جان كورد : تعريف بكتاب الأخ يحيى سلو "لغة الجبل" في السياسة والدبلوماسية الكردية

للجبال شموخها الذي تحسدها عليه السهول والوديان، وللجبال كبرياؤها وطبائعها المتسمة بالشدة والقسوة، كما أن للجبال أغانيها الرقيقة وأحزانها وأسرارها... ومن الجبال تتدفق ينابيع الماء البارد...

ومن الماء تنبعث الحياة... إلا أن الفنان والكاريكاتوريست يحيى سلو، صاحب رواية "مسيرة في جبال كوردستان"، قد اكتشف من خلال تجربةٍ شخصية دامت عقداً من الزمن، حيث كان مقاتلاً في صفوف "الكريلا" التابعة لحزب العمال الكردستاني، أن للجبال لغتها الخاصة بها، وهي لغة تتميز بالعنف والقسر، بالبساطة والسذاجة، ولكنها في الوقت ذاته لغة واضحة مفهومة لها مذاق مختلف عن كل اللغات الأخرى... إنها لغة الجبل. لغة الطلقة التي تصيب الصديق قبل العدو أحياناً وتجعل من المقاتل الصنديد خائناً للوطن والقائد قبل أن يرديه الأعداء شهيداً.

 

وكبطاقة أرشيفية لهذا الكتاب نكتفي بهذه المعلومات:[عنوان الكتاب: لغة الجبل في السياسة والدبلوماسية الكردية. المؤلف: يحيى سلو. الإخراج الفني الأنيق: دار خاني للنشر والتوزيع. تصميم لوحة الغلاف وإخراجه: المؤلف. عدد الصفحات 234 من الحجم المتوسط، الطبعة الأولى صادرة عن دار هوغر في مدينة بون،عام، 2013، الذي يشرف عليه الأخ الدكتور حسين حبش. رقم الإيداع: 1-11-935191-ISBN،yahiasalo@yahoo.de]
تعرفت على مضمون الكتاب عن طريق الكاتبالصديق يحيى سلو نفسه، الذي سألني عما إذا كنت مستعداً لمراجعة النص المكتوب باللغة العربية، ولذا كنت من أوائل من قرأ النص قبل صدوره بهذا الشكل النهائي بعدة شهور، ونصحت الأخ يحيى سلو أن ينشر الكتاب بأسلوبه البسيط، خالياً من الرونقة المصطنعة وإظهار العضلات البلاغية التي قد تفسد المعاني والهدف من الكتاب، فكم من إناءٍ جميل الشكل وحسن المظهر لا يقدر على حفظ ما فيه من ماءٍ أو شراب، فهذا الأسلوب البسيط قريب على فهم القراء الذين في غالبيتهم من غير أبناء وبنات العرب، بل ومعظمهم "أكراد" لا يفقهون من لغة الضاد إلا النذر القليل. وبعد أن انتهيت من قراءته وابداء ملاحظاتي حول كتابته، قلت للأخ الكاتب بأن نشره خطوة جريئة على مسار النقد السياسي الكردي لسببن، الأول هو أن هذا الكتاب ربما يكون سبقاً قلمياًباللغة العربية في تعرية كثيرٍ من المواقف المتشنجة التي تم طرحها واتخاذها من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني بذريعة أنها تقود ثورة تحررية لإنقاذ الأمة الكردية المظلومة من جانب زعمائها وأحزابها كما هي مظلومة من قبل أعدائها المحتلين لأرضها، والثاني هو أن الكتاب من تأليف منشقٍ يدرك العديد من أمور التنظيم والعسكرة وأولويات السياسة الجبلية الكردية، ويريد به الإيحاء إلى جملةٍ من الأخطاء المميتة لثورة يقودها حزبه ويقدم لها رفاقه حياتهم ثمناً سخياً، فهو ليس بمنشقٍ قيادي كبير تخاصم مع القابعين في المقاعد الأمامية الذين يحظون بامتيازاتٍ كبيرة، معنوية ومادية، ويملكون أسباب القوة في التنظيم، فخرج عليهم ليؤسس تنظيماً مستقلاً عنهم ويفضحهم، وإنما هو كاتب مرهف الإحساس، فنان يحب الطبيعة الجميلة لجبال بلاده أكثر من سلاحه، كما هو روائي يجيد الحديث عما في داخله وما حوله من واقعٍ أقل ما يمكن وصفه بأنه سلاسل جبلية لا تعرف الرحمة، ويتناوب الرفاق والأعداء في غاباتها الانتصار والهزيمة، فترك الصفوف والتجأ إلى "الإخوة" في جنوب كوردستان، الذين كانوا في نظره قبل ذلك "أعداءًطبقيين ومتخلفين سياسة ودبلوماسية، وضعفاء في الوطنية!" حسب ما تعلمه من مدرسة الحزب التي ربت كوادرها باستمرار على كره الآخر الكردي من أي لونٍ أو اتجاه آخر، ولديه الكردي صنفان: وطني شريف أو خائن بلا شرف... الصنف الأول هو من على تبعيةٍ مطلقة للقائد والقيادة والثاني هو من ينتقد سياسات الحزب ويرفض الإذعان لقائده... وهذا شأن سائر الأحزاب الشمولية "البولبوتية" مع الأسف منذ ظهور الشيوعية على وجه الأرض.
 
لغة كتابة "لغة الجبل" تذكرنا بما كان يردده الشيخ الأستاذ سعيد النورسي: "أنا أفكر بالكردي وأقول بالتركي وأكتب بالعربي!" بمعنى أن الواقع الذي يعيش فيه يملي عليه هذه اللغة التي هي في أبسط مستويات الفصاحة العربية، ولكنها لغة مفهومة وسلسة وتفي بمتطلبات المضامين التي تتفجر أمام عيوننا كينابيع جبلية ثرية وغزيرة بماءٍ عذبٍ فرات.
 لقد تطرق الأخ الدكتور محمود عباس (هيوستن – الولايات المتحدة الأمريكية) في مقدمته الجميلة الطويلة للكتاب إلى المضامين التي يلمح إليها الكاتب، ولذا لا أود تكرار ما سبقني إليه الأخ عباس، وأدع ذلك للقارىء ليستكشفها بنفسه ويبدي رأيه فيها، إلا انها باختصار تبقى في إطار التنبيه إلى الأخطاء الكبيرة التي وقع ولايزال يقع فيها حزب العمال الكردستاني في عمله السياسي وفي دبلوماسيته وفي ممارساته "الثورية"، وكذلك في تفاعله مع الشعب الذي يرى نفسه ممثلاً له، وفي تعامله مع أعضائه وكوادره والمنشقين عنه والمبتدئين بإظهار التململ وعدم الرضا من سياسات وتصرفات القادة والآمرين في التركيبات القتالية، في نظرته إلى مسار الحراك السياسي – الثقافي الكردستاني والمثقفين بشكل خاص، وفي تفريخه للعديد من التنظيمات والمنظمات التي تشبه البيوض غير المختلفة عن بعضها البعض في شيء، فتقع الفراخ في ذات الأخطاء المميتة للحركات الثورية، وفي مقدمتها خطأ الاعتقاد بأن لابديل لها ولا ضعف فيها ولا تراجعات في مسارها، وكل ما تقوم به هو الصحيح الفصيح.
هناك إخوة آخرون تطرقوا مثل الأخ يحيى سلو إلى هذه المسائل المتعلقة بثورة شعبنا في شمال كوردستان، وفي أغلبها باللغة التركية، منهم من ضحى بنفسه من أجل فضح الأخطاء وتحديد المسؤولين عنها، ومنهم من تم عزله وقهره من قبل رفاقه، بل تهديده بالقتل والسحل، كما هناك من تلقى اللكمات والطلقات، ولكن المهمة التي حملوها على أكتافهم بمشقة وشجاعة تظل مهمة سامية لأنها تهدف إلى تصحيح المسار لا القضاء عليه. وكاتب "لغة الجبل" هو من الطراز الذي يدعو بلطف ورقة، في كتابه هذا وفي رسومه الكاريكاتورية المثيرة والشيقة حقاً، إلى نبذ الاقصائية السياسية ومدرسة الاستكبار وضيق الأفق الحزبي، والاعتراف بالأخطاء وتجاوزها من خلال نقدٍ إيجابي ذاتي، كما أنه فخور بمساهمته لسنواتٍ عديدة في بناء صرح "الثورة" كمقاتلٍ أملى ضميره عليه كمناضل كردي من غرب كوردستان فكرة "ضرورة مساعدة الإخوة في شمال كوردستان" في كفاحهم الثوري من أجل الحرية والحياة، شأنه في ذلك شأن آلاف الفتيان والفتيات الذين تركوا واللواتي تركن مقاعد العلم ومزارع الأهل للالتحاق بالثورة.
ما في الكتاب من ملفات ومضامين تعلمونها عن كثب من خلال قراءته. ولذا أكتفي بهذا القدر هنا...
وشكراً جزيلاً للأخ يحيى سلو الذي أضاف لمكتبة النقد السياسي الكردي بلغة الضاد رقماً سيبقى مثار النقاش والتعليق والدراسة ردحاً طويلاً من الزمن.
 
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.