جان كورد : الدرس الكردي من جزيرة القرم

2014-03-09

 السليمانية / ‏08 ‏آذار 2014

          كما اعتمد الغربيون على القانون الدولي في الإعلان عن "حق تقرير المصير" لشعب كوسوفو، وصارت كوسوفو مع الأيام قاعدة كبيرة لأموال وتجارة وأسلحة الغرب، فالروس يعتمدون الآن ذات العبارة في التأسيس لدويلة جزيرة القرم التي هي في الحقيقة قلب تواجدهم العسكري على البحر الأسود. ففي كلتا المشكلتين يلعب "حق الشعب في التصويت لتقرير مصيره" أهم الأسلحة التي يحتاج إليها الشرق والغرب، هنا أو هناك، رغم ما بينهما من اتفاقات ومعاهدات حول "عدم المساس بالحدود بين الدول"...

          الروس على ثقة بأن أغلبية الأصوات في جزيرة القرم هذه للروس والتتار، الذين سيختارون الانضمام إلى روسيا أو الانفصال كدولة مستقلة عن أوكرانيا، كما يعلم الروس أن دولة "القرم" في حال استقلالها لن تعيش خارج الرحم الروسي. ولذلك فإنهم يصرون على "استفتاء الشعب!" و "سماع صوت الشعب!" والعودة إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على "حق تقرير المصير". والأمريكان محتارون بصدد الخطوات التي يخطونها في هذه المشكلة، ويقولون مستهزئين فيما بينهم:" وزيرنا كيري الغبي هذا ذاهب إلى الروس لإنهاء تنازل أمريكي بتنازل آخرٍ أكبر...!" ويرون في باراك أوباما القابع في "البيت الأسود!" مجرد رئيس ضعيف لا حول ولا قوة له، ليس في هذه المسألة الأوكرانية وحدها وإنما في الحرب السورية وسواهما من المشاكل العالقة في العالم. والروس يدركون أن هذا الرئيس الضعيف يفسح لهم المجال ليفرضوا أنفسهم كمنافس كبير للأمريكان إلى جانب الصين العملاقة دون خوف من أن يحدث أي شيءٍ ضدهم طوال بقاء أوباما في منصبه.

           والأمل الأمريكي في رئيسٍ سيأتي بعد أوباما، في حين أن الروس يدعون إلى احترام "حق تقرير المصير لشعب القرم" على الرغم من تزايد حشودهم العسكرية المستمرة في المنطقة، في الوقت الذي يرفضون أي خطوة دولية ضد حليفهم السوري ما لم تحظى تلك الخطوة على تأييدهم التام في مجلس الأمن، وبذلك يظهر تحديهم الصارخ للولايات المتحدة في إطار الشرعية الدولية، وبالمقابل تظهر الدبلوماسية الأمريكية وكأنها داعمة الإرهاب المعادي لها في سوريا وداعمة التطرف القومي في أوكرانيا في الوقت ذاته.

          الأمريكان الذين تكبلت أياديهم في كلٍ من سوريا والقرم يخافون من تأييد "حق تقرير المصير " هذا لأن لديهم مشكلة داخلية في بلادهم، ألا وهي مشكلة شعبهم في ولاية كاليفورنيا التي تبدو مكسيكية من حيث الديموغرافيا كما أنها كذلك من الناحية التاريخية، فماذا سيحدث إن طالب مكسيكيو كاليفورنيا بالحق في التصويت على مصيرهم؟ كما أن هناك مشاكل أخرى في العالم ستظهر بسبب تأييدٍ كهذا، لن تكون نتائجها في صالح الولايات المتحدة الأمريكية. ومنها في إقليم جنوب كوردستان (كوردستان العراق!)، فإن انفصال الكرد عن العراق كنتيجة لسياسة المالكي الاقصائية التي اعتبرتها القيادة الكردية "حرباً على الشعب الكردي" وكممارسةٍ لحق تقرير المصير  عن طريق اجراء استفتاء حول ذلك في إقليم كوردستان، سيجعل العراق في وضعٍ غير مستقر  باستمرار ، لأن النزاع الشيعي – السني سيزداد التهاباً بفقدان العنصر الكردي الذي حاول على الدوام  من خلال تواجده في البرلمان العراقي تخفيف وطأة هذا النزاع، كما مارست القيادة الكردية دورها الكبير في تقريب وجهات النظر المتباعدة من خلال اللقاءات والحوار مع الطرفين، وبخروج الكرد من الطوق العراقي لن تكون هناك القوة الثالثة التي تسعى لإطفاء النار قدر المستطاع، والعرب سيتهمون أمريكا بالقضاء على العراق العربي كما أن إيران تتهمها بأنها السبب في تنامي قوى "الإرهاب السني" في العراق... وهذا يعني أن المصالح الأمريكية في العراق على كف عفريت إن انفصل الكرد متخذين "حق تقرير المصير" ذريعةً قويةً لهم، والروس في هذه الأيام لن يستطيعوا التلاعب ويقفوا مع هذا الحق لشعب القرم وضده لشعب كوردستان.

           وإذا كان شعب القرم مؤلفاً بشكل أساسي من الروس والأوكرانيين والتتارـ فإن شعب كوردستان العراق مؤلف في غالبيته العظمى من الكرد، كما توجد بينه أقليات عرقية ودينية لا تتجاوز في مجموعها سوى جزءٍ ضئيل جداً من السكان لا يستطيع تغيير نتائج الاستفتاء لصالح البقاء ضمن العراق.

          القيادات الكردية تقول بأنها تحترم إرادة الشعب في الإقليم وأنها تؤمن بالديموقراطية كما أنها ستقوم بما يطلب منها شعبها، رغم كل الضغوط المالية والسياسية التي تمارسها حكومة المالكي، ورغم تهديداته الشخصية ضد الإقليم برمته، فلتنفذ ما استفتت عليه شعبنا قبل سنوات وقال كلمته بصدد الاستقلال، أو لتطلب من هذا الشعب قول كلمته مرةً ثانية في عصر "التصويت!" هذا.