شفان ابراهيم : ضرورة السيادة والإقليم كوردياً

2013-07-04

 لقد كانت أفكار ومعطيات الديمقراطية التي تنتظم وفقها الحياة السياسية, ذو اعتبار وفاعل رئيس في نظام العلاقات الدولية, وبقيت هذه الأفكار متداولة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945, التي مهدت وبالاعتماد على رغبة الشعوب في التخلص من ميراث الدمار والدماء, للانتقال الى بناء منظومة علاقات دولية متمثلة في هيئات ومنظمات متنوعة,

مهمتها القيام بواجب نشر ثقافة التسامح والإخاء والمساواة وحقوق الإنسان, مع حفاظ الدول الوطنية على استقلالها وعلى المستويين الداخلي والخارجي, إلا أنه مع هبوب رياح العولمة بدأت هذه الآلية الدالة على أنظمة ديمقراطية بالانهيار. إن هذه العولمة هي من قوضت وفككت البنى التقليدية للتنظيمات السياسية والاجتماعية بواسطة التداول الأقتصادي والعلاقات القائمة على السوق المتبادل, ونظرا لعلو مكانة الأسواق بشكل مفرض في التحكم بالسياسات الدولية, ولان السوق هي التي ترسم السياسة للجهات الأربعة للعالم الأرضي, فإن اغلب النظم السياسية المنتهجة للدكتاتوريات والاستبداد والقمع والشمولية قد بدأت بالانهيار والتآكل, ومصيرها الاستبدال والتغيير, بسبب انتهاجها أسلوب الاحتكار والقمع والتنكيل, ولتعارض هذه السياسات مع سياسات السوق العالمية التي تجهد في سبيل دخولها إلى جميع الأسواق. وإذا كانت الدولة المتمتعة بسيادة وجيش وميزانيات ضخمة مصيرها الفناء, فكيف الحال والكورد في غرب كوردستان وحتى هذه اللحظة لا يملكون أي قرار سياسي يخدم الكورد خاصة, ولا تمتلك التنظيمات السياسية القدرة على رسم سياسة كوردية تهدف الى مقاومة المد العولمي ورياح التغيير الإجبارية وفق مقتضيات المصلحة التجارية والسوقية للدول العظمى, ناهيك عن أن الشرقيين يتعاملون مع العولمة وفق منظور محاربة العربة وترك الحصان, ومن مآل ذلك البقاء على الهامش لان محاربة العولمة دون وجود ما يسد فراغ المقاطعة هذه سيكون من نتائجها عدم اخذ مكان ضمن دائرة الدول الساعية الى بناء منظومات تعددية على الصعد كافة, ومن دون أي شك فان الشعب الكوردي في غرب كوردستان لن يتمكن من التخلص من عقدة عدم المشاركة في الحكم أو التخلص من التهميش والإقصاء ما ليم يكن مالك لقراره وسيد أفعاله, وما لم يكن مالكاً لبقعة جغرافية يستطيع التحكم بها, وسيداً على رقعة وجغرافية وحيز مكاني, وفي مقدمة ما يستوجب على الكورد الالتزام به هو الرفض لتجميع السطلة كلها في يد واحدة, علماً أن تجميع السلطة وعدم الفصل بين السلطات يعد السبب الرئيسي للمطالبة بدويلات أو لا مركزية سياسية, ويرى "يورغن هابرماس" ضرورة ربط الدولة ككيان سياسي بمجموعة بشرية متناسقة من حيث بعض معايير الانتماء, كالثقافة والعرق" ( هابرماس, ما بد الدولة-الامة), وهو ما يستلزم الكورد الاشتغال عليه لامتلاك القرار السياسي الذي يخولهم إدارة وحماية مناطقهم, والتمتع بسيادة إقليمية, والمساواة مع باقي الأطراف والأعراق في سوريا, وعدم تجاهل المركز في الشؤون الداخلية للإقليم الكوردي, لذلك فلا بد من توزيع سوريا على أقاليم جغرافية ذات سيادة معترف بها, يمتلك كل إقليم سلطة سياسية على حيز معين, لتقوم بنشاطاتها داخل الحيز الجغرافي الذي يسيطر عليه, ومنها سيكون الكورد متمتعون بنوعي السيادة والسلطة, السيادة الداخلية بحيث يتمتع الإقليم الكوردي بسلطة عليا على جميع الأفراد والهيئات والتنظيمات التي تتواجد فوق هذا الإقليم, ولا إرادة تعلوا فوق إرادتها داخل الإقليم, وسيكون الكورد مع شركائهم من ( المسيحيين والعرب) هم وحدهم المشرعون للشؤون الداخلية, أما خارجياً فسيكون الإقليم الكوردي ملتزماً بالعلاقات الخارجية للدولة السورية, شريطة المشاركة في رسم هذه السياسات, بحيث يكون من حق الكورد عدم القبول بالخضوع أو الرضوخ أو التبعية لدولة أخرى أو أي سلطة أخرى, لكن كل ذلك متوقف أولا وقبل كل شيء على وجود الإقليم وهو ضرورة قومية ملحة لممارسة السيادة والذي سيكون الحيز الذي تطبق عليه الأنظمة والقوانين المشرعة من قبل أبناء هذا الإقليم, أي انه سيكون الحيز والمجال المكاني لتفعيل وتطبيق المعايير القانونية, ولا وجود لاستقلالية أي قرار سياسي من دون هذا الإقليم, وفي هذا الخصوص يؤكد ثروت بدوي على استحالة اجتماع سلطتان مستقلتان وتتمتع كل منهما بالسيادة على رقعة جغرافية واحدة لشعوب وأعراق وقوميات متنوعة ومتعددة ومختلفة, لان النتيجة الحتمية في ذلك هو قضاء أحداهما على استقلال الأخر, ونسف خصوصيته لذا فلا بد من تحديد مجال خاص لتلك التنظيمات السياسية المتباينة والمختلفة عرقيا لتمارس كل جهة سيادتها دون أن تتخطى الأخرى..( ثروت بدوي, النظم السياسية).

 

علماً أن هذا الإقليم يشمل الأرض والجو والبحر, وتتمتع غالباً بحدود طبيعية كالوديان والسهول والجبال, غير معنية بأي حدود جغرافية اصطناعية أو أي تغيير ديمغرافي طال منطقة جغرافية ما, ومن الممكن والطبيعي أن يحد الإقليم بحدود اصطناعية للاستدلال بها على نهاية الحدود الإقليمية ( الأسلاك الشائكة) مثلاً, وليس من الضروري أن يتمتع الإقليم بمسحات شاسعة حتى يسمى إقليما, فسنغافورا بمساحتها التي لا تزيد عن مجرد كونه تجمع عمراني, وهو يتمتع بكل صلاحيات الإقليم, وبخصوص الاعتراف فان أي إقليم يسعى للاعتراف به يتوقف فقط على عضويتها في المجتمع الدولي " الأمم المتحدة" إضافة الى انه لن تكون هناك سيادة ما لم تكن هناك قوانين ودستور وشرائع تتحكم بهذا الإقليم ومشرع من قبل ساكني الإقليم, علماً أن هذه الشرائع كلها تكون مدنية سياسية اجتماعية تاريخية إنسانية, بعيدة عن أي مشروع ديني, باستثناء ما يحفظ للجميع معتقداتهم الدينية وطقوسه أتباع كل ديانة. علماً أنه وكما قال ولسون عام 1919 لا يمكن للمرء أن يغامر بقول شيء يدعوا إلى إطراب السلام العالمي أكثر من الحديث عن المعاملة التي تتلقاها الأقليات تحت ظروف معينة, وهذا ما يدفع الكورد نحو الإصرار على تبني الفدرالية لكل سوريا وبنظام حكم لا مركزي, لاستحالة التعايش معاً من جديد تحت مسمى عنصري, أو تحت مسمى لا يرتقي الى مستوى عالمية الحقوق الإنسانية وحقوق الأقليات, يقول الدكتور أحمد وهبان في هذا الصدد:

لا سبيل إلى استقرار سياسي دائم ولا إلى وحدة وطنية حقه في مجتمع أسس بنيانه على أساس التجمع الإجباري لشعوب غير متجانسة قومياً (احمد وهبان, الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر) فعلى المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية إن أرادوا حقن المزيد من الدماء ووضع حد لمزيد من المآسي والكوارث البشرية, الإسراع الى إنقاذ وانتشال سويا من المستنقع الذي هي فيه اليوم, إضافة الى أن الكورد وبسبب عدم امتلاكهم للدولة الخاصة بهم فإنهم ملزمون بالتعامل مع معطيات ومخرجات النظام العولمي, لكن دون الغرق فيه, على قاعدة عدم الامتلاك والسعي نحو نقل التجربة دون مراعاة الظروف الخاصة بالواقع الكوردي, وهذه العلاقة لا يمكن لها أن تكون ما لم يكن الكورد ممتلكون لقوة خاصة تحميهم وتحمي منطقتهم وتحمي ممتلكاتهم ومكاسبهم القومية وخصوصيتهم العريقة, وعدم وجود إقليم خاص يعني عدم وجود سيادة, وهذه الأخيرة من شانها أن تقوض أي دعوات لحكم الأكراد نفسهم بنفسهم, فلا أمان للغد دون وجود السيادة التي تستوجب ضرورة الإصرار على وجود إقليم خاص.

Shivan46@gmail.com


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.