Dr. Sozdar Mîdî : سلسلة: نحو مشروع كُردستاني استراتيجي ( الحلقة 8) هذه هي شخصيتنا الكُردستانية الأصيلة!

2014-04-19

قصّتنا مع محتلّي كُردستان عجيبة، إنهم ما اكتفوا باحتلال وطننا، وإنما مدّوا أيديهم إلى شخصيتنا القومية أيضاً، فزعم بعضهم أننا سلالة شبّان مجهولين نجوا من ظلم الطاغية أَزْدَهاك، وعاشوا في الجبال" فتَوَحَشُوا وتَناسلوا في تلك الجبال، فهم بَدْءُ الأكراد"( ). وزعم آخرون أننا عرب، هاجرنا إلى الجبال واختلطنا بالأعاجم، فصارت لغتنا أعجمية( ). واختلق غيرُهم غرائب لا يقبلها عقل، فزعموا أننا من سلالة الجِنّ( ). 
وإضافة إلى التشكيك في أصولنا، شوّه المحتلون صفاتنا القومية، فزعموا أن صانع المِنْجَنيق الذي رُمي به النبي إبراهيم في النار كان كُردياً، وانضمّ آخرون إلى جوقة التشويه، فزعموا أن الكُرد أجلاف متخلّفون، غير قادرين على إنتاج الحضارة، وأنهم عصاة لله، ومنافقون ومفسِدون وقُطّاع طرق( ).  فأين هي الحقيقة؟
من سِمات شخصيتنا الكردستانية:
بدايةً نؤكّد أننا لسنا شعبَ الله المختار، نحن كباقي الأمم فينا النبيل والنَّذل، والشجاع والجَبان، والمناضل والانتهازي، والفدائي والخائن، ولو كنا شعباً بلا عيوب لَما بقينا إلى الآن مستعمَرين، وطنُنا مُحتلّ، وثرواتُنا مَنهوبة، وكرامتُنا القومية مُستباحة. 
والشخصية القومية لأيّ شعب هي- في الغالب- نتاج تفاعل ثلاثة عوامل: (الجينات السلالية، والبيئة الطبيعية، والثقافة). وللبيئة الدور الأكبر في تكوين الشخصية. وبالنسبة لنا الجبلُ مفتاح شخصيتنا، في أحضان الجبل بدأ تكويننا، وصحيح أن بعض أسلافنا انتقلوا إلى السهول، لكن ظلّ الجبل على مرمى أبصارهم، فالكُردي لا يرتاح في عمقه النفسي ما لم يرَ الجبل، وفي الجبل يستعيد الكرديُّ جذره التكويني، ويكفّ عن التغرّب عن ذاته القومية، ويكون أقرب إلى هويته الأصيلة.
أولاً- من الناحية الإثنية: نحن لسنا فُرساً ولا عَرَباً ولا تُركاً، مع احترامنا الشديد لجميع الشعوب، بل نحن أمّة قائمة بذاتها، أسلافُنا هم الزاغروس- آريون الأوائل الذين عاشوا في وطننا منذ فجر التاريخ، والمثلّث الجبلي (زاغروس- آرارات- طوروس) هو العمود الفقري لوطننا. ومن أسلافنا هؤلاء ورثنا خصائصنا الفيزيولوجية والذهنية والسيكولوجية، ومنهم ورثنا لغتَنا التي تطوّرت عبر القرون بمختلف لهجاتها، وانتهت إلى ما هي عليه الآن، ووطنُنا هو هذه الجغرافيا التي نقيم فيها وسمّاها غيرنا (كُردستان)، ولو لم نكن أصحابها لَما اقترن اسمنا بها. 
ثانياً- من الناحية الحضارية: مررنا بالمراحل التاريخية ذاتها التي مرّ بها الآخرون، فكنا بدائيين كبقيّة الشعوب، ومنذ أوائل الألف الخامس قبل الميلاد كنّا من روّاد الحضارة، وأسلافُنا هم صنّاع حضارة گُوزانا في أحضان جبال زاغروس وطوروس، ثم انتقلوا إلى إيلام وبلاد سومر، وأبدعوا هناك أولى الحضارات المتطوّرة في غربي آسيا. ورغم ظروف الاحتلالات التي فَرضت الحالةَ الرَّعَوية الريفية على معظم شعبنا، كنا نساهم في تطوير الحضارة كلما أُتيحيت الفُرص لنا، بل كان بعضُ روّادها في مختلف المجالات من شعبنا (ذكرنا أمثلة في حلقات سابقة).
ثالثاً- من الناحية القيمية: نَمّى الجبل في شخصيتنا الشجاعةَ، وشدّةَ البأس، والعنادَ، والاعتزاز بالذات، وحبَّ الحرية، شَهِد غيرُنا بذلك، قال ابن حَجَر العَسْقَلاني (ت 1449 م) "الكُرد، ناسٌ موصوفون بالشجاعة"( ). وقال شهاب الدين الآلُوسي (ت 1854 م): "وبالجملة الأكراد مشهورٌ بالبأس"( ). وخَصلةُ النُّبل عريقة فينا، إنها ظهرت في تراثنا اليَزْداني (الأزدائي)، جاء في زَنْد أَڤِسْتا: " كن نبيلاً"( ). "الشَّهامة والنُّبل هو الأفضل لتنفيذ الأعمال"( ). "مع الأعداء كنْ نبيلاً رقيقاً وحَسَن النيّة"( ). 
وفي العصر الحديث قال باسيلي نيكيتين: " الصفةُ البارزة للكُرد هي حبُّهم للقتال... لقد علّمت الحياةُ الفردَ الكُرديّ أنّ العالَم مُلْك الشجاع" ( ). وقال نيكيتين أيضاً: " تُماثل لفظة (كارْدُو) ألفاظاً ساميّة، وبخاصة في الأكّادية والآشورية، وهي تعني (قومي، بَطل)" ( ). وقال دياكونوڤ: " ليست صُدفةً أن الآشوريين كانوا يسمّون الميديين بالأقوياء" ( ). وقال الباحث الأرمني آبوڤيان: " نستطيع أن نُطلق على الكُرد لقب (فُرسان الشرق) بكل ما في هذه الكلمة من مدلول"( ).
رابعاً- من الناحية السياسية: رسّخ الجبل في شخصيتنا القومية نزعةَ الفردية (التمركز حول الذات)، ونمّت فيها النفورَ من استبداد الفرد، ومن الخضوع للسلطة المركزية، وعزّزت فينا الميلَ إلى التمرد والثورة على ما يَحُدّ من حريتنا الشخصية، ويَنتقص من سلطتنا الفردية والقَبَلية والحزبية، وهذه الخصائص تركت – وما زالت تترك- آثاراً ضارّة في تاريخنا السياسي بشكل عام.
أجل، هذه الخصائص جعلت السومريين- خرّيجي حضارة گُوزانا- يقيمون دولَ المدن، ويتناحرون فيما بينهم، في حين أن الأكّاديين الساميين بمجرّد وصولهم إلى السلطة في وسط ميزوپوتاميا، أقاموا دولة استبدادية مركزية، وابتلعوا دولَ المدن السومرية. وهذه الخصائص هي التي فرّخت الإمارات والدويلاـت في تاريخنا، وجعلت عمرَ دولنا المركزية قصيراً (مملكة ميتاني- مملكة ميديا- الدولة الدوستكية- الدولة الأيوبية)، وهي التي تسهم في عجزنا إلى الآن عن توحيد صفوفنا وتحرير وطننا. 
خامساً- من الناحية السيكولوجية: الجبال بيئة الأضداد (قمم ووديان، صخور وزهور، سلاسل صلبة وجداول وأنهار)، هذه الأضداد تركت آثارها في سيكولوجيتنا، ونمّت الأضدادَ في شخصيتنا: حِدّةٌ ولطف، هدوءٌ وقور وغضبٌ هائج، صبرٌ طويل وتسرّعٌ متهوِّر، نَباهةٌ شديدة وغفلةٌ عجيبة، بُعْدُ نَظَرٍ اكتسبناه من القمم، وقِصَرُ نَظَرٍ زرعته فينا الوديان، إنّ قِصَر نظرنا وغفلتنا- خاصة في المجال السياسي- جرّا علينا الكوارث، وصارت غفلتنا مَضرب المَثل في الشرق الأوسط، وشاعت في بلاد الشام ومصر عبارة "هل تَسْتَكْرِدُني"؟! أيْ هل تعدّني ساذَجاً كالكُردي؟!
سادساً- من الناحية الذهنية: الجبال بيئة التنوّع النباتي والحيواني والمُناخي، فنمّت فينا الذهنيةَ العلمية المنفتحة، نَقبل التنوّع، ونَنفر من النمطية في كثير من مجالات حياتنا، نَتديّن لكن في الغالب لا نتعصّب، وإنما نقبل الآخر دينياً ومذهبياً، أمّا نزعات التعصّب الديني والمذهبي التي تظهر بيننا فهي نتاج ثقافات المحتلين الدخيلة. وإنّ نفورنا من النمطية والجمود يتجلّى في نزعتنا الإصلاحية دينياً وسياسياً واجتماعياً، وانتقلت معنا هذه النزعة إلى المَهاجر، وذكرنا بعض الأمثلة على ذلك في الحلقات ذات الصلة بالجوانب الحضارية.
سابعاً- من الناحية الجمالية: بيئتنا جبال شامخة، وسهول منبسطة، جداول وأنهار، أشجار وأعشاب وأزهار وأطيار وحيوانات بمختلف الأشكال والألوان، هذه البيئة الجليلة الجميلة نمّت في شخصيتنا الحسَّ الجمالي، جعلتنا رقيقي الشعور بقدَر ما نبدو وقورين، رجالُنا بقاماتهم المنتصبة، ومظهرهم الوقور، يمثّلون الجلال، ونساؤنا بجمالهنّ الطبيعي، وأزيائهنّ الزاهية، يمُثّلن الجمال، ويتجلّى حسُّنا الجمالي بأدقّ معانيه في أغانينا وموسيقانا الفولكلورية، وفي عشقنا للطبيعة، لاحظوا كم هو الارتباط شديد بين أغانينا وموسيقانا والمرأة والطبيعة! 
هذه هي الخصائص العامّة لشخصيتنا القومية، ولا ريب في أن الاحتلالات طوال 2500 عام أثّرت في شخصيتنا، فشوّهت فيها ما هو أصيل ونبيل، وزرعت فيها ما هو منحطّ ودخيل. ومن مهمّتنا الأساسية- مثقفين وساسةً- أن نُحيي خصائصنا الأصيلة، ونعمّمها في شعبنا، إن استعادة شخصيتنا الأصيلة ضرورة استراتيجية، فالأمّة المهزومة بالكامل هي الأمّة التي خسرت شخصيتها القومية.
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
15 – 4 – 2014
sozdarmidi@outlook.com