غسان جانكير : المقامة الاستغلالية

2013-12-06

حدثنا العطال البطال قال : لمّا طالَ بِنا المقام, وأثقلت بِكلكلها علينا الأيام, في بلادٍ تحترم حقوق الهوام, بقوانينٍ يُعتبرُ التعدي عليها مِن الآثام, و مولاتٍ تُخصص لها قِسماً, بل, أقسام, بما لذَّ وطاب مِن أنواع الطعام, وملابس شتوية كي لا تبرد الكلاب, يا حرام, و أرائك و مفارش لتقعد باحترام, و ضمانٍ صحيّ لِما تُخبؤه أيام الخصام, ورفاهية مُصطنعة مُقيتة,

تكادُ أنّ تكون مُميتة, تستلب منها حرية غريزتها, في حبها و مقتها, يغسلون بالشامبو - بطراً فروتها, ويمضون الساعات الطوال في تسريحتها . فصِرنا نغار منها في رفاهيتها, وما تلقاه مِن المحبة في رعايتها, سيّما و إنّا محرومون مِن حقّ العمل, ولا يبدو لنا في الأُفق بارقة أمل, في عيشٍ هو دون الكلبونية, تفتك بكُلّ نفسٍ أبية, بدءً بالتدافع أمام مؤسساتٍ استهلاكية, تبيع موادٍ تكاد أن تنتهي منها الصلاحية, مروراً بعدم ردّ النازيين للتحية, وليس آخراً بالتدابير والأوامر شبه العسكرية .
ولمّا أعيَتْنا قِلة الحيلة مع اليوروات الخمسة, وهي بالمنيّة لنا مُخصصة, نأخذها بيدٍ صاغرة والحلقُ تسدّهُ ألف غصّة, نوزِّعها على حاجاتنا اليومية بدقّة الحِساب, فتتشوّشُ في استنباطِ الحلول الألباب, نشتري علبة دخان فنعدم الغذاء, و نُكابد الجوع لعشرِ أيام من أجل فردة حذاء, وكذا فلا معنى للتفكير بالتسوّح, أو حفلة موسيقية للتروّح, والتمنّي في ارتياد السينما نوعٌ مِن التقبّح, و زيارة متحف هو المُقامرة بشهر من الحرمان, فلا حلَّ اذاً للحفاظ على مسافة الأمان, و حماية الصحة النفسية من مُسببات الجنان, سوى زيارة الحدائق, ليبقى البال رائق .
وَ بَينا أنا و أبو مُخطة في الحديقة, دون ( كيرل فريند ) أو صديقة, نضرب أخماسٍ بأسداس, و الجيوبُ مِنّا تعاني الإفلاس, و إذ ب ( بعثيكو قربانو ) مُقبِلٌ فَرِح كأنه عباس بن فرناس, مُنادياً من بعيد : هاتو البشارة, عدّاً و نقداً على أخباري السارة . فقُلتُ له : الويل لك .. لا أبا لك , وأنتَ أوّل العارفين, بحالنا و إنّا مُفلسين, و بالربا منك نستدين, لا أشبعك الله و لا قُرّت لك عين .
قال ( بعثيكو قربانو ) : وَ لَسوف تغتنيان, و لقُدراتي في التآلف تتعجبان, و لِرفقتي معكما تحمدان, قد وجدّتُ لكما عملا في الأسوَد و بالفصحى يُسمّى ( خارج القانون ), يُرضي ثلاث أطارف, فلا تظنّا فيه الاجحاف, يُرضي صاحب العمل كونه لن يدفع الضرائب, و عشرون في المئة يُرضني أنا السمسار الحاضر الغائب, و ترضيان بثمان يوروات لكل منكما في الساعة لمجابهة النوائب .
ghassan.can@gmail.com



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.