أحمد العربي : الحركة الشيوعيه السوريه.. .تحت الضوء

2014-04-12

اولا. ان الحديث عن الحركة الشيوعية السوريه.لا يمكن ان يفهم الا ضمن سياق الحالة العالميه لتطور الفكر الاوربي. الذي تأسس عبر قرون مستفيدا من التطور العلمي وتوظيفه في تطور حياة البشر والمجتمعات الانسانية .صنع مقدمة للرأسمالية العالمية التي استثمرت مجتمعاتها اقتصاديا وبشريا.
وراكمت رؤوس اموال وصنعت الطبقه الرأسماليه التي استمرت بتطوير ذاتها وصنعت لها حكمها العالمي المباشر .وبالطبع لم تكن رحلة الرأسماليه العالمية مليئة بالورود بل هي بمقدار تقدمها العلمي وبمقدار التقدم التكنلوجي .لصالح البشر. بمقدار ما اساءت لهم عبر الحروب والاستعمار والضحايا الذين تراكموا بالملايين عبر حروب الرأسماليه وحركتها لمصلحتها عبر القرون الماضيه..
 
ثانيا.لم يصمت العقل الاوربي العلمي والسياسي عن التنديد بالرأسماليه ومواجهتها فكريا والبحث عن حلول اصلاحيه داخلها او جذريه في مواجهتها. كانت الماركسيه على يد ماركس وانجلز محاولة نظريه تقول بان اصل الشر بالرأسماليه هو بفكرها المنصب على الملكيه الخاصة والدولة المهيمنه والاديان حاملة بذرة قبول الاستغلال..وعمل لصناعة مجتمعا بديلا سمي بالمجتمع الشيوعي .لكونه مجتمعا بلا ملكيه ولا دولة ولا دين مجتمع الحاجات الملباة للانسان..وبمقدار ما كان هذا الفكر اشكالي ومتناقض مع الرأسماليه وطموح . بمقدار ما لقي له انصار في اوربا وفي جميع انحاء العالم .. وخاصة بعد ان انتصرت الثورة الشيوعيه في روسيا والتي رسخت الدولة الشيوعية الاولى في العالم .1917. والتي رسخت نفسها في الاتحاد السوفييتي وخاصة بعد انتصارها مع حلف الناتو الرأسمالي ضد حلف المحور الرأسمالي ايضا ضمن صراع النفوذ.وثبتت نفسها كدولة مركزيه في القرار الدولي. عبر تشكيل مجلس الامن ودول الخمس دائمة العضويه.المتحكمة بمصير العالم عبر حق النقض الفيتو والتحكم الفعلي بالقرار السياسي والاقتصادي العالمي...وهذا مستمر للان..
 
ثالثا.كان لا بد للفكر الماركسي الشيوعي ان يكون له امتداده .في المنطقه العربيه وسوريا ايضا.فنحن ايضا لنا اسبابنا ان ننظر للغرب وكيف تقدم ونحاول التعلم منه او تقليده. كانت الماركسيه وصفه جاهزة تجسدت على الارض في الاتحاد السوفييتي.وخاصة ان الفكر الماركسي يقصي بالمباشر كل عناصر الاختلاف في البنية المجتمعيه.فهو فكر فوق وطني وضد قومي وضد الدين وضد الرأسماليه فكرا والرأسماليه كطبقة على الارض. امتد العمل الحزبي الشيوعي في سوريا في قليل من المثقفين. وامتد بالفئات المهمشه وببعض الاقليات الطائفيه والاثنيه اكثر من امتداده المجتمعي العام.وكان ذلك محاولة تماهي مع الامتداد العالمي بمواجهة واقع الشعور الاقلوي المجتمعي .المرفوض والغير صحيح..والغير مقبول ايضا...وكانت اوضاع الحالة السورية في زمن الاحتلال الفرنسي .تحتمل وجود هكذا فكر وحاله حيث تبقى بحضور محدود .وتحسن صورة الديمقراطيه الاستعماريه.. والتي لم تغير بالعمق (الشيوعيه) هي وغيرها من الاسلاميين والقوميين كنموات جنينيه اي حالة واقعيه جديه .في مواجهة المستعمر او صناعة بديل...وكان لا بد ان نتحرر من الفرنسيين حتى يدخل الشيوعيين السوريين سباق السياسة السوريه..
 
رابعا.ان سوريا بما حفلت به من متغيرات داخليه وموثرات خارجيه .كان هناك مبررات كبيرة لوجود القكر الشيوعي كحزب شيوعي .او امتدادات فكريه في كثير من الحالات الحزبيه الاخرى.. ففي البعث كان هناك تيار يعتبر نفسه متأثرا بالفكر الماركسي .وكان هناك ايضا بعض المفكرين المستقلين او بعض المجموعات الصغيرة المتمايزة عن الحزب الشيوعي الام .. وكان لذلك اسبابه سواء لوجود قراءات مختلفه للفكر الماركسي او للسلوك السياسي. فهناك الموقف التابع للحزب الشيوعي السوفييتي. والذي كان موقفه مناقضا مع اغلب ما يجول في عقل ووجدان الشارع العربي والسوري.حول العروبة كتوحيد قومي.. فموقف الحزب الشيوعي السوري كان ضد الوحده المصريه السوريه مثلا.. وظهر هنا كانه خارج التاريخ.. وكذلك موقفه من الاديان عموما والاسلام خصوصا وظهر كانه يعادي ويتحدى مشاعر اغلب الناس.. والموقف من قضية فلسطين التي اعتبرت قضية كادحين يهود. وليست قضية شعب شرد وبالقوة وتم احلال آخرين مكانهم دون وجه حق.. وكان لهذه الحالة تأثير كبير على الحزب كوجود وامتداد .بحيث لم يستطع يوما ان يكون شعبيا ومؤثرا فعلا في الواقع السياسي .ناهيك ان يكون له دورا تغييريا ما..وهذا ادى لنتائج..منها الانفضاض عن الفكر الماركسي عموما .اواعادة تفسيرة في احيان اخرى ليشمل موقفا ايجابيا من العروبة والقوميه.او حتى موقفا مساندا للفلسطينيين وداعما للثورة الفلسطينيه ايضا..وادى هذا في مرحلة ما للوصول الى الخلاف داخل الحزب الشيوعي الذي ادى لانشقاقه ..وأخذ كل مسار مختلف..
 
خامسا.في العودة للممارسة على الارض . لم يستطع الحزب الشيوعي ان ينغرس في المجتمع السوري للاسباب المذكورة.ولان المد الوحدوي كان مهيمنا في الخمسينات والستينات .وقد استطاع تحالف البعث مع الناصريين ان يصنع حركة آذار 63 .وان يستحوذ البعث على السلطه .وان يبدأ بمغازلة كل التيارات السياسيه من ناصريين وشيوعيين ليستقر له الامر وخاصة بعد حركة الاسد في تشرين 70 .وتداعياتها التي ادت لولادة الجبهة الوطنيه التقدميه .التي ارتكز عليها النظام ليخلق مشروعية مستمرة .وليغطي على نظامه العصبوي العائلي المغطى طائفيا.. وليحتكر السلطة والثروة وكل مفاصل السياسه والحياة في سوريا ...
 
سادسا.عند مفصل الجبهة الوطنيه التقدميه .وقبلها المواقف من العروبة والوحدة والقضية الفلسطينيه.توصل الحزب الشيوعي السوري لقراره بالانشقاق بين 72 و73 . وتحوله لحزبين احدهما يلتحق بالمباشر بالسلطة كحليف تابع ودون اي حضور ومجرد وجود رمزي؛شكلي. لتغطية فعل النظام ويظهر ان الاغلب الاعم ممن استمروا فيه .لهم مصالح انتهازيه مع النظام حيث دار وبأي موقف كان... اما الجناح الاخر الذي سمي جناح المكتب السياسي. فكان اكثر جذرية في مواقفه. فقد طور موقفه الفكري من موضوع الوحدة العربية وضرورتها. وفلسطين وحق الشعب الفلسطيني فيها.والموقف من النظام الاستبدادي .وعمل مع بقية القوى السياسية المعارضة الاخرى. ليؤسس بعد ذلك للموقف الديمقراطي السوري وليكون مع بقية الاحزاب .موقفا وطنيا ديمقراطيا. من احداث السبعينات والثمانينات ببن النظام والاخوان المسلمين .كموقف وطني ديمقراطي يرفض استبداد النظام وفعله الوحشي .ويرفض الفعل العنفي للطليعة المقاتله الاسلاميه. ومن ثم الاخوان واطروحاتهم الطائفية والغير وطنيه..وذلك من خللا تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي مع احزاب اخرى .وكان لهذا الموقف الجذري ثمنا على الحزب.فقد استهدف امنيا وعمل النظام على محاولة استئصاله. فكثير من محازبيه اعتقل لسنوات طويله والبعض توارى والبعض غادر للمنفى.. واثبت هذا الفصيل السياسي ان موقفه الوطني الديمقراطي .كان له اولويه على الخلفية الفكريه ودفع ثمنا غاليا عبر اغلب عناصره وعبر عن مصداقية تحسب له.. وآخر تطوراته كانت قبل الثورة بسنوات .حيث غادر الشيوعية كفكر (وبقي كمنهج علمي اجتماعي على حد تعبيرهم ).واسم فقد اصبح اسم حزبهم حزب الشعب الديمقراطي. وكان لهم مثلهم مثل ما تبقى من كوادر الحركات السياسيه السوريه المعارضة ليكون من صلب الربيع السوري ومن ثم في ثورته..وكل في مجاله وامكانياته..
 
سابعا.كان هناك ايضا فصائل اخرى تحمل الفكر الماركسي لكن بقراءات مختلفة .فمنهم حزب العمال الثوري الذي تميز بفكر قومي ماركسي .وكانوا ظاهرة نخبوية ضيقة لكنها صلبة ومثقفه ويتبنون افكار ياسين الحافظ(البعثي السابق).والياس مرقص. والمهم ان هذا الفصيل التحق ايضا بالتجمع الوطني الديمقراطي مع الاتحاد الاشتراكي والاشتراكيين العرب .وحركة البعث المسماة الشباطيينى.نسبة لحركة 23.شباط والتي التحقت ايضا بالموقف الوطني الديمقراطيين .. وبنفس الخلفيه.مع التركيز ان لاغلب هذه الاحزاب نفس المسمى مع جبهة النظام وجزء من صورته السياسيه وادعاءاته الديمقراطيه.. وكان هناك ايضا فصيل ماركسي آخر ظهر في السبعينات وسمي رابطة العمل الشيوعي. تميز بقراءات فكرية ملتبسة ومواقف سياسيه اكثر التباسا .وكان النظام قد اخذ قرارا باستئصاله .وذلك لقرار له علاقة بوحدة الموقف من النظام(داخل الطائفه )حيث نشطت بكثافة في اوساط العلويين وبقية الفئات الدينيه او الاثنيه. وهذا ما لم يقبل النظام به فقرر استئصالهم ولاحقهم بقوة واعتقل اغلبهم وسجنوا لسنين طويله وتوارى البعض وانتقل البعض للمنفى. تحولت الرابطة لحزب العمل الشيوعي. لم تكن يوما واضحة التوجة السياسي والفكري .وكانت تغطي على ذلك بحشدها واندفاعها في سلوكياتها النضاليه كتوزيع البيانات او النشاطات الاخرى بحيث لم يترك كحزب لنفسة اي فرصه لمراجعات نقديه الا داخل المعتقل وبعد ان اصبح مجرد ظاهرة سياسيه سابقه. مثله مثل اغلب الحركات السياسيه السوريه..... 
 
ثامنا .ان التطورات الفكريه للشيوعيين السوريين وخاصة حزب الشعب. والتحاقهم بالخيار الوطني الديمقراطي .جعلهم اقرب للناس ولما يريدون. ومع ذلك لم يستطيعوا ان يقدموا مصالحات جذريه مع الوجدان الشعبي حول العروبة والاسلام وحتى الديمقراطيه. التي ظهرت بانها معلنة فكريا بعيدة عن الممارسة لدى اغلب الاحزاب التي حملتها. فالبنية الحزبية لهذه الاحزاب استمرت على ماهي عليه لعقود متتاليه في مواقعها الحزبيه. وبعضها توفي وهو في موقع الامين العام. وهذا جعل مبررا للتساؤل عن مدى جدية التغيير الديمقراطي في الفكر والبنية والسلوك..لهذا الحزب ولكل الاحزاب الوطنيه الديمقراطيه السوريه..
 
.اخيرا ان قراءة الحركة الشيوعية السوريه تحتاج لاكثر من هذه العجالة المركزة.ومع ذلك فقد توصلنا ان الحالة السورية استوعبت فيها المختلف والمتناقض .وان الشعب فهم وتفهم .ولكن الاغلب الاعم وقع ضحية الرؤيه الشموليه التي غطت الاستبداد السياسي والمجتمعي.وان الكل وقع ضحية فصيل (البعث) الذي وصل للسلطة. وصنع حالة اقصاء بالقوة لبقية القوى السياسيه. وحول المجتمع الى مزرعة خاصة للنظام والشعب لعبيد عنده.. وان المجتمع السوري بتنوعه الاصلي الطائفي و الاثني والديني وبتنوع توجهات نخبة السياسيه .يجعلنا نقف بالمطلق امام الخيار الوطني الديمقراطي لسوريا. وان المستقبل والحكم والحلول هي خيارات الشعب بكل فئاته وعبر القنوات الديمقراطيه. وهذا يتطلب قبولا مسبقا بالديمقراطيه طريقا وممارسة ونتائج ..ومن ميزاتها انها تداولية وانها انتخابيه وتوضع تحت المساءله والمتابعة والتجديد والتطور والتغيير دوما حسب مصلحة الجماعة الوطنيه...
 
..احمد العربي...
11.4.2014...