هوشنك أوسي : بخصوص الدستور الذي وضعه ب ي د

2013-07-20

 بدايةً، كل الشكر والتقدير والاحترام لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي اتجه نحو قوننة الحياة في المدن الكرديّة السوريّة، عبر ضبط ايقاع الحياة وتنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع والسلطة، في إطار حزمة من القوانين والانظمة. وهذه المحاولة، 

على عللها الكثيرة وثغراتها الأكثر، تشي بأمور لا حصر لها، من نقاط تسجّل على ب ي د، ولا تسجّل لصالح هذا الحزب. بل تكشف وتميط اللثام عن بؤس شديد، وكأنّ قواعد هذا الحزب وقياداته وجماهيريه ومناصريه، خالية من أيّة خبرة قانونيّة وأدبيّة، قادرة على صوغ مسودّة منسجمة ومتناسقة وخالية من العيوب في الدباجة والترتيب. لذا، أتت المسودّة بتلك الركاكة غير المتوقعّة، قياساً بحجم الامبراطوريّة الاعلاميّة و(المؤسساتيّة) التي يزعم الحزب انه يمتلكها. وما أعلمه ان رئيس مجلس غرب كردستان، الاستاذ عبدالسلام أحمد، هو محامٍ متمرّس وقدير، وكذلك هنالك عدد لا بأس به من المحامين في هذا المجلس، بالاضافة الى مجموعة من الكتّاب والمثقفين في هذا الحزب، كالدكتور خالد عيسى، ونواف خليل وخلف داوود...، فلماذا خرج الدستور بهذه الحلّة المرتبكة والرخوة، إذا لم نقل الفاشلة؟!. والسؤال هنا: هل راجع القانونيون والحقوقيون والمثقفون هذه المسودة، قبل طرحها للنقاش؟. إذا كان الجواب: نعم. فهذه مصيبة. وإذا كان الجواب: لا. فالمصيبة اكبر وأكثر.
 
.....
 
لست حقوقيّاً ولا قانونيّاً، وستكون هذه الملاحظات، على مسوّدة الدستور العتيد، آتية من كوني كاتب ومهتمّ بالشأن العام، لا غير.
 
أولاً: المقدّمة. أتت رخوة وركيكة على صعيد الصوغ والدباجة. عدى عن إقحام عبارات لم يكن لها أيّ داعٍ. مثال: (الكرد في غربي كردستان و في كافة الأجزاء الأخرى هو شعب أصيل و متجذر عبر تاريخه الحضاري ومنذ آلاف السنين . أي منذ تشكل المجتمع الزراعي الأول في ميزوبوتاميا ، فالحضارات الميدية و الهورية و الميتانية خير دليل على تاريخانية الكرد في منطقة الميزوبوتاميا). لاحظو الركاكة. ثمّ ما هذه العبارات: "تاريخه الحضاري"؟. هل هنالك تاريخ حضاري وتاريخ غير حضاري؟!. وما هذا الاصطلاح: "تاريخانية"؟!. هل هو بـ"العربمانجي". واثناء وجود المملكة الميديّة والهوريّة – الميتانيّة، لم يكن هنالك شيء اسمه كرد. الميديون وقبلهم الهوريون... هم اجداد الكرد. او الشعوب التي تشكّل على انقاضها الكرد.
 
تقول المقدّمة: (لقد تبلورت الدولة السلطوية القوموية ونمت سياساتها الشوفينية بوتائر مضطردة في نهاية الخمسينيات بعد أن تبنت هذه السياسات أحزاب وشخصيات قوموية عربية توجت بمجيء البعث في عام 1963 و اغتصاب السلطة الوطنية السورية من قبلها). وهذه مغالطة، كبيرة. لأن الدولة القوميّة او الدولة الأمّة، او الدولة التسلّطيّة، لم تتشكل في الخمسينات، بل بدأت مع ولادة الجمهوريّة التركيّة سنة 1923. ثم ان الحكم الذي سبق انقلاب نظام البعث لم يكن حكماً وطنيّاً!. 
 
تقول المقدّمة: (و تبجيلا منا لقادة و رموز الحركة التحررية الكردستانية و مناضليها و شهدائها الذين قدموا كل ما لديهم من أجل تحقيق حريتنا و صون كرامتنا و ترسيخ مفهوم الحماية الذاتية و حماية الوطن و الإقرار بحقنا في تقرير مصيرنا بملء إرادتنا الحرة ، و لإقامة مجتمع كردستاني متمدن بكل مكوناته الدينية و القومية ؛ مجتمع يسوده روح المساواة و التسامح و الأخوة ، وضمان حقوق المرأة كاملة, و للتأسيس لمجتمع ديمقراطي يتساوى الجميع في الحقوق و الواجبات ، و لإقامة مجتمع يحقق كرامة الإنسان وفق الدساتير و الصكوك والعهود الدولية و المتعلقة بحقوق الإنسان و تحقيق الحرية المنبثقة من إرادة الذات المتحررة .
 
لقد توحدت أهداف كل مكونات مجتمع الإدارة الذاتية الديمقراطية من كرد و عرب و مسيحيين ، و اتفقت مع إرادة بقية مكونات الشعب السوري و بكلّه ألتعددي ، ليكون إقليم الإدارة الذاتية الديمقراطية إقليما اتحاديا ضمن دولة سوريا التعددية الديمقراطية ، وتجسيدا لهذه الإرادة و تحقيقا لهذه الأهداف ، فلقد تبيّنا هذا الدستور .). لاحظوا أن السبب الأول لسنّ هذا الدستور، أو أولى الأوليّات، وفق النصّ الموجود أعلاه، هو مغازلة حزب العمال الكردستاني ونضالاته وتضحياته!.
 
إن الدستور، في مقدّمته، يعلن إقامة منطقة الادارة الذاتيّة، قبل إعلانها بشكل رسمي من قبل جهات سياسيّة. وهذا ما هو منافٍ لكل قواعد وأعراف العمل السياسي. بحيث يتم الاعلان عن الدولة او الاقليم او منطقة الحكم الذاتي او الادارة الذاتيّة، من ثم يتمّ الدعوة الى جمعيّة تأسيسّة، عبر انتخابات، تطالب بدورها الدعوة الى تشكيل لجنة خاصّة معنيّة بصاغة الدستور من كل المكوّنات القوميّة والدينيّة والفعّاليّات الاجتماعيّة والثقافيّة والأكاديميّة. ويتمّ مناقشته في المنابر الاعلاميّة، ثم يعرض على السلطة التشريعيّة، كي تصادق عليه.
 
ثانيّاً: مواد الدستور
 
1ــ الدستور محصّن، وغير قابل للتعديل، فالمادّة الثانيّة والمادّة والخامسة والخمسون. وثمّة تناقض بين المادّتين، بحيث لا تجيز المادّة الثانيّة ايّ تغيير في الدستور في المرحلة الانتقاليّة. بيما تجير المادّة الخامسة والخمسون التغيير، ولكن، بشروط شبه تعجيزيّة!. وبالتالي، ومن وضع هذا الدستور، في المرحلة الانتقاليّة لا يجير تغييره، فما بالكم في الحالة العاديّة، الدائمة؟!. وإذا كانت مسودّة الدستور، محصّنة وضدّ التعديل والتغيير، بمادّتين (2 و55) وفما معنى عرضه على النقاش في المواقع الالكترونيّة إذاً؟!.
 
2 ــ تقول المادّة التاسعة عشرة :للجميع حرية الحياة بهوية الولادة أو الهوية التي اكتسبها طوعا فيما بعد ( الاثنية – الجنسوية – المذهبية – الدينية – الثقافية – اللغوية ). لا يمكن إدراج الهويّة الاثنيّة، ضمن الهويّات المكتسبة. وهل ادراج الهويّة الجنسويّة، ضمن حريّة الهويّات المكتسبة، هل المقصود به، حريّة ان يغيّر الشخص جنسه، من ذكر الى انثى أو العكس؟!. علماً ان الهويّة الجنسيّة، هي أيضاً غير متكسبة، وتأتي مع الولادة.
 
3 ــ تقول المادّة الثلاثون: يُعقد الجلسة الاولى في اليوم 16 بعد اعلان النتائج في كافة المناطق من قبل المفوضية العليا للانتخابات ، و يرأس و يدير الجلسة الأولى لمجلس الشعب أكبر الأعضاء سنا ويديرها في الجلسة الأولى ثم ينتخب الرئاسة المشتركة وديوان الرئاسة المؤلفة من سبعة أعضاء بنسبة لكل منطقة عضو . و يشكل المجلس الدائم . وتكون جلساته علنية إلا اذا اقتضت الضرورة غير ذلك وفق لما ينص عليه نظامها الداخلي.
 
بالله عليكم، ولئلا يقول أحدهم أنني مناهض لحقوق المرأة، فإني أطالب بأن يرأس الاقليم امرأة، وان يرأس الحكومة أمراة، وأرجو تخصيص نسبة 76 بالمئة من البرلمان و76 بالمئة من الحكومة و76 بالمئة القضاء و87 بالمئة من الاعلام، و89 بالمئة من المؤسسات الاخرى للمرأة، والباقي للرجل، شريطة ان تتقّفوا عن هذه الفذلكة البايخة التي تجعل من المرأة مجرّد ديكور، بأن تجعلوا الرئاسة مناصفة: الرئيس المشترك .. والرئيسة المشتركة للحزب؟ الرئيس المشترك للحكومة؟ وللبرلمان؟ وللـ....؟!. يعني إذا كان السيّد أوجلان قد أمر بذلك، ضمن العمال الكردستاني، وفي شمال كردستان، هذا لا يعني ان كلامه منزّل، وانه وحيٌ يوحى، وانه مصحف مقدّس، ينبغي تطبيقه بحذافيره؟!. بمعنى، كفى لـ ب ي د، جعل غرب كردستان نسخة، مشوّهة لشمال كردستان!؟.
 
4 ــ ضمن اختصاصات البرلمان، تقول المادّة المادة السادسة و الثلاثون: (إعلان حالة الحرب والطوارئ وإنهائها بقانون).
 
يا سادة، اعلان الحرب، ليس من اختصاص البرلمانات المحليّة، بل من اختصاص البرلمان الاتحادي والحكومة الاتحاديّة. وهذا مبدأ معروف، سواء أكان الحكم المحليّ، ذاتيّاً او فيدراليّاً. هكذا قرار، اعلان الحرب والسلم، تتخذه برلمانات وحكومات الدول المستقّلة، كاملة السيادة، والعضو التامّ في الامم المتحدة. يعني، لا يمكن لاقليم غرب كردستان اعلان الحرب مع تركيا، إذا كانت دمشق على سلام معها. ولا يمكن لغرب كردستان ان يكون على سلام مع أنقرة، إذا كانت دمشق في حالة حرب مع انقرة.
 
5 ــ تذكر المادّة السابعة و الاربعون، وجود وزارة الدفاع (19)، ضمن وزرات حكومة الادارة الذاتية الديمقراطية في كردستان سورية؟.
يا سادة: الوزارات السياسيّة: الدفاع والخارجيّة، هي فقط في الحكومة المركزيّة وليس في الحكومات المحليّة، حتّى لو كان النظام فيدراليّاً، فما بالكم أن يكون أقلّ من ذلك؟!. يعني، لا زال هنالك عدم فهم او خلط بين اختصاصات البرلمانات والحكومات المحليّة، والبرلمانات والحكومات المركزيّة، لدى (مشرّعي) حزب الاتحاد الديمقراطي!.
 
ثم ما هذه؛ وزارة شؤون عوائل الشهداء (21)؟!. لأن وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة هي التي تفي بالغرض، ولا يجب تخصيص وزارة لهذا الأمر؟. واذا كان الامر مختلفاً، فهل يمكن لـ"مشرّعي" حزب الاتحاد الديمقراطي، ان يشرحوا لنا، ما هي اختصاصات وزارة شؤون عوائل الشهداء؟!. وبماذا تختلف عن اختصاصات وزارة الشؤون الاجتماعيّة والعمل؟!.
 
6 ــ من حيث ترتيب المواد، كان يجب وضع المادّة السادسة والخمسون، والتي تنصّ على (يعرض هذا العقد على استفتاء عام بعد المصادقة عليه من الهيئة الكردية العليا)، محلّ المادّة التاسعة والخمسون، ويأتي بعدها المادّة ستون، كي يكون الترتيب منسجماً، وتدرّجيّاً.
 
خلاصة القول: يبدو ان من وضع هذه المسودّة، كان عليه التأنّي والتريّث، والمراجعة والتدقيق...، قبل طرحه للعلن. وعبر هذا النموذج من الدساتير، يظهر ملامح النظام الذي سيحكم المناطق الكرديّة السوريّة. يعني، يتم تجهيز كل شيء، من قبل حزب بعينه، وبشكل انفراده، ثم يقول الحزب: تعالوا وكلوا الطبخة. ولا يمكن تعديلها. تعالوا وشاركونا في دستورنا.
 
ان مسودّة الدستور، كانت، حقّاً، مسيئة لحزب الاتحاد الديمقراطي. وان من وضعها، وطرحها للاعلام، بهذه الصيغة، أدار الاساءة لـ ب ي د، سواء عن حسن نيّة أو عن غيره. والمأمول من هذا الحزب، سحب هذه المسودّة، والدعوة الى لجنة مختصّة، تتوفّر فيها كل عوامل الاختصاص والشراكة الحقيقي والتنوّع الحقيقي.
 
ولا غرابة في ان تسعى طبول وابواق الحزب، الى تقديم هذه المسودّة على انها افضل من الدستور السويسري او البريطاني او الامريكي او السويدي ايضاً. ولكن، من المأمول ان ينصت الحزب لهذه الانتقادات والملاحظات، ولا يكترث بابواقه الاعلاميّة وتملّقاتها وتزلّفاتها وتصدريها للكذب والاوهام.
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.