د . رضوان باديني : ملف الأقليات السورية في جنيف2

بمناسبة مناقشة مسائل حقوق الإنسان في مفاوضات جنيف2 بين ممثلي النظام والإئتلاف يوم 30-01-2014، طرحت أكثر من جهة، مدعوة لمفاوضات جنيف2 سؤالاً عريضاً داخل أروقة جنيف2 وخارجه، مؤداه: هل سيتم تخصيص جولة من المفاوضات حول الأقليات القومية في سوريا والموضوع الكردي تحديداً!؟ وعشية بدأ الجولة الثانية من هذه المفاوضات يجدر بنا تناول الموضوع للتذكير والتنبيه من الإهمال المقصود أو الغير مقصود.

أن النسيج الإجتماعي للشعب السوري غني بتنوعه وأصوله وما زال يحتفظ بأهميته وحيوته في الحياة الحديثة للمجتمع السوري، ويتألف من عدة اثنيات ومكونات اجتماعية- ثقافية وطوائف وارومات عريقة والتي بلغت في بعض مراحل تطورها التاريخي حد تشكيل كيانات شبه مستقله وإلتي تملك دوماً، وإلى اليوم،  أهمية كبيرة في الحياة السياسية والإدارية للدولة والمجتمع السوري.

وكما في كل ظروف الأزمات والنزاعات الداخلية حيث يرجع الناس لأصولهم وجذورهم العميقة ويتشبثون بمراجعهم الروحية، تجد عدداً كبيراً من السوريين اليوم، مرغمين تقديم هوياتهم الفرعية والمحلية على الوطنية، ويأمل السوريون بمختلف أصولهم وأثنياتهم بان لا تستمر هذه الحالة طويلاً. وهي، إن كانت على هذا الشكل، أنما لأن نظام الأسد (الأب والأبن) اساء كثيراً لهذه البنية وممثليها. فالوطنية السورية لم تتكون أو لم تتبلوربوضوح حول قيم مشتركة يتقاسمها ابناء مختلف المناطق بنفس الحمية والحماس بسبب هذا النظام الطائفي. وهي بالأصل لم تأخذ شكلها ومضمونها لجميع السوريين بمعنى ومؤد واحد. وقد أخذت تتراجع على حساب تقدم الهوية "الفرعية" في ظل ظروف الحرب الداخلية الدائرة رحاها في كل البلاد وتستمد بعض عواملها من الأرضية المذهبية والإقاليمية.

لقد كان التمايّز الأقاليمي أساساً لقيام عدة دويلات سوريا في بداية الإنتداب الفرنسي، لكن اسم سوريا الذي كان يطلق تاريخياً على إقليم كيليكيا بعاصمتها الطبيعية التاريخية (أنطاكيا) أصبح أسماً للدولة السورية التي باتت تشمل مناطق شاسعة من منطقة ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) وبادية الشام وجزءاً هاماً من بلاد الشام وجبل لبنان..ألخ

هذا المصطلح السياسي كتعبير للكيان الجديد لم يتحول لبوتقة تذيب بها خصوصيات الأقاليم المذهبية والأثنية في وحدة "وطنية" جديدة للجميع شكلاً ومضموناً. فحالة  التنوع والإختلاف الإجتماعي- الثقافي في الجغرافية "الوطنية" الجديدة لم تلتحم بمرادفات ومضامين حقوقية وثقافية واحدة وموحدة أو بنفس المعنى والمؤدى بالنسبة للمكونات السورية العتيدة. ولم تكن دولة سوريا الحديثة ولا في اي فترة من عهدها عادلة معهم، أوعلى مسافة واحدة من جميع مكوناتها. ودستة الحكم كانت تتأثر كثيراً بأصل وطائفة أو عشيرة الشخص الأول.

أن إستمرارية هذا الوضع وحالة التجزئة الداخلية التي تعيشها سوريا الآن، مكلفة للجميع بنفس القدر سياسياً وإجتماعياً ونفسياً. إنها تتطلب التصحيح وإعادة النظر ورفع الغبن عن بعضها.

إحدى أبرز القضايا وأكثرها إلحاحاً من جهة إستمراريتها ودعواها الحثيثة للبحث عن حل عملي هي المسألة الكردية. لقد تعرض الأكراد لسياسة إذابة قومية ممنهجة وطبق بحقهم إجراءات ومشاريع تعسفية وعنصرية عديدة منها "الحزام العربي، الإحصاء الإستثنائي، الحرمان من ممارسة لغتهم وثقافتهم...ألخ. بالإضافة لسياسة الإقصاء والإبعاد من العمل والوظائف في مؤسسات الدولة. وهذا ما جعلهم جزئياً بمنأى عن تأثيرات الإطروحات العروبية القوموية، (الإيديولوجية الرسمية للبعث الذي يحكم سوريا منذ أكثر من أربعة عقود)، وفي نفس الوقت باتوا بعيدين من الإندماج الحقيقي مع الشريحة الأهم عددياً المجتمع السوري- العرب السنة. وتتعلق بحل قضيتهم مصير قرابة ثلاثة ملايين من سكان سوريا. و قد تشكل إهتداءات حلها الديمقراطي قاعدة لتثبيت اللامركزية الإدارية في كل البلاد، سواء على أساس الدولة الفدرالية أو منح مناطقهم شيئ من الحكم الذاتي.  وهذا ما يمكن أن يكون بمردودية وتأثيرية إيجابية على الوضع الإداري للمكونات الأخرى التي تدار مناطقها من المركز.

سياسياً أكراد سوريا اليوم موزعون على مجلسين: "المجلس الوطني الكردي السوري"، الذي يضم 13 حزباً وحركة سياسية  و"مجلس شعب غرب كردستان". الأخير أعلن عن "إدارة ذاتية لثلاث كانتونات: الجزيرة وكوباني وعفرين" وعن حكومات مؤقتة لهذه الكانتونات عشية إنعقاد جنيف2، والذي يحظى بشبه إعتراف من هيئة التنسيق الوطني المعارضة  وبرضى ضمني من مؤسسات الحكم، بينما تسعى احزاب المجلس الوطني الكردي المنضوية تحت راية "إئتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية" اليوم وبكل جدية وحزم طرح مسألتهم القومية بأبعادها السياسية والحقوقية  في المفاوضات الجارية بين  ممثلي النظام والمعارضة المتمثلة بالإئتلاف في مؤتمر جنيف2. فهم لا يشعرون بطمأنينة كبيرة للوعود التي يتلقونها من قادة المعارضة، والوثيقة اليتيمة الموقعة بينهما ليست واضحة المعالم لجهة تحديد رؤية شكل ومضمون الوضع المستقبلي النهائي للحل؛ بالإضاقة كون الإئتلاف ليس جهة قانونية مخولة.

معظم الأحزاب المنضوية تحت راية " المجلس الوطني الكردي" لا  ترضيهم "الإدارة الذاتية" التي أعلنتها الـ (ب.ي.د.) المتهمة "بالتقرب" من النظام. وهم يتطلعون  بالفوز بضمانٍ دولي يقيهم من مخاطر عودتهم لنظام توتاليتاري أو قومي  شوفيني، ويقر بالمظالم التي لحقت بهم ويعوضهم عن الغبن والتجاوزات  التي طبقت بحقهم من الحكومات المتعاقبة في  سوريا وكذلك تضمن تحليهم بحقوق متساوية مع القومية الرئيسية في البلاد- القومية العربية. وفي الذاكرة الجمعية لهم، هناك ما يبعث على الخوف والقلق. فإتفاقية سيفر التي وقعها الحلفاء مع الدولة العثمانية عام 1920 والتي تضمنت ثلاث بنود ضمنت لهم شيئ من حق تقرير المصير، مع أخوتهم في كردستان تركيا، ألغيت بنودها المتعلقة بالمسألة الكردية في المعاهدة التي وقعها ممثلي تركيا الجديدة في لوزان 1923مع نفس تلك الأطراف، لذا فهم حذرون وحريصون بان لا تفوتهم هذه الفرصة ولا يعيد التاريخ نفسه.

أثناء الجولة الأولى من جنيف2 كان هناك شد وجذب كبيرين حول الموضوع، ويشكلٍ يومي تقريباً، بين ممثلي "المجلس الوطني الكردي" وقادة "الإئتلاف"، في كواليس إجتماعات جنيف2،  وسيتكرر ذلك  بدون شك في الجولة الثانية! ولا أحد يستطيع التكهن بأية نتيجة ستنتهي!؟ والسؤال الأهم الذي ما زال يدور في خلد الجميع، وممثلي الأكراد بشكلٍ خاص: هل سيتم تخصيص جولة من المفاوضات حول الأقليات القومية في سوريا والموضوع الكردي تحديداً!؟

جنيف في 30-01-2014