معتقلة سابقة في مطار المزة العسكري ... عشت مع سوريا في زنزانة واحدة !

روى الناشط الفلسطيني محمود صدقة على صفحته الشخصية تفاصيل مؤلمة عن اعتقال زوجة أحد الشهداء التي اعتقلتها قوات النظام مع أمها المريضة للضغط على زوجها من ليسلم زوجها نفسه واستشهد لاحقاً.

ففي مثل هذه الأيّام من العام الماضي كانت هذه الزوجة معتقله لدى المخابرات الجوية (مطار المزة العسكري) كان طعامها –كما تقول- وقت يشاء السجّان وشرابها وقت يشاء السجّان ودخولها المرحاض أمر متعلقٌ حتَّى بإرادة السجَّان، والحمّام مرتين في اليوم لا تتجاوز حصة الفرد من مائه فترة الدقيقة !!

وتضيف: "في مثل هذه الأيام كان الحلم بالنسبة لي ولزملائي المعتقلات أن ينطق السجان أسماءنا لنذهب للتحقيق ومع ما تعنيه كلمة تحقيق من شبح وقتل وسحل إلّا أنها كانت حلماً … فهناك من كان له من الشهور خمسة أو سبعة، ولا أحد يقول له لماذا أنت هنا أو حتى سنة، أحدهم من سقبا مر عليها تسعة أشهر في السجن منها في حرستا ومنها في صيدنايا وآخرها في المزة وهي تنتظر أحد يقول لها لماذا أنت هنا.

كان وجهها شديد البياض وكأنها من جبال الألب! لأنها لم تر الشمس من تسعة شهور !! في مثل هذه الأيام كنّا ننتظر الفرج عن أحد زملائنا كي ننعم بحصة أوسع من الأرض فالزنزانة (190×240 سم) عدد المعتقلات المثالي والروتيني فيها بالنسبة للسجانين 16 معتقلة، قد يصلوا إلى 21 في حال كان لهم غزوات حصدوا فيها ما لا يتسع لها معتقلهم من الغنائم … غنائمهم كانت في الأغلب شبّانا أبرياء … أكثر من يهوون تعذيبهم واعتقالهم هم أهالي داريا وبرزة، ولهم زبائن من كل مكان.

كانت تنقص الأعداد في بعض الأحيان ووصلنا مرَّة إلى 13 معتقلة في الزنزانة. كان يوماُ يشبه العيد … هي حالة من البذخ أو الترف أن تنام المعتقلة ممددة بشكل كامل … أو تجلس ساندة ظهرها إلى الجدار وممدة قدميها.

وتمضي المعتقلة السابقة وهي تصف الظروف الجحيمية لمعتقلات النظام السوري كما عايشتها قائلة: "في مثل هذه الأيّام كان النور الوحيد الذي نعلمه هو نور اللمبة المضاءة فوقنا فلا نعرف النهار من الليل إلّا من خلال وجبات الطعام.

وللإنصاف فقد كانت كافية ومشبعة … ولكننا كنّا نؤثر التقليل من الطعام حتّى نستطيع البقاء بدون حاجة إلى المرحاض والتذلل للسجّان (وما يعنيه هذا التذلل من ردود أفعال محسوبة أو غير محسوبة) بأن يأذن لنا بالذهاب إلى المرحاض!! لا يتجاوز وقت الفرد من المرحاض الدقيقه، وبعد غسل اليدين من المرحاض ممنوع غسل الوجه أو شرب الماء. وأي فعل كهذا يعرضك لعقاب متفاوت بحسب مزاج السجّان! في مثل هذه الأيام كانت الصلاة جرما يُسحل صاحبها إن علم بأمره السجان ...في مثل هذا الوقت كنا لانعرف شيئا عن الوقت لا ساعة ولا توقيت ولا أي شيء نعرف منه الزمن وكل أغراضنا بالأمانات (إن صح التعبير) في مثل هذه الأيام كنا نقضي نصف وقتنا في الزنزانة بطقطقة "الفسفوس" من ثيابنا !! وهو نوع من الحشرات التي تعيش على الدم وتنتقل بسرعة وتتكاثر بشكل عجيب !! في مثل هذه الأيام أيضا كنّا ننتظر بشوق زائرة جديدة مع أننا في شدة الضيق والأسف على دخول هذه المعتقلة، إلّا أنها المورد الوحيد للأخبار عن ما يجري حديثاً خارج هذه الزنزانة … في مثل هذه الأيام كنت مع كل سوريا في زنزانة حيث كان فيها معتقلات من دمشق وريفها وحمص ودير الزور وحماة ودرعا … وكان سماع صوت المروحية يعني بالضرورة الامتعاض لأن زبائن كثرا قد أتوا وسيضيقون علينا المكان.

في مثل هذه الأيام كان صوت القذيفة التي تنزل على المطار سبباً لرسم الابتسامة على وجوه المعتقلات، كنا نتمنى لو تنهمر الصواريخ عليه حتّى ونحن فيه، فموتنا قد يعني خلاص آخرين.

وقد يخلص الكون من هذه الرقعة من الأرض المليئة بالإجرام … هذه كانت حياتنا اليومية كمعتقلات حياة مليئة بالتناقضات !! نتمنى الحصول على التحقيق مع أن ما فيه هو أشد أنواع التعذيب، نتمنى دخول المعتقلات الجدد لمعرفة الأخبار خارج الزنزانة، ونستاء من قدومهن بسبب ضيق المساحة، ونحزن لوجودهم وأكثر من كان يؤلمنا وجودهم القصَّر وكبار السن ذوو أمراض القلب والضغط والسكر، نتمنى سقوط القذائف حتى لو كانت ستسقط فوقنا.

ولسنا ندري إن كان هذا التمني يعني أننا أحياء نتمنى الموت، أم أننا أموات نتمنى الحياة، وربما كان المعنيين في وقت واحد، هذا جزء يسير متعلق بالحياة اليومية للمعتقلات السوريات داخل سجون النظام السوري.



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.