ولات احمه : كفالة اليتيم ثورة بحد ذاتها

2014-04-19

استهلال
 
جراء النزاع المسلح في سوريا، على خلفية الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري منذ منتصف آذار 2011، سقط الآلاف من الضحايا، بسبب اللجوء لاستخدام شتى أنواع الأسلحة الثقيلة ودك المدن وقصفها براً وجواً.
إن سقوط المدنيين يومياً جراء آلة القمع، وضع النسيج الاجتماعي السوري أمام
مخاطر وعقبات، من تفكك الأسرة السورية وتشردها جراء وفاة الأب أو الوالدين معاً، لتكون السبب الرئيس في ازدياد حالات اليُتم، تزامناً مع تعامٍ وتجاهل تام من قبل الجهات المختصة، التي لم تلتزم بواجبها الإنساني والقانوني بالشكل المنصوص عليه في جملة من الدساتير والمواثيق الدولية، فعانى الطفل السوري معاناة مزدوجة، كان له الأثر البالغ على محيط الطفل الأسري والاجتماعي والتربوي، مما جعله موضوع قابل للاستغلال مادياً وجنسياً وعسكرياً. 
 
اليتيم الذي أوصت به الديانات والكتب السماوية وأخذ حيزاً مهماً في المواثيق والقانون الدولي لإعادة تأهيله والاهتمام به في الحياة اجتماعياً ومادياً وتربوياً، لم يتم تقديمهم على أنهم ضحايا القدر أو بقايا المجتمع كما هو شائع في مجتمعات عديدة، بل كانوا موضوعا لآيات قرآنية كريمة، ومواد جوهرية في المواثيق والعهود الدولية، صانت لهم كل سبل الاحترام والمودة والتلذذ بالحريات العامة.
 
 
 
الأيتــام في كتاب الــرحمــن
 
الإحسان والإكرام إلى اليتيم هو خلق إسلامي، دافع مشع، إنساني، متمثل بقيم وخصال من الدين الحنيف، خطوة وآية ذات دلالة واضحة للحفاظ على النسيج الاجتماعي، الحنان والدفء والشعور بالآخــرعبر تعاليم وإرشادات وتوجيهات من القرآن والسنة للحفاظ على صلة الــرحم و إيقاظ العملاق النائم "الضمير" داخل النفس البشرية، للاحتكاك والتقرب بين الإنسان وأخيه الإنسان، هي سيالة من الأخلاق والمحبة والضوء والحب تُرسَل نوراً و إخلاصاً لشريحة من المجتمع، الشريحة التي يقع على عاتق الجميع الوقوف معها التزاماً بأمر الله وفرقانه. 
 
الإسلام عبر ركائزه و أركانه ومقوماته وكتبه وصحفه، وقف أمام كل القضايا الإنسانية والاجتماعية والحقوقية بكل توازن ودراية، ليؤكد للجمع بأن الإسلام دين متكامل سبق كل العلوم والكتب في ترتيب البيت الإنساني بكل دقة و حكمة، فأعطى الدين الإسلامي كل الأهمية والاهتمام لمسألة اليتيم عبر شرائع و دساتير نستمدها من آيات القرآن الكريم إلى جانب أحاديث شريفة، فلم يأتي اهتمام الإسلام بقضية اليتيم اعتباطاً ومن باب الصدفة.
 
رسول جل جلاله، يتيماً بين قومه وكنف عائلته (ألم يجدك يتيمآ فآوى). إن انتقاء الله تعالى لخاتم أنبياءه يتيماً، لهي آية ربانية وتهذيب وتوجيه لعباده على قيمة ومقدرة اليتيم على الانخراط والعمل في الحياة، وناهياً سبحانه، عن أن يكون اليتيم من فئة أو شريحة تعيش كعالة أو على الهامش في الحياة اليومية الاجتماعية، بل هو قادر أن يكون فاعلاً و سوياً في رحلته الإنسانية، كيف لا يكون فاعلا وكان محمد (ص) يتيماً ونبياً أرسله الله جل جلاله لبني البشر ليهديهم ويجنبهم المعاصي بكتاب ومعجزات.
 
أخذ اليتيم حيزاً كبيراً في الشرائع الإسلامية، كدليل واضح، على قيمة الإنسان في الإسلام، فهو النواة الفاعلة القابل للانشطار والتكاثر، لعمل الخير والإحسان ودفع عجلة الحياة نحو بر الأمان والهدوء دون أي تمييز بينهم باختلاف أجناسهم و ألوانهم ووضعهم الاجتماعي. أكد الإسلام بأن الاقتراب من مال اليتيم وأكله من السبع الموبقات، كحاضنة قانونية حقوقية، وآلية ردع وتحذير لكل شرائح المجتمع في التقرب أو التفكير في أكل مال اليتيم في صورة قانونية حقوقية متكاملة غير قابلة للتسويغ، ويظهر ذلك في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ.).أخرجه البخاري. وفي آية قرآنية يحذر الله تعالى بشكل قاطع وبإنذار رهيب و شديد لمن يتطاول على أكل مال اليتيم ظلما بغير حق فيقول:(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء10. 
 
حض الإسلام على احترام اليتيم بكل الصور اللبقة، ومعاملته كأي فرد داخل الخلية الاجتماعية، ودفعه بكل قوة نحو الحياة العامة في كل المجالات، باعتباره كيان فاعل قادر على خدمة وتطوير المجتمع، بحكم الفرد هو الخلية الأولى و الأساسية في تشكيل نواة الأسرة التي هي الخطوة الأولى لتكوين وخلق مجتمع ناضج سوي قادر على الإبداع و النشاط، ومن منطلق تعزيز الروابط و العلاقات الاجتماعية واحترام قيمة الفرد بغض النظر عن حالته الأسرية وحفاظا على دور ومكان اليتيم، نهى الإسلام بشكل قاطع إهانة اليتيم وعدم احترامه أو إيصال الضعف و الاستصغار إليه، فيقول عزوجل في كتابه: (َأرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) سورة الماعون3،وفي آية أخرى يقول سبحانه:( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) سورة الفجر 15.
 
للوصول إلى الذيوع المرجو، في الاهتمام باليتيم ورعايته، يتطلب منا تلقين وتعليم كل الشرائح الاجتماعية معاني المحبة والوقوف إلى جانب اليتيم من كل النواحي، وتشجيعهم وتثقيفهم بماهية كفالة اليتيم واحتضانه، لأن تلك الكفالة هي جدار وقائي وتشجيعي وحافز لإعداد ومساعدة فئة من المجتمع مادياً ومعنوياً، بل يتعدى ذلك إلى فتح كل السبل أمام تلك الفئة في مجال التعليم والتربية عبر مفهوم كفالة اليتيم. ولأن تلك الكفالة لها قيم ومعاني سامية في الحفاظ على فئة من المجتمع، أكد الإسلام على دور كفالة اليتيم كطريقة وأسلوب في الحفاظ على شريحة معينة من المجتمع من الجوع والبرد وسد كل الثغرات أمامها من الانحراف و الضياع، ولقيمة وسمو معنى الكفالة أثنى الإسلام على كل شخص يقوم بكفالة اليتيم، حيث جعل عليه الصلاة والسلام كافل اليتيم مرافقاً ومصاحباً له في الجنة, عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله , صلى الله عليه وسلم: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ في الْجَنَّةِ, وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى, وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلاً. أخرجه اْحمد- البخاري.
 
أولى الإسلام عناية كبيرة بأمر وشأن اليتيم فلم يقف أمام المساعدة المادية في المأكل والمشرب والملبس والعلاج، بل ركز واهتم بالجانب النفسي ناهياً سلوك الشفقة والحزن، ودعا كل الفئات إلى مراعاة محيط وظروف اليتيم الذي يشعر بالقهر والانكسار بعد فقدانه لأبيه، ونادى بخلق فضاء مريح ممتع هادئ، قادر على استيعاب متطلبات واحتياجات اليتيم النفسية من الحنان والمحبة والإخاء والاهتمام وتجبير الفراغ الحاصل في حياته اليومية، عبر اللسان اللطيف والنظرة الرؤوف للوصول إلى الاتصال الحسي والجسدي السليم المفعم بالإنسانية، عن عبد الله بن أبى أوفى -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يمسح يده على رأس يتيم إلا كانت له بكل شعرة مرت يده عليها حسنة ورفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة.
 
" لا يٌتم بعد الحــلم " حديث شريف، وذلك لإيلاء الاهتمام والرعاية في كفالة اليتم حتى سن محدد واليتيم هو كل من لم يبلغ سن الرشد الثامنة عشرة من عمره الذي فقد أباه نتيجة وفاة طبيعية أو استشهاده ويشمل اليتيم الجنسين من الذكر و الأنثى، أن تحديد عمر اليتيم وفقآ للشريعة الإسلامية يضعنا أمام الواجبات التي تقع على عاتقنا في رعاية وكفالة اليتيم وعدم التنصل والتستر وراء حجج و ذرائع واهية، فالوصول إلى العمر المحدد والمنصوص عليه في الكفالة و الرعاية يكون حينها اليتيم قد وصل إلى حالة يانعة قادر على خوض زمام المبادرة و الغوص في تلافيف الحياة وبدء الاعتماد على الذات في إدارة حياته اليومية وخلق فضائه الأسري والاجتماعي والتعليمي والعملي، بعد أن خضع لرعاية وكفالة سليمة أتاحت و مهددت له الطريق السوي والسليم الذي من خلاله سيصنع ما يبغي إليه كإنسان واعي قادر على التفاعل و الانسجام مع متطلباته اليومية على مختلف الأصعدة.
 
في صورٍ متكاملة لأهمية دور كفالة اليتيم واعتباره فرد كما غيره من أفراد المجتمع، جاء الإسلام ليعالج و يضع كل الأخلاقيات و الركائز وأسلوب التعامل والاتصال مع اليتيم، إلى جانب حمايته قانونياً واجتماعياً، وظهر ذلك واضحاً في معالجة القرآن الكريم لهذه الظاهرة بذكرها ثلاثة وعشرين مرة في سور قرآنية متفرقة، بالإضافة إلى الأحاديث الشريفة. من هنا يأتي دور المؤسسات و الفعاليات الخيرية والشخصيات الدينية في وضع آلية تنفيذية لتفعيل وتعميق مفهوم كفالة اليتيم لدى النسل البشري ونشر الوعي الاجتماعي و الإنساني تجاه التعامل مع هذه الفئة والعمل على إعداد كوادر مختصة في المجال النفسي والتربوي والإرشادي عبر مؤسسات و منظمات تعمل لخدمة اليتيم من كل الجوانب. 
 
 
 
اليتيم في المواثيق الدولية
 
جاءت المواثيق والقوانين الدولية كحاجة لرفع كل الظلم والاضطهاد والاستغلال عن الإنسان، ولوضع الجهات المسؤولة أمام التزاماتها الأخلاقية والإنسانية والقانونية، ومن ضمن تلك المواثيق والاتفاقيات جاءت اتفاقية حقوق الطفل ببنودها وقناديلها الأربع والخمسين، لتكون مجموعة من المصابيح والمعايير والالتزامات الغير قابلة للطعن، وتكون بمثابة الجدار الحامي لحقوق الأطفال ومناصرتهم ومساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتوفير المناخ الملائم أمام قدراتهم وطاقاتهم، وفتح الفضاء الواسع أمام تطلعاتهم ومهاراتهم، وايصال الطمأنينة والمحبة إليهم، لجعلهم كيانات فاعلة في مجتمعاتهم. 
 
اتفاقية الطفل عبر موادها تشمل كل الأطفال على دون خلفية وضعهم الأسري والاجتماعي، وهكذا يكون اليتيم له كل الحق في التلذذ بتلك المواد والبروتوكولات والاتفاقيات التي تصون و تحترم حقوقه. في عام 1989، أقرّ رؤساء العالم بحاجة أطفال العالم إلى اتفاقية خاصة بهم، لأنه غالبا ما يحتاج الأشخاص دون الثامنة عشر إلى رعاية خاصة وحماية لا يحتاجها الكبار. كما أراد الرؤساء أيضاً ضمان اعتراف العالم بحقوق الأطفال، وتتضمن الاتفاقية أربعة وخمسين مادة، وبروتوكولان اختياريان. وهي توضّح بطريقة واضحة حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان ودون تمييز.
 
جاءت الاتفاقية لتحدد عمر الطفل بثمانية عشرة عاماً وفق المادة الأولى "لأغراض هذه الاتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه". وتأتي المادة السادسة لتؤكد على حق الطفل في الحياة و العيش والنمو"1- تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة. 2 - تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل و نموه". بينما تتضح في الفقرة الأولى من المادة الثانية عشر حق الطفل في بناء الرأي والعالم الخاص بطفولته وفق نضجه وسنه "تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقا لسن الطفل و نضجه". 
 
حددت الفقرة الأولى من المادة التاسعة عشر على حماية الطفل من كل أشكال الاستغلال الجنسي والعنف بشكل قاطع "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد ( الوالدين ) أو الوصي القانوني ( الأوصياء القانونيين ) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته". وكان للتعليم مادة خاصة عبر فقرات متعددة أعطت كل الأولوية في حق الطفل في التعليم لتنمية مواهبه وشخصيته وقدراته العقلية وذلك في المادة الثامنة والعشرين "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم".
 
كان لإيجاد وخلق الجو المناسب للطفل في اللعب واللهو من حقوقه المشروعة وفقا للفقرة الأولى من المادة الواحد والثلاثين "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون". وتقر المادة الخامسة والثلاثين بالحماية القانونية للطفل في خطفه أو الاتجار به "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال".
 
تشمل الأحكام الرئيسية الواردة في البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل والخاص باشتراك الأطفال في النـزاع المسلح على التزام الدولة الطرف فيه بأن تتخذ جميع التدابير الممكنة عمليا لكفالة عدم اشتراك أفراد قواتها المسلحة الذين يقل سنهم عن ثمان عشرة سنة اشتراكا مباشرا في الأعمال العدائية. وأنه لا يجوز للدول الأطراف تجنيد أي شخص لم يبلغ سن الثامنة عشرة. كما يحظر البروتوكول على الجماعات المتمردة أو الجماعات المسلحة غير الحكومية تجنيد الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم ثمان عشرة سنة أو استخدامهم في الأعمال العدائية.
 
يشدد البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل والخاص ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الخليعة تشديدا خاصا على تجريم الانتهاكات الخطيرة لحقوق الأطفال، وهي بيع الأطفال والتبني غير القانوني واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الخليعة. ويؤكد على دور التعاون الدولي بهذا الخصوص في مكافحة هذه الأنشطة عبر الوطنية، وعلى قيمة الوعي العام وحملات الإعلام والتثقيف لتعزيز حماية الأطفال من تلك الانتهاكات الخطيرة لحقوقهم. ووضع قواعد لمعالجة الانتهاكات في ظل القانون المحلي، بما في ذلك ما يتعلق بمرتكبي الانتهاكات، وحماية الضحايا.
 
جاءت هذه المواثيق والاتفاقيات والمنظمات لتصون حقوق الطفل بمختلف فئاته العمرية وفروقاته الاجتماعية و الأسرية، ولتكون النافذة التي تشرق منها كل معاني الحياة والاهتمام والمحبة على ميادين الطفولة والبراءة، لكن رغم هذه الاتفاقيات مازلت هناك انتهاكات كبيرة تحصل بحق الطفولة، وذلك لعدم جدية تلك الدول و التزامها بالاتفاقيات، رغم إنها اعتبرتها الصك القانوني المحمي للطفل.
 
أن عدم تفعيل و تأسيس المنظمات الخاصة برعاية الطفولة، والشح الثقافي في نشر ثقافة حقوق الطفل في البيئات المجتمعية وعدم الاهتمام بتلك المواثيق والاتفاقيات كانت ذرائع وحجج لاستغلال الأطفال، والتعامي عن حقوقهم التي باتت واجباً اخلاقياً إنسانياً ليست بحاجة إلى أية مواثيق وبنود وعهود، لو كان بمقدرة الإنسان أن يتحكم بسلوكه الفطري السوي، الذي لم يصبغ بمكتسبات غير سوية في مجتمعات أطاحت و حطمت كل القيم الإنسانية وفقاً لشهواتها ومصالحها. فهكذا تطفأ كل المصابيح والقناديل في مجتمعاتنا أمام دروب اليتيم. 
 
آليات ومعايير التواصل مع اليتيم
.
أن ازدياد عدد الأطفال "اليتامى" في الواقع السوري الراهن، يضعنا أمام مسؤولية كبيرة في العمل بكل جدية وحزم في كفالة اليتيم، لإعادة إنتاج كيان إنساني قادر على الانخراط والاحتكاك في المجتمع ليكون حالة إيجابية سوية في مجتمعه، قادر على الإنتاج و الأبداع في شتى المجالات، أن الاهتمام و رعاية الأيتام يتطلب منا جميعاً العمل في أكثر من مجال:
 
- الظلم والقهر والتعامي الذي يتلقاه اليتيم من محيطه، يضعه ويجعله عرضة لآثار واضطرابات نفسية خطيرة، ومن هنا بات جلياً علينا الأخذ بعين الاعتبار الجانب النفسي لليتيم و معالجته بأقصى سرعة لأن هذه الآثار النفسية هي من صناعة المجتمع نفسه الذي يهمل يتاماه، لذلك يجب العمل على إعداد عيادات نفسية متحركة و ثابتة في مناطق تواجد اللاجئين السوريين للحد من الآثار و الاضطرابات النفسية عند اليتيم.
 
- كن لليتيم الأب والأخ والأم والصديق، البسمة التي تلاقيه في كل مكان، الصدر الواسع والرحب الذي يحميه من فقدانه للحنان و طعم الأبوة و الأمومة، أن ايلاء اليتيم الاهتمام من الجانب العاطفي والأسري واجب وحاجة و ضرورة إنسانية لوضع اليتيم ومده بالحنان والعطف الذي فقده جراء فقدانه لوالديه، فبات من الضروري نشر التوعية بين الجمهور العام من خلال الحملات وحقل الإعلام ووضعه أمام مسؤولياته الأخلاقية تجاه اليتيم ومعاملته كفئة من فئات المجتمع دون أية فروقات.
 
- جراء الحروب والنزاعات المسلحة يصبح الطفل ذو اهتمام بالصور والمشاهدات اليومية المباشرة التي تضعه أمام سلوك مكتسب قادر على توجيهه نحو العمل اللاسوي في اكتساب لغة العنف والتوجه نحو حمل السلاح، وتكون العواقب أكثر من ذلك عندما يكون الطفل يتيماً بعيداً عن حاضنة أسرية اجتماعية تربوية تحميه من اثار الحروب و النزاعات المسلحة. فيجب العمل على إيجاد آلية ردع لكل من يحاول استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة والعمل على التوعية الفكرية والحماية الاجتماعية لجميع فئات المجتمع عن مخاطر استغلال و جر الأطفال في سلوك بعيد عن عمره و براءته. والعمل لخلق طفولة هادئة وهانئة للأطفال الذين يعانون من ويلات الحروب والنزاعات المسلحة و التيتم والإرهاب.
 
- الاهتمام بالجانب التعليمي والتربوي، من خلال إعداد دور تعليمي يعمل ويشجع الطفل اليتيم على التعلم، حيث يبقى العلم هوالعامل الأساس في تقدم المجتمعات وتطورها، ويبقى الجدار الحامي لليتيم من الانحراف نحو بؤر الفساد و اللأخلاق، وكذلك أبعاده عن شبح الأمية والجهل والفوضى والجريمة.
- تشكيل و إعداد فرق للمسح والإحصاء في المدن والمحافظات، حيث يقع على عاتقهم إجراء مسح دوري لعدد اليتامى واحتياجاتهم مع مراعاة التصنيف العمري. 
 
- يحتاج اليتيم في حياته إلى الحضانة والعناية والتمريض، واهتمام ومعاونة في الجوانب النفسية المتعلقة بالحنان والرحمة والدفء الأسري، وحكماً يحتاج إليه الطفل مما يجعله آمناً بالطمأنينة والراحة النفسية، فبات واجباً تشجيع الأمهات وحثهن إلى حقوق حضانة أطفالهن اليتامى عبر البروشورات وحملات التوعية والزيارات الميدانية، وكذلك الاهتمام بثقافة اللمس والتواصل الحسي مع اليتيم حيث يشعر الطفل بالسعادة والحنان والأمان ويبعده عن معاناة الوحدة والألم وفقدان الحنان التي ستنتقل وترافقه عند الكبر مما ستشكل عنده عقد واضطرابات نفسية.
 
- فتح باب التواصل مع المنظمات والمؤسسات المختصة للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم في رعاية الأيتام. وتسخير القدرات الإعلامية والاستفادة منها في تسليط الضوء على اليتيم من حيث الواجبات والحقوق، وعقد ورش العمل والمجالس الخاصة بكفالة اليتيم، والاستفادة من الطاقات التربوية وحث روح ثقافة التطوع في هذا المجال.
 
 
 
خلاصة
 
يجب الوقوف بكل جدية في بناء مؤسسات وجمعيات تقوم على رعاية الأيتام وتحث دور الكفالة لدى كل شرائح المجتمع عبر ركائز و برامج أساسية مهنية تتمثل في تأهيل الأيتام تربوياً و مهنياً وصحياً وتنشئتهم تنشئة سليمة وصحيحة لخلق مجتمع متساو يكون الإنسان يتساوى مع أخيه الإنسان في الواجبات والحقوق.
 
أن الطفل اليتيم في سوريا يحتاج إلى كل الحنان والدفء والاهتمام والرعاية الخاصة، لإعداده اجتماعياً ونفسياً، ليكون فرداً قادراً على متابعة مسيرة الحياة من خلال واجباته وحقوقه، فالواقع السوري الجديد يكتمل ويصبح أجمل بالاهتمام والاتصال والتقرب مع جميع المعضلات والمشاكل التي تواجه المواطن السوري في حياته اليومية داخل الوطن وفي بلاد اللجوء.
 
انه المأمول، في خلق قاعدة مختصة في العمل التربوي والنفسي والاجتماعي للاهتمام بكفالة اليتيم من جميع الجوانب للحد من الفروقات الاجتماعية والأسرية والنفسية في النسيج السوري الجميل، المنشد والتواق في بناء سوريا لكل السوريين يتساوى فيها المواطنون بالواجبات والحقوق دون أي تمييز.