نوري بريمو: كوردستان سوريا على كفوف عفاريت عديدة

2014-04-01

في البداية لا بد من التذكير بأنّ الجانب الكوردي في كوردستان سوريا التي شارك أهلها في الثورة السورية كجزء رئيسي منها، كان حذراً منذ البداية وقد حسب أكثر من حساب وتوجه صوب مراجعة الذات وتوحيد الخطاب وترتيب البيت الكوردي وإختار خندق المعارضة السورية لإسقاط نظام البعث وتمسّك بالخيار السلمي للثورة وطرح الحلول السياسية ونبذ الإنزلاق إلى دوامة العنف والعنف المضاد.

وصحيح أنّ المناطق الكوردية، لم تتعرّض حتى الحين إلى مجازر كبيرة كالجرائم الرهيبة التي ارتكبها ويرتكبها النظام وأعوانه في باقي الأنحاء التي تهدّمت بنيتها التحتية ويجري تهديمها شيئاً فشيئاً بفعل تعنُّت آل الأسد الذين يبدو أنهم أقسموا بأن لا يرحلوا عن السلطة إلا بعد أن يهدموا البلاد ويهلكوا العباد، ورغم أنّ المدن والأرياف الكوردية لم تغُص بدماء أبنائها ولم تتحوّل إلى ساحات حروب ساخنة ولم يتم استهدافها بشكل عسكري مباشر كالقصف بالصواريخ التقليدية واللوجستية وبالبراميل المتفجرة وبالغازات السامة، إلا أن أهلها الكورد كانوا ولا يزالون يكتوون بنيران ما يجري في سوريا من كوارث أودت بحياة مئات الألوف من الضحايا الآدميين، والكورد يدفعون فاتورة هذه الثورة المتأزمة كما غيرهم ويعانون من ويلات الحصار المتعدد الأشكال والألوان والذي أجبر حوالي المليون للنزوح القسري من ديارهم والهجرة هرباً من القتل والحبس والجوع وبحثاً عن الأمن والأمان والإستقرار.

ومع إطالة أمد الثورة السورية التي اندلعت شرارتها قبل ثلاثة سنوات، والتي تعاظم شأنها وتدحرجت وكبُرَتْ ككرة الثلج وتأججت وتوسّعت وتمدّدت عرضا وطولا وتحوّلت إلى أزمة مستعصية ومقبلة على المزيد من التأزم والصراع الطائفي الذي ينفخ في لهيب نيرانها ويحولها إلى برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة ليهدد أمن واستقرار شرق أوسطنا برمته!، دخلت المناطق الكوردية ـ أي مع استمرار الأزمة ـ في طور جديد وصارت مهدّدة بمخاطر جمّة وبدأت تتأرجح وتهوج وتموج كما لو أنها تقف على قُرن ثورِ هائج قد يزلزلها ويؤرجحها ويقذف بها كما يشاء، في حين أضحى المجهول يتربص بحاضرها وبمستقبلها، ويمكن القول بأن بلاد الكورد صارت مقسّمة إلى مربعات أمنية "كانتونات" موضوعة بشكل فعلي مخيف على كفوف عفاريت عديدة (حزبوية محلية مستفردة وأسدية طائفية طاغية واسلامية سلفية غازية وغيرها وغيراتها من مجاميع الشبيحة والمافيات التي يستخدمها الأسد دفاعاَ عن نظامه الأرعن).

وللعلم فإنّ شعبنا الكوردي لا يمكن أن يرضخ لأية خزعبلات قد تفرضها عفاريت محلية الصنع ومن ذوي القربى أو غريبة من صنع الآخرين، وإنّ كوردستان سوريا لا يمكن أن تبقى حكراً لسلطة أية جهة حزبوية تنوي أن تتسلطَن على الحكم بمفردها، وإنما هي ملكاً لأهلها وينبغي أن تُدار من قبل كافة الأطراف الكوردية وبالتوافق السياسي الديمقراطي، ولذا فلا بديل عن ترتيب البيت الكوردي مهما بلغت درجة الخلافات، وذلك لن يتم إلا بعودة جميع تاركي البيت الكوردي بما فيهم حزب الـ (ب ي د) إلى التغريد ضمن السرب الكوردي والكف عن الإستفراد بالساحة والتراجع عن مشروع "الكانتونات" الذي قسّم المقسّم وجزّأ المجزّأ، والإقلاع عن اسلوب رفض الآخر وفرض الذات كسلطة الأمر الواقع.

وبفعل كثرة وتكاثر عفاريت "الأمة الديمقراطية" المهيمنين حاليا بالوكالة عن النظام على زمام الأمور والمفاصل الأمنية في كوردستان سوريا، وبالتناغم بينها وبين شبيحة الأسد وديناصورات السلفيين الذين يحومون حول تخوم الأرياف الكوردية المهدّدة بشتى المخاطر، وفي ظل إعتماد أرباب هذه "الكانتونات اللاديمقراطية" للأساليب الدكتاتورية "البولبوتية" التي غايتها فرض هيبتها المافياوية على الناس لتخويفهم وتضييق الخناق عليهم وتعكير صفوة حياتهم باستخدام منطقي القوة والجهالة ضدهم، فإنّ بنات وأبناء شعبنا الكوردي يتعرضون حاليا للحصار المدقع والاعتقال ومنع احياء المناسبات القومية الكوردية والاغتيال السياسي وخنق الحريات الأساسية ومحاولة إلغاء الآخر وفرض الاتاوات على الأهالي وإحراق ومداهمة المكاتب الحزبية وإغلاق وسائل الاعلام وقمع أنشطة منظمات المجتمع المدني والتهديد بالتهجير واختتطاف طالبات المدارس وتجنيد الأطفال الصغار واستخدامهم في بازارات الحروب و...إلخ.

وفي كل الأحوال ورغم سوء حال مناطقنا الكوردية التي تعاني من الأمرّين، فإنّ على المجلس الوطني الكوردي أن ينطلق من كونه ممثلا للشعب الكوردي وأن يستمر في أدائه الدبلوماسي في إطار المعارضة السورية وأن يؤدي دوره المنوط به في الداخل والخارج، وأن يتعامل مع واقع الحال بعقلانية وبعيداً عن ردود الأفعال، وأن يعطي الدور الرئيسي للحراك السياسي والمجتمعي على شتى الصعد والمستويات عبر تحريك جماهيره الواسعة والمنتشرة في الشارع الكوردي الذي قد يعطي الحق لنفسه ويرفض سلطة الأمر الواقع ويخرج عن بكرة أبيه ويتظاهر ويعلن العصيان المدني ضد مختلف العفاريت والشبيحة والديناصورات والعكاريت والبلطجية و...إلخ، ويرفع صوته عاليا ليصبح الفيصل والحسم في الوقت المناسب، وحينها سيندم الحكام الجدد لمناطقنا الكوردية "البعثيين الجدد" في وقت لن ينفعهم فيه الندم أمام غضب الشارع الذي لن يرحمهم كما لم يرحم جبابرة كثيرين من قبلهم.