Sozdar Mîdî (Dr. E. Xelîl) : سلسلة: نحو مشروع كُردستاني استراتيجي ( الحلقة 3 ) هذا هو عُمقنا الجيوستراتيجي!

أهمّية كُردستان جيوستراتيجيّاً:
البحث في الحدث التاريخي لا يوصل إلى نتائج صائبة، إذا كان بعيداً عن العوامل التي أنتجته، سواء أكانت عوامل جيوستراتيجيية، أم سياسية، أم ثقافية، أم اجتماعية، أم اقتصادية. وعلى ضوء هذه الحقيقة ينبغي التعامل مع الغزوات والاحتلالات التي تعرّضت لها كُردستان طوال التاريخ، وعلى ضوئها أيضاً ينبغي تحليل الواقع الكُردستاني المعاصر.

فبالإضافة إلى ما تتمتّع به كُردستان من ثروات زراعية ورعوية ومعادن ومياه- وهي جميعها عوامل جذب للغزاة- هناك دور مهمّ للعامل الجيوستراتيجي، وإن نظرة سريعة إلى موقع كُردستان في غربي آسيا  تضعنا أمام الحقائق التالية:
-    وقوع كُردستان بين أربعة بحار مهمّة في الشرق الأوسط: بحر قَزْوِين، والبحر الأسود، الخليج السومري (يسمّى الفارسي/العربي)، البحر الأبيض المتوسط.
 
-    وقوع كُردستان بين أربع مناطق قارية مهمّة في الشرق الأوسط: هضبة آريانا شرقاً، والأناضول وشرقي المتوسط غرباً، والقوقاز شمالاً، وميزوپوتاميا جنوباً.
-    تشكّل جبال زاغروس وطوروس العمودَ الفقري لكُردستان، وتبدو هذه الجبال كقلعة عالية شديدة التحصين، تفصل وسط آسيا عن غربي آسيا.
 
(الخريطة مقتبسة من كتاب: الكُرد للدكتور مهرداد أيزادي)
وإذا كان مضيقا البوسفور والدَّرْدَنيل هما الممرّين البحريين الرابطين بين أوربا وغربي آسيا، فممرات كُردستان هي التي تربط بين غربي آسيا ووسط وشرقي آسيا والعكس صحيح. إنّ موقع كُردستان الجيوستراتيجي الذي سبق ذكره، جعلها منذ خمسة آلاف عام هدفاً لكل قوة كبرى ذات مشروع توسّعي في غربي آسيا.
شهادات من التاريخ:
 ليس من الصدفة أن بعضاً من أكثر المعارك شهرة في التاريخ جرت في كُردستان، وفيما يلي بعض الأمثلة:
•    موقعة گُوگَميلا Gugamela: جرت في سهل هَوْلَير (أربيل) سنة (331 ق.م)، وقد هَزم فيها الإسكندرُ المكدوني خصمَه الملكَ الفارسي الأخميني دارا الثالث، وسيطر بعدها على العاصمة پرسيپوليس    Persepolis (تَخْت جَمْشيد) وأحرقها، واندفع بعدئذ حتى وصل بغزواته إلى أفغانستان وشمالي الهند( ).
•    معركة نَهاوَنْد: جرت سنة (20 هـ/640 م) بين الجيش العربي والجيش الفارسي، وقد هزم فيها العربُ الملكَ الساساني يَزْدَجِرْد الثالث، وسيطروا على الإمبراطورية، ولذلك سمّاها المؤرّخون المسلمون "فَتْحَ الفتوح"؛ لأن نَهاوَنْد كانت خطّ الدفاع عن عمق الإمبراطورية، وقبلها كان العرب قد انتصروا على الساسانيين في معركتي حُلْوان (أَلْوَنْد) وجَلُولاء، وتقع هاتان المدينتان أيضاً في جنوبي كُردستان، وتمكّن العرب بعدئذ من الاندفاع في المسارات التي سارت فيها غزوات الإسكندر( ).
 
•    معركة مَلازْكُرد: جرت سنة (1071 م) بين السلطان السلجوقي أَلْب أَرْسَلان والإمبراطور البيزنطي رومانوس، وانتصر فيها السلاجقة على الروم، وأُسر رُومانوس، وأصبحت الأناضول مفتوحة أمام السلاجقة، ووقعت القسطنطينية نفسها تحت تهديدهم، ولا ننسَ أن العثمانيين خرجوا بعدئذ من مدرسة السلاجقة الغَزَوية في شمال غربي الأناضول حوالي سنة (1300 م)( ).
 
•    الغزو المغولي: حينما غزا المغول غربي آسيا، بقيادة هولاگُو في الربع الأول من القرن (13 م)، وغزاه تَيْمُورلَنْگ سليل المغول في أواخر القرن (14 م) كانت كُردستان حاجزاً طبيعياً يعترض سبيلهم، وكانوا مضطرين إلى الهيمنة عليها، وإلا فما كان باستطاعتهم احتلال ميزوپوتاميا، والاندفاع نحو الأناضول وسوريا، للوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط( ).
•    معركة چَلْدَيران Çeldȇran: جرت سنة (1514 م) في شمالي كُردستان، بين العثمانيين السُّنّة بقيادة السلطان سَلِيم الأول، وخصمه الشيعي الشاه إسماعيل الصَّفَوي، وهُزم فيها الصفويون، وبعد معركة چَلْدَيران احتل العثمانيون العراق وبلاد الشام ومصر، وأصبحوا السادة الأقوى في الشرق الأوسط( ).
 
•    الغزو الفرنجي: لم يكن من الصدفة أن الفرنج (الصليبيين) أسّسوا أول إمارة لهم في رُها (أُورْفَه/أَدِيسّا) بشمالي كُردستان سنة (491 هـ/1098 م)، قبل أن يتوجّهوا إلى سوريا ولبنان وفلسطين، ويحتلّوا القدس في فلسطين سنة (1099 م) ( ).
 
•    سايكس- پيكو: لم يكن من الصدفة أنه، بموجب اتفاقية سايكس- پيكو سنة (1916)، احتل الإنكليز جنوبي كُردستان، وأصرّوا على ضمّها إلى دولة العراق، واحتل الفرنسيون غربي كُردستان، ثم وافقوا على ضمّها إلى كل من سوريا وتركيا.
 
•    أطماع روسيا: لم يكن من الصدفة أن روسيا، في العهد القيصري والسوفياتي، كانت تعمل بكل وسيلة لبسط نفوذها على مناطق كبيرة من شرق وشمال وجنوبي كُردستان، وكانت نشأة (جمهورية مَهاباد) في شرقي كُردستان وسقوطها، وصراعات الكُرد ضد الآشوريين والأرمن، من نتائج اهتمامات روسيا جيوسياسياً بكُردستان.
إن هذه الأمثلة- وثمّة أمثلة أخرى - تؤكد أن أهمية موقع كُردستان الجيوستراتيجي ليس ادّعاء، وإنما هو حقيقة تاريخية ومعاصرة، وقد دفع الكُرد- وما زالوا يدفعون- ضريبة هذا الموقع، وخاصة حينما عجزوا عن تأسيس دولة تجمع شملهم، وتدير علاقاتهم بالآخرين إقليمياً وعالمياً. وهذا الموقع الجيوستراتيجي من أهمّ أسباب إصرار الدول التي تحتل كُردستان (إيران، تركيا، العراق، سوريا) على الوقوف ضد قيام دولة كُردستان المستقلة، إن ظهور دولة كُردستان مستقلّة يعني أن هذه الدول ستفقد كثيراً من أوراقها في سوق البورصة السياسية الدولية، وقد تتحوّل إلى دول قَزمة.
إن التفاف الكرد حول مشروع تحريري استراتيجي، وتأسيس مرجعية (قيادة عليا) تشرف على تنفيذ ذلك المشروع، وتدير علاقات الأمّة الكُردية إقليمياً وعالمياً، سيحوّل الموقع الجيوستراتيجي لكُردستان إلى ورقة رابحة في أيدينا، بدل أن تبقى ورقة في أيدي الدول التي تحتل كُردستان، وتساوم بها القوى الكبرى.
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
25 – 2 – 2014