جان كورد : سوريا فيدرالية ضمانة للوحدة الوطنية

2014-02-22

جان كورد– السليمانية / ‏‏20 شباط‏، 2014
ثمة أوساطٍ دوليةٍ هامة تقترب من الواقعية في نظرتها إلى الديموغرافيا السورية، التي بدأت تقاطيعها بالظهور والوضوح، وخاصةً منذ اندلاع الثورة الشعبية العارمة قبل ثلاث سنوات، وترى هذه الأوساط أنه من الضروري الاستعانة بالمبضع الذي لابد منه لاجراء عملية جراحية للجسد السوري الذي طعنته بالحراب جهات داخلية وخارجية فكادت تقضي على تماسكه كدولة تضم مكوناتٍ قومية ودينية عديدة.

ولقد بات من الصعب اسكاتهذه المكونات وإعادتها إلى خانة الخنوع التام من قبل فئةٍ معينة من الفئات التي تعتبر نفسها سيدة وسواها من الفئات السورية مجرد أتباع ومواطنين من الدرجة الثانية. ولم تعد تخفي هذه الأوساط المهتمة بالأوضاع السورية مخاوفها من أن تتحول سوريا إلى لبنانٍ آخر أو ليبيا ثانية أو عراق تعصف به العواصف من كل جانب، بسبب التنافر أوالخلاف الذي يتعمق يوماً بعد يوم بين مكوناته، ولاتنفع المزاعم والأكاذيب التي تصور هذه المكونات شعباً واحداً متماسكاً صلباً ومحافظاً على وحدته الوطنية وسيادة بلاده.  فالواقع يقول لنا بوضوح أن النظام الحاكم يستعين بأحزابٍ ومنظماتٍ ودولٍ لاتنظر إلى سوريا كدولة ذات سيادة وإنما تنظر إليها بمنظارٍ فئوي وطائفي، وتدعم النظام للقضاء على أي طموحٍ للفئات الأخرى غير المنتمية للفئة الباغية التي تدعمها. كما أن المعارضة تستعين بمن ينظر أيضاً بمنظارٍ طائفي من الاتجاه المعاكس ويأتي من خارج البلاد السورية، ولا تهمه حقوق مكوناته أو سيادته الوطنية.                                                                        
الخطورة في سوريا تكمن في أنها جارة لإسرائيل التي يعتبر أمنها واستقرارها من أهم الواجبات الدولية لهذه الأوساط الساعية لوضع خريطةٍ جديدة للعلاقات والاتجاهات والتركيبات السورية المستقبلية، والتجربة اللبنانية المريرة التي أنتجت في السابق حركاتٍ تعتبر مصدر خطرٍ على أمن إسرائيل في المنطقة، لاتزال في أذهان هؤلاء السياسيين والاستراتيجيين الذين لايريدون لسوريا أن تتحول إلى أفغانستان أو صومال على الحدود الشمالية لإسرائيل، لذا فإنها جادة للتعامل مع الواقع السوري عن كثب، وهذا يستدعي أولاً بناء تصورٍ شامل لدى هذه الأوساط لما يجب أن تكون عليه سوريا المستقبل، وكيف يجب أن تكون العلاقات بين المكونات السورية، وماذا تعني "سوريا فيدرالية" ومدى مساهمة كل من المكونات القومية والدينية في الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، بعد رحيل نظام الأسد، أو  في حال بقائه بعد إجراء عملياتٍ جراحية وتجميلية ضرورية له، إذ أن بعض هذه الجهات المهتمة لاترى أهمية لبقاء الأسد أو رحيله، في حين أن مايجب أن تكون عليه سوريا المستقبل هو الأهم لديها.
لذا، على ساسة الكورد أن يكونوا جاهزين للتعامل مع المستجدات من خلال فهم وتفهم مخاوف هذه الأوساط الدولية، والاستعداد بكل ما لديهم من وثائق وأرقام وأوراق وتأييد شعبي من قومهم الكوردي للتواصل مع الأوساط العالمية الجادة في السعي من أجل بناء خارطة سياسية سورية جديدة، ودستور سوري جديد، وحياة سياسية واقتصادية وثقافية جديدة، يساهم فيها المكون القومي الكوردي، ليس كأقليات موزعة على كانتونات أو محميات لاقيمة سياسية لها، وإنما كشعبٍ يشكل أحد أهم المكونات القومية في سوريا، إلى جانب العرب وسواهم. وإن أي تساهل أو عدم اهتمام أو قلة استعداد للمستقبل السوري سيجعل من قيادات الشعب الكوردي مجرد "مسخرة"، ليس من قبل أبناء وبنات شعبهم فحسب، وإنما من سائر المهتمين بالسياسة السورية والشعب السوري.
إن الإخوة في المجلس الوطني الكوردستاني– سوريا يعلمون جيداً ما يدور خلف الكواليس من محادثاتٍ على الصعيد العالمي بصدد مستقبل سوريا ودور مكوناتها القومية والدينية فيه، ولذا فإنهم يطرحون رؤيتهم المستقبلية في سائر المجالات التي يتحركون فيها، ويأملون بأن يقف معهم الإخوة والأخوات من مختلف الأحزاب والتنظيمات الكردية، والمجموعات الشبابية خاصة، ويساندونهم في تحقيق الأفضل لشعبهم في هذه النقاشات الجارية. ومقالي هذا ليس إلا من باب التأييد لهذه الجهود التي هدفها نيل الحق القومي العادل لشعبنا الكوردي في سوريا المستقبل ضمن "فيدرالية قومية" على أساس بناء سوريا حديثة، حرة، ديموقراطية، ذات سيادة تامة، وتضمن حقوق سائر مكوناتها وتتسع للجميع دون استثناء أو اقصاء.
فإن الفيدرالية التي تعني (الاتحادية وليس التفرقة والانفصالية) هي أنجع دواءٍ لحل المشاكل المختلفة لهذه البلاد التي مزقتها الحرب وجعلت من المستحيل تعايش مكوناتها بدون وضع أسس ثابتة وصلدة لعلاقاتها وتعاملها مع بعضها بعضاً، فعودة سوريا إلى ما كانت عليه من نظامٍ مركزي مؤخراً بعد كل ما حدث فيها صارت من رابع المستحيلات كما يقال.