حسين جلبي : الأولويةُ الكُردية السورية..

2013-12-17

ضاعتْ أولوياتُ كُرد سوريا، تعطّلتْ بوصلتهم، أو أصبحتْ تُخضعُ لتأثيراتٍ داخلية وخارجية تصرفُها عن هدفهم الرئيسيّ، أو حتى عن مصالحهم التي يُمكن أن تلقى إجماعاً في الحدود الدنيا، أصبح الجميع يعمل بأسلوب (خَبط عشواء)، إذ يقومون بما يخطر لهم في لحظتهم، في غفلةٍ من التخطيط، دون تفكير في اللحظة التالية، أو حسابٍ للعواقب.

مؤتمرات حزبية كثيرة لا تُحصى كالأحزاب الكثيرة العصية على الإحصاء التي تقوم بها، منظمات واتحادات سياسية وثقافية واجتماعية تُطلّ برأسها وتطفو على السطح كلّ يوم، مُناقشات عقيمة ومناكفات وأوقات ضائعة دون أن يكون لكلّ ذلك أيّ عائد إيجابي على الأرض، إذ لا وحدة موقف تتحقّق ولا تغيير نحو الأفضل في الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، بل على العكس من ذلك، إذ ثمّة خطر حقيقي يتهدّد مُختلف جوانب الحياة الكُردية بالانهيار، هذا إذا لم يكن الانهيار قد تحقّق فعلاً.
ما هي أولوية كُرد سوريا حقاً؟ و هل أضاع ما يحدث في مناطقهم وخارجها تلك الأولوية بحيث أصبح من الصعوبة بمكان اكتشافها، و الوصول إليها، و إيلائها الاهتمام الكافي، والعمل على الالتفاف حولها، وبالتالي تحقيقها؟ ثم هل هذا الاستمرار في التشظي، من خلال إعلان المزيد من الأحزاب والهيئات والمنظمات والاتحادات والنقابات والجمعيات، والتي من المفروض بها أن تلعب دوراً في تجميع الطاقات المُختلفة، هي الأولوية؟ أم أن الأولوية هي في الاستمرار في البقاء في دائرة الصراع البيني للفوز بشرعية تمثيل الشارع الكُردي، حتى يقود مَن يفوز بتلك الشرعية سفينة الكُرد وسط هذه الأمواج المتلاطمة؟ أم ينبغي أن تكون الأولوية لاستمرار صراع السباق نحو المُعارضة السورية بتشكيلاتها المُختلفة، والاستمرار في خوض هذا الماراثون التفاوضيّ معها للفوز بوعدٍ هنا وآخر هناك، وكُرسيّ هنا وآخر هناك، وبالتالي فإن ما ينبغي على جميع الكُرد عملهُ هو حشد كلّ طاقاتهم لذلك، باعتبار الأمر يتعلق بمُستقبلهم في سوريا؟
لكن السؤال الأكثر أهميةً، والذي يُبنى على كلّ ذلك هو: هل غيّرت كلّ تلك النشاطات والفعاليات من الوقائع الكُردية على الأرض نحو الأحسن، وهل لامستها بشكلٍ من الأشكال، أم زادتها سوءاً على سوء؟
واقع الحال يقول أن كلّ ما قام به الكُرد طوال المرحلة الماضية، وخاصةً منذُ بدء الثورة، لم ينجح في إبقاء الوضع الكُردي على الأرض، مع كلّ ما كان عليه من ضعف وسوء حال، على حاله، فلقد خرجت الأوضاع عن السيطرة، وكان أهم مظاهر ذلك داخلياً، حالات القتل والخطف والتعذيب والفوضى وغياب القانون، والهروب الجماعي من المنطقة والذي تجلّى بمغادرة مئات الألوف لبيوتهم، مما أصبح معهُ التغيير الديمغرافي حقيقةً واقعة وليس مُجرّد خطر ينبغي دقّ ناقوسه.
حقيقة الأمر هي أن الأولوية الكُردية السورية لهذا اليوم هي إغاثية بحتة قبل كلّ شيء، على الجميع، وكلٌ من موقعه، العمل على إنقاذ ما تبقّى من ملامح كُردية في المنطقة الكُردية السورية، وذلك لا يتحقّق بالبيانات والأمنيات أو إنشاء المزيد من المنظمات واستمرار الصراع العقيم بين القائم منها، أو التهافت المرضي على المعارضة السورية، يتحقّق ذلك بإيجاد سبل العيش الكريم للمواطنين، من خلال توفير العمل والماء والخبز والكهرباء والغاز والوقود والأمان واحترام كرامة الإنسان والكفّ عن العبث بحياته وإرغامه على ما لا يرغب، عندها فقط، عند تحقّق ذلك، سيعود من هم وراء الحدود من تلقاء أنفسهم إلى بيوتهم، وسيُصبح من يضرب بسيف النظام أقلية، وسيكون باب المشروعية الشعبية مفتوحاً على مصراعيه لمن يقوم بخدمة المواطنين وتحقيق طموحاتهم، وليس من داعٍ حينها لخوض المغامرات وتنفيذ المؤامرات للدخول إلى الائتلاف من شبابيكه، ستكون حينها أبواب المُعارضة السورية مُشرعةً على مصراعيها للممثلين الحقيقيين للشعب الكُردي، لاحتلال صدارة المكان.

جريدة Guhertin



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.