افتتاحية الوحـدة : مؤتمرُ جنيف 2 ... بصيص أملٍ ، ولا خيار سوى الحل السياسي

2014-02-17

بحضور لجنة العمل الدولية وراعيي المؤتمر والعديد من دول العالم والجوار السوري، وبعد سحب الدعوة الموجهة إلى إيران ، بالإضافة إلى وفديْ النظام والمعارضة اللذين غابت عنهما العديد من القوى والأطر السياسية، بدأتْ أولى جلساتِ المؤتمر يوم الأربعاء 22/01/2014 في مدينة مونترو السويسرية وسط خلافات في تفسير بنود جنيف1 الذي عقد في 30/06/2012.

تحدثَ وزير خارجية النظام في الجلسة الافتتاحية متجاوزاً الوقت المخصص له على الرغم من طلب السيد بان كي مون الالتزام بالوقت، إلا أنه رفض ذلك متابعاً حديثه لمدة تزيد عن ثلاثة أضعاف الوقت المحدد له بعيداً عن الدبلوماسية وأخلاقياتها، وكالَ الاتهامات يمنة ويسرة لبعض الدول الإقليمية كتركيا ودول الخليج ودول كبرى محمِّلاً إياها مسؤولية سفكِ الدم السوري، ملخِّصاً الأزمة السورية بأنَّها مؤامرة عالمية صهيونية ضد محور المقاومة والممانعة!، زاعماً أن سوريا ستعمل على ممارسة حقها في الدفاع عن نفسها وعن مصالحها!.مدافعاً في الوقت ذاته عنْ تدخُّلِ حزب الله اللبناني في الشأن السوري وشرعية قتاله إلى جانب قوات النظام!.
كما ألقى السيد أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني المعارض كلمة، دعا فيها إلى ضرورة توقيع وفد النظام على وثيقة جنيف1 للاعتراف بها أولاً، ثم البحث في نقل صلاحيات الرئيس بشار الأسد إلى هيئة حكم انتقالية يتم الاتفاق على تشكيلها، والبدء بفكِّ الحصار عن المدن المنكوبة وسَحْبِ الشبيحة من المدن وطرد المرتزقة من البلاد إلخ...وبدتِ الهوة بين الوفدين كبيرة جداً، وأظهرت بأن التوصل إلى تطبيق جنيف1 غايةٌ في الصعوبة نظراً لتمسك وفد النظام بمقولة مفادُها أنَّ الرئيسَ بشار الأسد رئيسٌ شرعيٌ منتخبٌ من الشعب السوري وهو أمرٌ لا يمكن القبول بالبَتِّ به هنا، كما تبيّنَ أن التوصل إلى اتفاق سلام مع هذا الوفد والوصول إلى نقلِ السلطة لهيئة حكم انتقالية هو أشبهُ ما يكون كالجري خلْفَ السراب!...
لكن، يبدو أن الإدارة الأمريكية التي تعاني أزمةً مادية ومالية كبيرة إثر الإنهاك الذي تعرضت له في حروبها بكلٍّ من العراق وأفغانستان قد تفاهمتْ مع روسيا الاتحادية التي وقفتْ بصرامة مع النظام في دمشق وتعرفت على هواجسها السياسية والاقتصادية، فهي ترفض بالمطلق تغييرَ أنظمة الحكم بالقوة وعبر التدخل العسكري دون موافقة من مجلس الأمن الدولي الذي تستطيع فيه ممارسة حق النقض وإبطال أي تدخل في أية بقعة من العالم لا ترغب به،  متخوفة في الوقت ذاته من صعود تيارات إسلامية متطرفة في الدول المسلمة التي كانت تنضوي تحت راية دول الاتحاد السوفياتي السابق على تخومها الجنوبية وتخشى من إقامة حكومات أو إماراتٍ إسلامية فيها تساهم في زعزعة الأمن والاستقرار على أراضيها وفي المنطقة والعالم. ومن الناحية الاقتصادية، فقد أخذتْ روسيا الاتحادية القضية السورية رهينة بين يديها بهدف تحسين وضعها التفاوضي مع شركائها على طاولة تقاسم مناطق النفوذ بين القوى المتصارعة على الأرض السورية والسعي إلى مشاركة الغرب النفوذَ في شرق المتوسط ومطالبتها بالحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع سوريا التي تقدر استثماراتها فيها بحوالي 20 مليار دولار كونها المستورد الدائم للأسلحة، ورغبتها في بقاء قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس والحصول على ضمانات بمنع منافسة شركات النفط والغاز الخليجية لشركاتها التي تزوّد أوروبا بهما، تلك التي تعتبر إحدى شرايينها الاقتصادية الهامة. كما ساهمَ في نضج هذه التفاهمات شعورُ الجميع بأن القضية السورية مرشحة للخروج عن السيطرة وانتقال مشكلاتها إلى دول الجوار وانعكاسات ذلك على الأمن والسلم العالميين، وآنَ الأوان لوضع حدِّ لمآسي السوريين الذين يُذبَحون كلَّ يوم منذ ما يقارب الثلاث سنوات، بالإضافة إلى اطمئنان قادة وحكام الكثير من الدول العربية واعتقادهم بأن رياح ثورات الربيع العربي والتغيير قد ضعفت وباتت قليلة الأهمية والتأثير بحيث لم يعدْ بمقدورها تجاوزَ حدودها والوصول إلى بلادها بعد ما حدثَ لها ما حدث في سوريا من خرابٍ ودمار وضحايا تقدر بمئات الآلاف من أرواح البشر.
فعلى مدار الأسبوع الأول من المفاوضات الجارية برعاية دولية بجنيف، وبفعل مرواغة وفد النظام وتعنته، لم يتمْ إحراز أي تقدم ملموس على الصعيد العملي، ولم يوافق الوفد على إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثة إلى المنكوبين في المناطق المحاصَرة، ولم يُطلِقْ سراحَ معتقل واحدٍ من سجونه، ولم يقمْ بسحب الجيش والمدرعات إلى ثكناتها، ولم يتوقف الطيران الحربي عن قصفه المستمر لأحياءٍ من مدينة حلب وغيرها بالبراميل المتفجرة، مستخدماً أسلوبه المعروف في المماطلة، كمطالبة المعارضة بتقديم لائحةٍ بأسماء المعتقلين وكأنّ المعارضة هي من تحتجزهم في سجونها! وذلك  بهدف كسب الوقت وخلط الأوراق وإضافة عقدة جديدة على العقد الموجودة أصلاً في هذا الملف الشائك. وإمعاناً في تضليله ومراوغته وإلهاء المجتمع الدولي والمعارضة بأمورٍ ثانوية ، تقدَّمَ وفدُ النظام بورقة عمل جديدة تتألف من خمس نقاط هدفها المراوحة في المكان ليس إلا والتنصل من التزاماته أمام المجتمع الدولي .
لا شكَّ أن النظام في مأزق أمام الرأي العام بعد ظهور حقيقته في ارتكاب المجازر بحق شعبه خصوصاً إثر نشر الصور الوثائقية المسرّبة من ضابط سوري منشق، تلك التي تثبتُ بالدليل القاطع إقدامَه على قتل أكثر من 11 ألف مواطنٍ سوري تحت التعذيب الجسدي، وسوف يتم تحويل هذا الملف إلى محكمة الجنايات الدولية.   
من المعرفة المسبقة بطبيعة النظام الأمني الاستبدادي الشمولي الذي لم يتورعْ يوماً عن استعمال أشد أنواع الأسلحة فتكاً ضد شعبه وممارسة مختلفَ صنوف التعذيب مع المعتقلين السياسيين، يتضحُ بجلاءٍ أنَّ النظامَ ليس مهيئاً للعدول عن خيار العنف ولغة القتل التي اختارها وسيلة وحيدة في التعامل مع هذه الأزمة وبالتالي ليس مؤهلاً لنقلها إلى مسار سياسي تفاوضي كونه يحتفظ بالتفوق العسكري في الميدان فلا يرى حاجة إلى التنازل.
راعيا المؤتمر مطالَبان  بممارسة ضغطٍ كافٍ على النظام والعمل على دعمِ ومساندة مسار الانتقال السلمي للسلطة إلى الشعب وإزاحة هذا الكابوس المرعب عن صدر الشعب السوري، وأن النجاحَ في ذلك سوف تكون الخطوة الأولى على طريق حقن دماء السوريين وفك الحصار عن مدنهم، وطرد تنظيم القاعدة والكتائب المسلحة المتطرفة جميعها عن أرض الوطن بمساعدة ومؤازرة دولية، للبدء ببناء دولة ديمقراطية تعددية برلمانية في سوريا تصونُ وتحترمُ حقوق مواطنيها وتقرّ بحقوق القوميات في إطار وحدة البلاد.
* جريدة الوحـدة – العدد / 246 / - الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ) .