تفاقم مشكلة البطالة في المناطق الكردية في سوريا في الوقت الراهن

خورشيد عليكا - عضو جمعية الاقتصاديين الكرد- سوريا
تمثل مشكلة البطالة في الوقت الراهن إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه الشعب السوري عامةً والشعب الكردي خاصةً، في وقت انغمس فيه الحكومة السورية والنظام السوري في الصراع المسلح الدائر بينها وبين قوى المعارضة والثورة للحفاظ على السلطة

تاركة الشعب يعاني من شبح الفقر والتشرد والجوع في ظل استمرار قصف المدن والقرى والبلدات السورية.

وإنَّ التعريف الشاسع للبطالة الذي أوصت به منظمة العمل الدولية، والذي ينص على أنَّ "العاطل عن العمل هو ذلك الفرد الذي يكون فوق سن معينة بلا عمل وهو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه عند مستوى أجر سائد لكنه لا يجده".

وإنَّ معدل البطالة هو عبارة عن نسبة عدد الأفراد العاطلين إلى القوة العاملة الكلية وهو معدل يصعب حسابه بدقة وذلك لاختلاف نسبة العاطلين حسب الوسط (حضري أو قروي) وحسب الجنس والسن ونوع التعليم والمستوى الدراسي.

وإنَّ نوع البطالة المنتشرة في المناطق الكردية هي البطالة الإجبارية فهي توافق تلك الحالة التي يجبر فيها العامل على ترك عمله أي دون إرادته مع أنَّه راغب وقادر على العمل عند مستوى أجر سائد. ولكن حتى عند مستوى الأجر السائد لم يعد العمل متوفراً في المناطق الكُردية مما أضطر عشرات الآلاف من العائلات الكُردية ترك مناطقها ومدنها بحثاً عن لقمة العيش والأمان في وقت وصل فيه عدد المهجّرين الكُرد إلى إقليم كُردستان العراق أكثر من 250 ألف مهجّر، في حين قُدر عدد المهجّرين الكُرد إلى تركيا بمئات الآلاف، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المهجّرين إلى دول الخليج ولبنان وأوروبا. وهجرة المئات من الموظفين الكُرد الذين فصلوا من وظائفهم على خلفية مشاركتهم في الحراك الثوري السلمي...

وإنًّ تفاقم مشكلة البطالة تكون نتائجها كارثية على المجتمع حيث أنَّ أولى لبنات البطالة هي الفقر (حيث أعلنت أخيراً الأمم المتحدة (عبر منظمة الاسكوا) أنَّ عدد السوريين اليوم ممن هم دون خط الفقر الأعلى يصل إلى 18 مليون شخص بنسبة تصل إلى 78% من إجمالي عدد السكان، منهم 8 ملايين تحت خط الفقر الأدنى، مشكلين بذلك نسبة خطيرة تقدر بنحو 34% من إجمالي عدد السكان في سوريا). ويليها المرض ومن ثم التخلف المطبق. وإنَّ الفقر في المنطقة الكُردية يترافق أيضاً مع العمل وهذا ما حدى لإطلاق تعبير «العاملون الفقراء» على العمالة؛ وذلك نتيجة غياب أي فرصة للدخل وبالتالي القبول بأي نوع من العمل يكفل حداً أدنى من مستوى المعيشة.

ويقدر معدل البطالة في المناطق الكُردية بحدود 60% من قوة العمل ويمكن أن تبلغ 70% من قوة العمل في حال استمرار الصراع الدائر وعدم التوصل إلى تسوية سياسية في مؤتمر جنيف 2.

تُعد البطالة من الظواهر السلبية التي تهدد السلم والاستقرار الاجتماعي، باعتبار أنَّ دخل الفرد من عمله يمثل صمام الأمان والاستقرار له ولمجتمعه، في حين أنَّ البطالة والحرمان من الدخل يولدان الاستبعاد والتهميش الاجتماعي علاوة على سائر العلل الاجتماعية الأخرى.

ومن أهم الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة البطالة في المنطقة الكُردية:

1. تدهور معدلات النمو الاقتصادي في المناطق الكُردية التي كانت بالأصل مناطق مهمشة سابقاً.

2. البيئة الاقتصادية في المنطقة الكُردية، ولاسيما توقف العملية الإنتاجية فيها في ظل الصراع الدائر وانخفاض أسعار المواد الأولية التي تصدّرها وارتفاع أسعار المواد المستوردة، الأمر الذي خلق صعوبات اقتصادية، هذا من جهة ومن جهة اخرى ارتفاع اسعار مشتقات الوقود وبخاصة المازوت والبنزين.

3. محاصرة المنطقة الكُردية اقتصادياً من قبل الكتائب المسلحة.

4.اغلاق جميع المعابر الحدودية المحاذية للمناطق الكُردية (تل كوجر، فيشخابور، نصيبين..) لأسباب سياسية.

5. مع بقاء المنطقة الكُردية شبه مستقرة النظام السوري لا يلي أي أهمية اقتصادية وخدمية للمنطقة.

6. مع إعلان الإدارة المرحلية الانتقالية من قبل منظومة المجتمع الديمقراطي (TV-DEM) في المنطقة الكُردية أصبحت المنطقة أكثر تهميشاً..؟

7. عدم توصل الحركة الكُردية بمجلسيها (الوطني الكُردي وغربي كُردستان) إلى تعامل إيجابي مما يحول دون تأمين حياة مستقرة لشعبها.
وتقارب نسبة العاطلين عن العمل من فئة 15 ـ 24 عاماً 72.3% من مجموع العاطلين عن العمل في المنطقة الكُردية. وتفاقمت ظاهرة عمالة الاطفال واتسعت مع دخول الثورة السورية نهاية عامها الثالث، وحسب التقديرات شكل العاملون من الفئة العمرية 10ـ 14 عاماً نحو 3% من قوة العمل الإجمالية في المنطقة الكُردية وترتفع هذه النسبة في الريف إلى 4.2% من قوة العمل وتشكل الإناث نسبة كبيرة منهن، وتترافق عمالة الأطفال عادة بعوامل رئيسية مرتبطة بمستوى الدخل والعمل أو بطالة البالغين في الأسرة، وعمل الأم ومستوى دخلها؛ وبلغت نسبة التسرب من التعليم الابتدائي والإعدادي نحو 37% من جملة الداخلين الجدد إلى التعليم الابتدائي.

تشيــر الدراسـات أنَّه يمكن للبطالة أن تؤثر في مدى إيمان الأفراد وقناعتهم بشرعية الامتثال للأنظمة والمبـادئ والقواعــد السلوكية المألوفة في المجتمع. وبذلك فإنَّ البطالة لا يقتصر تأثيرها على تعزيز الدافعية والاستعداد للانحراف، إنَّما تعمل أيضاً على إيجاد فئة من المجتمع تشعر بالحرية في الانحراف.

كما أنَّ البطالة تؤدي إلى انخفاض أواصر الروابط التي يحملها الناس تجاه المؤسسات الرسمية والأنظمة والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، كما أنَّها تحد من فاعلية سلطة الأسرة بحيث لا تستطيع أن تقوم أو تمارس دورها في عملية الضبط الاجتماعي لأطفالها.

ويقول المطرب البلجيكي- الفرنسي جاك بريل واصفاً أنظمة الاستبداد وهي تقتل شعبها بتركه ينعم في معدلات بطالة مرتفعة: (إذا أردت أن تقتل انساناً فلا تطلق عليه النار... ولا تسقه كأس السم... ولا تعلقه بحبل المشنقة... بل أجعل منه بطالاً يجول كجثة هامدة في شوارع المدن الكبرى...).

وبذلك نجد أنَّ مشكلة البطالة في المناطق الكُردية في سوريا هي من أصعب المشكلات التي تواجهها المجتمع الكُردي كونهُ يستهدف شريحة كبيرة من مواطنيه وبالتالي يؤثر سلباً على التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستقبلاً.

نشر في جريدة يكيتي العدد (197)، تشرين الثاني 2013

البريد الالكتروني:
kak.suri2006@gmail.com
صفحة الفيسبوك:
https://www.facebook.com/Komela.Aborinasen.Kurd.li.Suri2006?ref=hl



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.