جان كورد : 7 أخطاء للحركة الوطنية الكردية منذ اندلاع الثورة السورية

2014-03-02

جان كورد - ‏02‏ آذار‏ 2014
من لا يعمل لا يخطىء...
حكمة قديمة تشجع الناس على العمل والاستمرار فيه رغم الأخطاء التي يقعون فيها...  وفي الدين: غير الله غير معصوم، ولكن أن يتوالى الوقوع في المطبات بشكل فاضح ومؤلم على مستوى قيادات أحزابٍ تدعي الديموقراطية والعمل الجماعي وتحمل المسؤولية، فلابد من محاسبة المسؤولين عن تلك الأخطاء، لأن من يرفض محاسبته حسب القانون الذي يصونه ويزعم أنه يدافع عنه لا يمكن أن يكون ديموقراطياً ومنصفاً وعادلاً، وإن دافع عنه كل من على وجه الأرض فهو برأيي "ديموقراطي على الورق."         

                                                                                                                                                                    

لذا، آمل أن لايغضب علي من في هيئات أركان هذه الأحزاب الكردية، من ذوي المراتب العليا في هذا الجيش العرمرم من اللجان المركزية والمكاتب السياسية ورئاسات أحزابنا الموقرة، لتطرقي إلى موضوع تبيان مسلسل أخطائهم منذ اندلاع الثورة السورية وإلى الآن.                                                                           

إنني لا أخص هنا أحداً من هذه الشخصيات الموقرة والمحترمة، والحمد لله لا أضمر حقداً على أحد، بل ليست لي علاقات شخصية مع أحدهم، إلا ما ندر... وآمل أن يصفحوا عني إن ارتكبت في حق أحدهم خطأ... فكل ابن آدم خطاء وغير الخطائين التوابون. وما أطلت هذه المقدمة إلا لضرورة وأهمية الأمر لأن الموضوع يتعلق بمصير شعبٍ كاد يعيش برمته في الخيام والمهاجر بعيداً عن الأرض التي اشتغل فيها أجداده وآباؤه منذ فجر التاريخ.                                                                                                                                    

إن الأخطاء التي ارتكبتها الحركة الوطنية الكردية "السورية" عديدة، ولكن سأكتفي هنا بإيراد (7) منها، وهي ما تفتح باب النقاش واسعاً لمن يريد أن يتوسع في البحث والتحليل والمراجعة واستخلاص العبر والدروس.                                                                                                                                                                        

أولاً – حدثت الثورة التونسية واستمرت، وبعدها توالت الأحداث في شمال أفريقيا، وعلى الرغم من ذلك لم تحرك حركتنا السياسية الكردية ساكناً وانشغلت بتدوين البيانات والدخول في أحاديث طويلة عن الضرورات والأولويات، ولكن دون أفعال تزرع في أفئدة الكرد الطمأنينة وتبعث الأمل في أن هذه الحركة وهذه القيادات قادرة على قيادة الشعب وحمايته وتمثيله حين تنتقل الثورة من شمال أفريقيا إلى سوريا. فالحركة لم تكن قادرة على تحضير وتجهيز نفسها لحمل مهامٍ جسيمة، قبل اندلاع الثورة السورية. والسؤال هو: ماذا فعلت هذه القيادات خلال العقود الطويلة الماضية؟                                         

ثانياً – في تلك الأثناء أو بعد انطلاق الشرارات الأولى للثورة السورية السلمية، طلب الرئيس السوري بشار الأسد عبر أجهزته الأمنية من قيادات الحركة الكردية الوقوف معه أو الوقوف على الحياد في حال عدم تمكنها من تقديم العون لنظامه... فانخدعت الحركة ودخلت سرير النوم برأس مليء بالأحلام، ومنهم من تخيل كيف سيدعى إلى دمشق لاستلام حقيبة وزارية كممثل عن الشعب الكردي. وظل السياسيون الكرد في هذه الغيبوبة كمن حقن بإبرة تخدير أو أخذ ترياقاً، في حين كان المرجل السوري يسخن بسرعة، والتناقض بين النظام والمعارضة في الشارع يزداد وضوحاً. كان الحديث عن "حيادية الكرد!" و "الخط الثالث!" سائداً في الاجتماعات، وبعضهم كان يعلن همساً عن ميله إلى قطع العلاقة مع النظام لأنه آيل إلى زوال بالتأكيد، وعليه فقد شارك في التظاهر السلمي، ومع الأيام وتحت ازدياد الضغط الجماهيري على الأحزاب لم تستطع قياداتنا الدفاع عن حياديتها  وخطها الثالث فاضطرت إلى المشاركة في التظاهرات كرهاً أو طوعاً.                                                                                                                     

ثالثاً - كانت الأحزاب الكردية من أفضل التنظيمات السورية المعارضة من حيث التنظيم والجماهيرية والقدرة على إيصال صوتها للعالم الخارجي، ولكن فئاتٍ معشعشة في قيادات الحركة السياسية الكردية كانت ترفض التعامل مع ما سمته ب"العامل الخارجي" على الرغم من أن مناهج أحزابها كانت تنص على "إقامة أوثق العلاقات مع المنظمات الدولية  والحكومات والدول التي تدعم الكفاح التحرري للشعوب، ومن ضمنها كفاح الشعب الكردي!"، بل كانت تصب بعض القيادات جام غضبها على من يدافع عن فكرة إقامة العلاقات على الصعيد الدولي، وتقوم بتصفية أعضائها وكوادرها المهتمين بتلك العلاقات وتفرض عليهم مراجعة "القيادة" في كل صغيرةٍ  وكبيرة في هذا الشأن. ولذا لم تستطع غالبية هذه الأحزاب لعب دور القوة الجاذبة في التحالفات السورية على المستوى الدولي، بل رفضت المساهمة فيها كلياً، وصارت مع الأيام توابع ... في حين أنها كانت أقوى من كل الفصائل السورية غير الكردية، داخلياً وخارجياً. إن تجربة الحزب الديموقراطي الكردستاني – إيران في مجال بناء التحالفات على مستوى إيران والعالم الخارجي كانت أفضل بفضل وجود زعيمٍ ذي علاقات دولية (الدكتور عبد الرحمن قاسملو) الذي كانت علاقاته على الصعيد الأوروبي أحد أسباب اغتياله بالتأكيد.                       

رابعاً – صحيح أن الموقف الأمريكي تجاه القضية الكردية "السورية" لم يكن واضحاً وموحداً، بسبب وجود مؤسسات ومعاهد ومراكز قوى سياسية مختلفة ومتناقضة في واشنطن، تستمد منها الإدارة الأمريكية آراءها ومواقفها، إلا أن الحركة الكردية السورية وقفت عند اتصالات سفير الولايات المتحدة في دمشق، السيد  روبرت فورد، وحده، وهو من "الديموقراطيين" الذين لم تكن لهم أي سياسة جلية ومعلنة عن القضية الكردية، وكانت اللقاءات به فيما بعد ذروة ما يفكر فيه زعماؤنا، بل منهم من كان يوصي كوادره خارج البلاد بعدم القيام بأي شيء، طالما هم في الداخل يجالسون السفير الأمريكي. وكان هذا من الأخطاء الشنيعة لقياداتنا.                                                                                                                                 

خامساً – الاعتماد الكلي لبعض أحزابنا على الإخوة الكردستانيين، وأعني في هولير والسليمانية وقنديل، ليس في مجال الأخذ بالنصيحة فقطـ، وإنما ترك واجباتهم الملقاة على أنفسهم  ووضع البيوض كلها في السلة الكردستانية، مما أضاف إلى أعباء الكوردستانيين مسؤولياتٍ أخرى وجعلهم يقعون في أخطاء، ومنها فرض ما سماه بعضهم ب"هيئة الخيبات الكبرى" عوضاً عن "الهيئة الكردية العليا"، التي ماتت في المهد. كان على قيادات الحركة الكردية السورية دراسة هذا الموضوع جيداً لأن تراكمات الخلافات فيما بينها عبر عقودٍ من الزمن جعل من إقامة هكذا كيان سياسي تصنيعاً على عجالة وبدون تخطيط مسبق. وهذا ما انعكس سلباً على الشعب الكردي، الذي وجد خلاصه في النزوح إلى الجزأين العراقي والتركي من كوردستان وبموجاتٍ بشرية ضخمة.                                                                                      

سادساً – يتساءل أحد الكوادر القدامى في الحركة الكردية، عما إذا كان من الممكن لجنينٍ لن يبلغ الشهر الخامس أن يعيش دون وجود رحمٍ حاضن وملائم له! ويقصد بذلك أن الحركة الكردية قد أسست خلال 30 شهراً الأخيرة (6) كيانات غير مكتملة كلها، كامرأة سريعة الاجهاض، وهي (المجلس السياسي، الهيئة العليا، المجلس الوطني، توحيد شقين من البارتي، الاتحاد السياسي... ومحاولة تأسيس البارتي الكردستاني الأخيرة)، إضافة إلى تشكيل حكومة بثلاث رؤوس في مقاطعات تجزيئية لغرب كوردستان من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي سموها "كانتونات"، فيها أحد الوزراء أمي لم يدخل المدرسة، ووزراء لا يعلمون أي شيءٍ عن العمل الدبلوماسي فيما إذا حطوا الرحال في بلدانٍ أجنبية بصفتهم الرسمية، ومنهم غير قادر على دفع مصاريف فندقه بدون مساعدة من الحزب الذي أوكله لتلك المهمة... وبالتالي هو ملك لمؤسسي الحكومة وليس كممثل أو وزير أقسم على الدفاع عن قضايا شعبه.                                                                                                                                                                     

إن تركيز الأحزاب على ضرورة أن تكون لها نسبة 60% من مقاعد المجلس الوطني الكردستاني – سوريا في عام 2006 وأن يكون الرئيس منها قد دفع بممثليهم في المؤتمر التأسيسي للمجلس إلى العودة دون إنجاز العمل الضروري المشترك، ووقوعهم في ذات الخطأ بسبب ذات النسبة السيئة الصيت في المجلس السياسي، جعلهم يدفعون الثمن بأن رضوا فيما بعد بنسبة 50% مقابل ما غنمه حزب الاتحاد الديموقراطي الذي فرض عليهم التفاوض مع مجلسٍ شكله تحت أمرته هو "مجلس شعب غرب كوردستان"، خاضعٍ لعقيدتهم السياسية كلياً،  وقبول تلك القسمة غير العادلة بشهادة كردستانية موثوقة من قبل الإخوة في هولير.  وكان هذا ذروة الأخطاء، حيث جعل حزب الاتحاد الديموقراطي يبدو وكأنه أقوى من كل الأحزاب الكردية السورية مجتمعة، واستغل الاتحاديون ذلك في علاقاتهم السورية والخارجية مع حلفائهم الروس والإيرانيين.                                                                                                              

سابعاً- ظل موقف الأحزاب الكردية في المجلس الوطني الكردي معارضاً للعمل ضمن المجلس الوطني السوري ومن بعد ذلك في الائتلاف الوطني، بذريعة أنهما لا يتقدمان خطوة صوب مناقشة جادة وديموقراطية حول القضية القومية الكردية، وحيث كان هناك معارضون سوريون لا يقلون عداءً للشعب الكردي من البعثيين  رأت الأحزاب الكردية مشاركتها في صفوف المعارضة السورية غير مجدية وغير مسؤولة، ولكن بعد ممارسة وزارة الخارجية الأمريكية ضغوطها على أحزابنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وجدت نفسها مضطرة للانتساب إلى الائتلاف، على الرغم من أن أولئك العنصريين لازالوا في مقاعدهم وعلى مستوى المسؤولية ولا يعترفون حتى الآن بوجود "مناطق كردية" في سوريا... أما ما كتب على الورق فلا قيمة له في الواقع العملي غداً، ولكن لو كانت الأحزاب الكردية منذ البداية مؤسسة لهذه التكتلات السورية الضخمة والتي تمول حركاتٍ مستعدة لقتال الكرد جملةً وتفصيلاً، لكان وضعها أفضل وبإمكانها فرض شروطها على انتساب هؤلاء المعادين للكرد وكوردستان إلى صفوف المعارضة السورية الديموقراطية. وهذا كان سابع الأخطاء الفاحشة التي وقعت فيها أحزابنا الموقرة... ومن جهةٍ أخرى فإن المنافس للمجلس الوطني الكردي بنسبة 50% عضو مؤسس في هيئة التنسيق الوطني السورية التي لا نجد لها موقفاً أفضل من مواقف من في الائتلاف أو في المجلس الوطني السوري تجاه القضية الكردية.                                                                                                                                                                           

 ونكتفي بهذا القدر اليوم، إلا أنني أطرح سؤالاً على الحركة وعلى المثقفين والقراء الأكارم نطق به ناشط كردي سوري بارز من الداخل السوري على السكايب في حوارٍ لنا مع ناشطٍ آخرٍ من موسكو قبيل كتابتي لهذا المقال بساعتين، ألا وهو: "كيف يستطيع حزب كردي تشكيل ثلاث حكومات في ثلاث كانتونات ويحميها ويمولها مالياً، فلا تسقط على رؤوس وزرائه براميل المتفجرات ولا تستطيع عدة أحزاب كردية أخرى عقد مؤتمرٍ توحيدي لها في موطنها الأساسي والمدعوون للمؤتمر مضطرون للعودة إلى بيوتهم لأنهم منعوا من قبل "حزب الحكومات الثلاث" من عبور النهر الفاصل بين غرب وجنوب كوردستان؟ كيف ستستطيع هذه الأحزاب فرض إرادة شعبها على مؤتمراتٍ دولية كمؤتمر جنيف، وهي غير قادرة على اثبات وجودها بين شعبها بعقد مؤتمر ضروري لها؟"