خلفية اغتيال الذهبي .او حتى محاولة اغتيال عبد الناصر ونتيجتها الصراع المفتوح بينهم .وصولا لمحاكمات الاخوان واعدام سيد قطب وتحوله لجرح معنوي في ذات الاخوان اتجاه عبد الناصر والتيار العروبي.. ان ذلك كله كان حاضرا في وجدان الاخوان السوريين.فاتخذ الجسم الاغلب طريق الامتداد المجتمعي السلمي الافقي للوصول عبر التفاعل المجتمعي للحكم الاسلامي. واستمر طرف قليل يحمل فكرة العنف للوصول للدولة الاسلاميه.. وزاد الاستقطاب حدة ان السلطة السياسيه وصلت ليد البعث بعد حركة آذار 1963 .والتي عمدت لاقصاء كل مختلف .ووصلت لدرجة التصفيات حتى للبعثيين المختلفين مع خط الاسد .الذي استحوذ على السلطه بالمطلق بعد 1970 ....
 
سابعا.شكلت مجموعات صغيره ما اسمي بالطليعة الاسلاميه المقاتله .وكان على رأسعا مروان حديد. ومازال هناك عدم يقين بارتباطها بجسم الاخوان ام منشقه عنه..وعملت في الستينات للتأسيس لمواجهة السلطه البعثيه في سوريا. طبعا لسببين ان الحكم عروبي غير اسلامي.ولو ظاهرا. ولكون الحكام الفعليين علويين .وهناك بعض الفتاوي الدينيه التاريخيه .لابن تيميه وغيره تكفرهم..وعمد النظام لضربه استباقيه لهذه الجماعة. عبر اعتقال مروان حديد نفسه ومعه بعض مناصريه وسجنه . وقتله في المعتقل ايضا.. كل ذلك مع استفراد البعث بالظاهر بالحكم .وواقع الحال سيطرة الاسد عبر عصبته وعائلته وامتداد طائفته العلويه في الجيش والامن وكل مفاصل الدولة .ووجود متغيرات اقليميه مهمه وكبيرة كحصول الصراع بين المقاومة الوطنيه اللبنانيه وحلفاؤها الفلسطينيين ضد التحالف المسيحي اللبناني.ودخول سوريا للبنان ليكون بداية احتلال فعلي مازلنا للان ندفع ثمنه..ووجود تحالف بين السلطه العراقيه والسعوديه والاردن. الذين وجدوا بالاخوان حصانا رابحا ممكن المراهنة عليه لاسقاط النظام السوري او اضعافة على اقل تقدير...
 
ثامنا.في اواسط السبعينات .افتتحت الطليعه المقاتله الصراع مع النظام السوري .عبر عمليات اغتيال كانت هامشيه وطائفيه .ولم تكن مؤثرة على النظام فعلا. ولكنها قدمت له الذريعه ليقوم بحرب مفتوحة على الطليعه المقاتله وعلى الاخوان عموما .الذين سرعان ما انخرطوا بالصراع ضد النظام. واعطيت الذريعه للنظام لتصفية الاخوان بين قتيل وسجين وهارب .وايضا ببطش غير مسبوق للحاضنه المجتمعيه كحماة وجسر الشغور وحلب واغلب سوريا. وكان نتاجها عشرات الالاف من الضحايا .وكان من نتائج الصراع البطش بالعمل الوطني المعارض الذي اتخذ موقفا يعادي بطش النظام واستبداده وعنف الاخوان وطائفيتهم.لكن النظام تعامل مع الكل كأعداء وعمد لتصفية كل ناشط وبأي دور ولو رمزي. وكان الكل بين معتقل ومطارد وهارب..ولم نصل لاواسط الثمانينات حتى اصبحت الساحة السياسية السوريه ملك السلطة بالمطلق .فالاخوان محكومون بالموت عبر القانون 49. ووجود الاخرين الرمزي من قوى التجمع الوطني الديمقراطي .(ناصريين وشيوعيين وبعث ديمقراطي واشتراكيين عرب وحزب العمال الثوري). لم يغير من واقع الحال شيئا.بان السياسه في سوريا حكر على النظام فقط..
 
تاسعا.بعد احداث السبعينات والثمانينات. لم يعد هناك وجود فعلي للاخوان داخل سوريا.الا بعض الافراد الغير ناشطين .وبعض الحضور المعنوي المجتمعي. .وحاول النظام ان يغطي الواقع المجتمعي باسلاميين تابعين له عبر مؤسسة الافتاء او الائمه والخطباء..ولكن الساحة لم تخل من المبررات الموضوعية لوجود حالات اسلاميه .ترى الاسلام طريقها للخلاص من الحكم الطاغي المستبد ولبناء دولة اسلاميه وكل على ما يرى.. وكان لما حصل من الاحتلال الروسي لافغانستان وحملة امريكا والخليج ودعاتهم الاسلاميين (لانقاذها من العدو الملحد) .دور في استقطاب بعض الشباب السوري الذي انخرط في هذا الصراع. والذي كان لاحقا جزء من تنظيم القاعده. والذي عاد بعد ذلك لينخرط في الصراع ضد الوجود الامريكي في العراق.. ولم يكن النظام متفرجا .بل كان له دورا مزدوجا. فقد اعتقل كل من وصلت يده اليه .وكانت له داخل المجموعات اختراقات مهمه. ظهرت بقوة عبر دورها في العراق. وعبر دورها الان في سوريا من خلال تنظيم القاعده وفعلة السياسي والعسكري.وتحوله ليكون كالنظام سلاحا موجها ضد الشعب السوري.. طبعا هذا لا يعني ان كل من التحق بالفكر الجهادي واعتقل وكان له دور بعد ذلك في العمل المسلح ضد النظام هو مخترق .لا.. فكثير من الثوار هم ممن اكتوى بنار النظام وسجونه وظلمه الاجتماعي والاقتصادي ونتائج سياساته الضد مجتمعيه وضد الانسانيه ايضا....
 
عاشرا.ومن الحركات الاسلاميه التي كانت حاضره في سوريا .حزب التحرير الاسلامي.الحزب الذي نشأ على فكر الفلسطيني تقي الدين النبهاني. والذي اسسه في الخمسينات. وكان ينصب سياسيا على فكرة بناء دولة الخلافه. وتحرير فلسطين. وعلى فكرة طلب النصرة .من اطراف بالحكم في اي بلد واستلام الحكم كمقدمة للخلافه الاسلاميه الجامعه لكل بلاد المسلمين. وكان اسلوب عملهم يعتمد على خلق المناصرين عبر بنية تنظيمية محكمه وعبر تربية فكرية مضبوطة ومغلقه. فعندهم جواب لكل شيئ .؟!!.ولكن مشكلتهم الواقعيه هي انهم يرفضون اي دور سياسي مجتمعي قبل استلامهم للسلطه عبر طلب النصرة حصرا. وهذا جعلهم وجودا سياسيا تحت السيطرة في كل مناطق تواجدهم.فلم يكن لهم اي دور سياسي في الاحداث السوريه وحتى في فلسطين الداخل وحتى مع الثورة.. وكانوا في حالة عطالة سياسيه واقعيا.. وهذا يفسر وصول كوادرهم للمئات في سوريا عبر مراحل ازماتها السياسيه. دون اي منعكس مباشر لهم على الواقع او من النظام اتجاههم.. واستمر ذلك حتى التسعينات حيث قررالنظام (عبر ضرباته الاستباقيه التي طالت كل الناشطين السياسيين السوريين في العقود الماضيه) تصفية الحزب بحمله امنيه طالت المئات بين معتقل وهارب.. والحزب متميز بفكر شمولي مغلق يعتقد ان الخلافة الاسلاميه امرا شرعيا الاهيا.والحكم يجب ان يكون شرعيا الاهيا.وان الحكم الديمقراطي حكما كافرا .بمعنى غير الاهي يعني بشري. ويعتبر حزب التحرير حزب ديني بامتياز.الخ للحزب ازماته الفكريه والسياسيه والتنظيميه. ويعتبر شبه منتهي في سوريا كحزب. واغلب كوادرة انخرطت بالثورة السورية واصبحت من ناشطيها العسكريين والمدنيين ايضا..
 
حادي عشر.والان عندما نتحدث عن الحالة الاسلاميه المسيسه في سوريا.فاننا لا بد ان نذكر ان جماعة الاخوان المسلمين قد اتخذت موقفا جذريا من موضوع الحكم. بانه مدني ديمقراطي في سوريا المستقبل .وان ذلك تثبت كممارسه. بالتحاقها باعلان دمشق في اواسط الالفين .وكانت واحده من الطيف الوطني السوري .الذي توافق على الخيار الوطني الديمقراطي. وان اغلب مناصريهم في جسم الثورة الميداني.. وهذا لا يغطي على مشكلتهم العمليه في الممارسة في مناشط الثورة الساسيه .من مجلس وطني وائتلاف وتحالفات اقليميه ودوليه وحتى داخل الثورة.وهذا مرض الكل من اليسار او العلمانيين.والاسلاميين. لنقل مرض ضياع الاولويات كشعب وثورة.. والانتصار على النظام واسقاطة ومحاسبته وبناء الدوله الديمقراطيه .ويكاد يكون هذا مرض كل السياسيين السوريين الا من رحم ربي ولم يتحول بعد ليكون رافعة الثورة التوحيدي كسياسه وعسكر وهذا ما نسعى اليه....
 
ثاني عشر.كان لفكر القاعده المغلق والمختلف معه وعليه اسلاميا وعلميا. ولمارستهم السياسيه الثأريه والاقصائيه. ولاختراقهم من قبل النظام وغيره .دورا سلبيا في الثورة السورية . وخاصة انهم قدموا لشبابنا الحاضن المادي والسلاح واعتمدوا معهم عملية غسل دماغ وتوريطهم بفكرة ان لا بديل لهم عنهم.. ساعد في ذلك غياب الامتداد الوطني الديمقراطي بين الثوار الا ما ندر .ومحاربة الحالة من قبل المانحين .والعمل على تحويل الحالة الاسلاميه كقاعده لدور دموي ووحشي وطائفي وهذا مايريده اعداء الشعب السوري من النظام وحلفائه والداعمين الوهميين ..وذلك لمصلحة (اسرائيل) والغرب والانظمه المستبده التابعه..
 
ثالث عشر.ان البعد الاسلامي لاغلب المجموعات المسلحة المقاتله للنظام ضمن الثورة السوريه. ليس اكثر من بعد مجتمعي قيمي غير مسيس بالمباشر. ولا يدعوا للدولة الاسلاميه(الدينيه) .وهو اقرب للقول بحكم حرية وعدالة وان الشعب من سيقرر شكل الحكم... وهذا مقبول مبدئيا. وعلى سياسي ومفكري الثورة ان يؤكدوا على ان الحرية والعدالة والكرامة والدولة الديمقراطيه هي نتاج مقاصدية الاسلام ومصلحة الجماعة وطريق بناء المستقبل الافضل لكل السوريين....
 
.اخيرا ان التوافق الشعبي السوري بين الثوار والسياسيين على اولوية اسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطيه. تجعلنا نرجع البعد العقائدي عند الكل بدرجة اولويته لخلفية سلوكنا السياسي. وخاصة اننا مستهدفون كلنا كشعب سوري بوجودنا المادي كحياة والمعنوي كشعب على ارضه.. واننا ان لم نتوحد بالمطلق ضد النظام وحلفائه. وان اختلفنا في الفكر والعقائد والسياسه والاولويات ..هلكنا كلنا...
.ان وجود سوريا شعبا وارضا ودولة ديمقراطيه مستهدف ..وكلنا مشروع ضحايا ان لم ننصر ثورتنا وننتصر بها... 
 
..احمد العربي...
19.4.2014..