جان كورد : سوريا بين "الجهاد" و "الارهاب"

2013-05-11

الانتقال من حالة جهادية أو كفاحية إلى حالة إرهابية سهل جداً، ولكن التراجع عن الارهاب إلى حالة جهادية أو كفاحية يكلف الحركات والأفراد ثمناً باهظاً بالتأكيد. وهذا ما يجب أن تأخذه أحزابنا الكوردية بعين الاعتبار.

الجهاد مصطلح إسلامي بامتياز، ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهو ينقسم إلى الجهاد الأصغر، الذي يعني البذل والفداء والتضحية بالمال والنفس من أجل دفع الظلم واعلاء كلمة الله تعالى، وحده لاشريك له، في الأرض، ويتضمن ذلك القتال الذي لاعدوان فيه إلا على الظالمين ويخضع لضوابط شرعية واضحة في التعامل مع الأسرى والمدنيين والبيئة والعمران وغنائم الحرب وعقد السلم، ومتى يصبح هذا الجهاد فرض عين على كل مسلم واضح وجلي في الكتاب والسنة، والجهاد الأكبر هو مجاهدة النفس المؤمنة عن الهوى والظلم وغمط الناس حقوقهم،

وقول الرسول الأكرم (ص) شهير في هذا المجال، حيث قال بعد إحدى معاركه مع المشركين:"لقد عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" أو كما روي عنه، والقصد هو جهاد المسلم ضد نفسه الأمارة بالسوء. والمجاهد يختلف عن المحارب بأنه يقاتل في سبيل عقيدته ودفعاً للظلم فقط وينأى بنفسه عن العدوان ويتقيد تماماً بالمواثيق والعهود، ويحافظ طوعاً على علاقته مع خالقه سبحانه وتعالى ويلتزم في الحرب وفي السلم بما تمليه عليه عقيدته من ضوابط إيمانية وخلقية، أما المحارب فقد لايخضع إلى أي شرطٍ من الشروط سوى التي يفرضها عليه قادته من ضوابط عسكرية قتالية ولربما إنسانية، فالدوافع التي تحركه للقتال ليست دوافع دينية، وإنما للدفاع عن قضية يراها عادلة أو عن مجموعة بشرية يراها مظلومة أو بدوافع منفعية وسياسية معينة، وقد يكون المحارب علمانياً أو غير مؤمن بدينٍ ما.

أما "الارهاب" فإنه مصطلح عالمي، لم يتفق عليه حتى الآن بوضوح في القانون الدولي، ولكن تتقارب الأفكار حول وصفه بأنه كل فعل شرير يبث الذعر بين الناس، بهدف تحقيق غايات سياسية أو أهداف عقيدية. وتقابله لفظة "تيرور" اللاتينية التي تعني "الترويع". وفي القرآن الكريم "آية الإرهاب" (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرون من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم – سورة الأنفال 60) مضمونها أن على المسلمين بناء القوة بصنوفها المتعددة بقدر استطاعتهم وذلك ل"ارهاب" أعدائهم من المشركين والمعتدين، ولكنها ليست مبرراً أو دعوةً للقيام بالأعمال الإرهابية التي نسمع عنها ونراها في أفظع الصور والاشكال، حيث يذهب ضحايا الارهاب مدنيون، أطفال ونساء ومسنون، وهذا مرفوض أصلاً في حالتي الحرب والسلم في الاسلام، وكان الخلفاء لدى توجيه قواتهم الماضية إلى الحرب ينصحونهم بأن لايعتدوا على مسالمٍ وغير محارب وأن لايقطعوا شجرةً ولايردموا نبعاً ولايسلبوا الناس أموالهم، إلا ما يسدون به جوعهم.
كان الارهاب يعتبر  في الماضي البعيد، قبل انتشار الأفكار  الليبرالية، حقاً من حقوق الدولة وأداة ضبطٍ من أدواتها الأخرى كالعسكر، بل اعتبر المفكر الأوروبي توماس هوبيس الإرهاب أداةً عقابيةً شرعيةً وضرورية لبقاء الدولة. وتطرق الكاتب الكبير فولتير في عام 1769م إلى موضوع الارهاب فاعتبر مشاهد التعذيب بالعجلات وتمزيق أجساد الأحياء من قبل الحكومة أمام الجماهير لوناً من الترويع الذي يمكن تسميته ب"جهاز الإرهاب" من بين أجهزة الدولة الأخرى. وقام رجال الثورة الفرنسية (1789م) أنفسهم باستخدام "جهاز الارهاب" هذا ضد أعداء الثورة وفيما بين الأجنحة المتنازعة فيها، وبخاصة روبسبيير الذي لم يتوانى عن قطع رقاب رجالات الثورة الشهيرين مثل دانتون وجماعته، والذي كتب في 5 شباط 1794م بأن "الإرهاب رسالة خلقية وعقوبة غايتها تطبيق العدالة بشكل سريع وحاسم وغير قابل للانحناء، وعلى الرغم من أن الارهاب ليس مبدأً من مبادىء الديموقراطية، إلا أنه يتأتى من الأسس التي يجب أن تأخذ بها الألباب حرصاً على سلامة الوطن." ولكن روبسبيير ذاق في العام نفسه من تلك العقوبة التي أقرها ودافع عنها فتدحرج رأسه المقطوع أسفل المقصلة التي اعتبرها أداة ضرورية من أدوات حفظ الدولة.

 يشمل الارهاب الممقوت من قبل المجتمعات الإنسانية "إرهاب الدولة" و"إرهاب الجماعات" وكذلك "إرهاب الأفراد"، فالمثال الأوضح لارهاب الدولة أو النظام السياسي هو ما يمارسه نظام العائلة الأسدية في سوريا من سياسات التقتيل والتدمير والتشريد والتعذيب بحق شعبه، بهدف بث الذعر والخوف بين المدنيين وارغامهم على إخلاء المدن والقرى، وتحويل مواطني بلاده إلى أعباء ثقيلة على دول الجيران والمجتمع الدولي، و"إرهاب الجماعات" مثاله هو ما قامت به المنظمات الشيوعية المتطرفة في العديد من الدول الأوروبية وفي مختلف أنحاء العالم ضد حكومات بلدانها في القرن الماضي، كمنظمات الألوية الحمراء في إيطاليا والجيش الحر الارلندي وحركة المتطرفين الباسكيين ومن قبل ما قام به التروتسكيون في الاتحاد السوفييتي، وهي منظمات مارست التفجيرات والاغتيالات والاختطاف والتهديد، وكل ما يمكن وصفه بأنه عمل يستهدف ترويع المواطنين وترهيب منتسبي القوات المسلحة والمخابرات والأحزاب الحاكمة في بلدانها، لارغامها على حل مشكلةٍ وطنية ما أو لتغيير النظام السياسي، وما ظهر فيما بعد من حركات إسلامية متطرفة كالقاعدة، اتخذت العالم كله مسرحاً لعملياتها الارهابية التي كانت ذروتها في الهجوم على مركز التجارة العالمية في نيويورك في 9/11/2001 وعلى البنتاغون حيث راح ضحيتها آلاف من المدنيين الأمريكان، ولاتزال الولايات المتحدة تعاني من النتائج النفسية السيئة لتلك الحملة الشرسة حتى الآن، وكان رد الفعل الأمريكي إعلان الحرب على أفغانستان وفيما بعد على العراق  أيضاً. أما "إرهاب الأفراد" فإن ما حدث من تفجيرين في مدينة بوسطون الأمريكية قبل أيامٍ لدى مسابقات المارثون الرياضية، من قبل شقيقين من الشيشان (حسب لائحة الاتهام) فهو أقرب مثالٍ على هذا النوع من الارهاب، حيث يرى خبراء التحقيق الفيدرالي الأمريكي بأنه لم تكن لمرتكبي التفجيرين علاقة بتنظيمات أو جماعات إرهابية، أمريكية أو عالمية. وفي التاريخ الإسلامي هناك مثالان كبيران على ارهاب الارهابيين، وهما حركة "الخوارج" ومن بعدها حركة "الحشاشين" التي قادها حسن الصباح من قلعة آلاموت.

الجهاديون السوريون الذين يقاتلون  منذ ثمانية عشر شهراً أو أكثر ضد الطغمة الارهابية الحاكمة في سوريا بمختلف تنظيماتهم وتشكيلاتهم التي تشكلت من خلال الثورة السورية وأسماء ألويتهم وكتائبهم وشعاراتهم ليسوا "إرهابيين"، طالما أنهم لايقومون بترويع المدنيين ولايعتدون إلا على مجرمي النظام الإرهابي وشبيحته وقواته العسكرية التي زرعت الرعب في قلوب السكان وأرغمتهم على الفرار من متحداتهم الاجتماعية خوفاً على أنفسهم وأطفالهم من التقتيل الجماعي والتعذيب الوحشي  والموت تحت أنقاض المباني التي تتعرض لقصف براشقات الصواريخ والبراميل المتفجرة وقذائف الهاون وغاز السارين المحرم دولياً، فقتالهم ضد مثل هذا النظام يختلف تماماً عن الارهاب الذي ذكرنا بعض الأمثلة عنه، وهذه التشكيلات الإسلامية ليست كل الثورة السورية، ,إنما هي جزء من الكل الذي يتسم بوجود جيش سوري حر، إنشق أساساً بضباطه وجنوده من "الجيش العقائدي" للنظام الأسدي – البعثي، والبعث حركة علمانية كانت تقمع المتدينيين، وبخاصة في صفوف الجيش، كما أن الأسد الذي كان قائده الأعلى من أقلية "علوية" لاتعتبر نفسها مسلمة أصلاً.

وبالفعل إنه خطأ كبير وتحريف للحقيقة اعتبار المقاتلين ضد هكذا نظام فاقد لكل القيم الخلقية ومبادىء التعامل العقلاني مع المعارضة وانتهج منذ بداية التظاهرات الشعبية السلمية نهجاً دموياً لا مثيل له ضد شعبه "إرهابيين" لمجرد أنهم "إسلاميون" وذوي لحى كثيفة ويعصبون الجبين بعصابات قماشية كتب عليها أول فرض من فرائض عقيدتهم، أو لأنهم يسعون لتغيير سياسي حسب مبادئهم السياسية والدينية التي يؤمنون بها، فهم لا يمارسون الارهاب بالصورة المعروفة عالمياً وبالمعنى الذي تطرقنا إليه آنفاً، وإنما يتصدون لآلة سلطوية عدوانية قمعية ومدمرة لنظامٍ قتل حتى الآن من الشعب السوري ما يقارب المائة ألف من المدنيين، الذين منهم الأطفال والنساء والشيوخ، والجهاديون الذين قدموا إلى سوريا من البلدان العربية والاسلامية وأوروبا والولايات المتحدة، قد خرجوا من  بلدانهم ومهاجرهم لمساعدة الشعب السوري في محنته الكبرى، وليس لقتال قواتٍ أجنبية غازية أو للقيام بأعمال إرهابية ضد سفارات البلدان الأخرى أو لتفجير مصالح أي دولة من دول العالم، حتى أنهم تفادوا أي هجوم على مقرات وبعثات وشركات إيرانية أو روسية، على الرغم من كل الدعم السياسي والمالي والاستخباراتي والعسكري من قبل هاتين الدولتين لنظام الأسد الارهابي.  وهذا يذكرنا بالجهاديين الأوائل الذين ذهبوا إلى أفغانستان تحت سمع وأبصار الأمريكان وبدعمٍ منهم لمحاربة الغزاة السوفييت وإلى الشيشان لمقاتلة المحتلين الروس وإلى البوسنة والهرسك للوقوف في وجه الإرهاب الصربي الذي فاق حدود التصور الإنساني في وحشيته ونذالته. حتى أن وزيراً فرنسياً قد قال مؤخراً بأن لامشكلة لبلاده مع الشباب الذي يذهب لسوريا لقتال النظام الأسدي هناك، ولكن المشكلة تبدأ بعد عودتهم إلى ديارهم، بمعنى أنه لم يصفهم ب"الارهابيين" في وضعهم الحالي على غرار ما يفعله أتباع النظام السوري وأشياعه، ومنهم بعض الأقلام السورية والكوردية مع الأسف.
كان بالامكان وصف الجهاديين في سوريا بالارهابيين لو أنهم أقدموا على ممارسة الارهاب ضد المدنيين، ولكنهم يواجهون أشرس الحملات العسكرية الأسدية بأسلحة متواضعة منها المصنوع من قبلهم، وحتى الآن لم يقدم النظام السوري دليلاً مقنعاً على أن التفجيرات الكبرى التي حدثت وتحدث في المدن السورية، وبخاصة في العاصمة دمشق، بالتصادف مع مبادرات وتحركات دولية لاحتواء الأزمة السورية، هي من عمل المجموعات الإسلامية المقاتلة ضده، بل على العكس فإن أصابع الاتهام تتوجه إليه على الصعيدين الدولي والاقليمي ومن قبل السوريين أنفسهم، ولهذا النظام ملف بهذا الصدد حيال جرائمه ضد اللبنانيين خلال الأربعين عاماً التي مضت، وكان أهم فقرات ذلك الملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الذي سعى لتقليل السيطرة السورية على بلاده، كما أن الحكومة العراقية للدكتور نوري المالكي قد رفعت شكوى إلى الأمم المتحدة ضد نظام الأسد مفادها أن هذا النظام يدعم التنظيمات الارهابية للقتال في العراق ضد حكومته وضد القوات الأمريكية، ومسرحيات تجنيد إسلاميين متطرفين، لبنانيين وعرب، والتخلص منهم بشكلٍ دموي في سوريا، معروفة سورياً واقليمياً ودولياً. فكيف يكون العاملون على تصفية هذا النظام "ارهابيين"؟
النظام السوري الذي يزعم أنه يحارب "الارهابيين والتكفيريين!" يدعو بنفسه من خلال خدمه، من رجال الدين والاعلام، إلى "الجهاد!" في سبيل  سوريا، التي لايمكن اعتبار نظامها السياسي ديموقراطياً أبداً،او أنه عامل من أجل الحرية، واستنجاده بحزب الله اللبناني والقوات الايرانية المعروفة بدعمها للارهاب، وآخرها في بلغاريا ضد السواح اليهود، ليس إلا لتشويه صورة "الجهاد" أمام أعين المجتمع الدولي والخلط بينه وبين "الارهاب" الذي يمارسه بنفسه ومن خلال أعوانه وعملائه، في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم "حزب اللات"، إضافةً إلى مساعدته لبناء مشروع "الدويلة العلوية" التي ستحاصر لبنان كهلالٍ محيطٍ به في حال فشله في القضاء على ثورة الشعب السوري. ومعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل قد طالبتا المجتمع الدولي باعتبار "حزب اللات" منظمة إرهابية مثل "القاعدة" وسواها.
الاشكالية الوحيدة في سوريا هي اشكالية اعلان "حركة النصرة" على لسان المدعو "الجولاني" بأنها ملتزمة بتنظيم "القاعدة" وهي جزء من حراكها في "بلاد الشام"، إلا أن بعض المطلعين جيداً على شؤون الحركات المتطرفة في المنطقة يشكون في وجود هكذا شخص أصلاً، كما يشكون في التوقيت الزمني الذي تزامن مع الاعلان الأمريكي عن "دعم" المعارضة السورية، ويطرحون أسئلة هامة بصدد هذه الاشكالية:

- طالما حركة النصرة من تنظيم القاعدة المعادي للولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، فكيف أنها لم تقم بأي عمل إرهابي ضدها في سوريا حتى اليوم؟
- كيف تم اللقاء بين الجنرال السوري الأمني محمد منصورة، الذي تئن حكومته من حرب "الارهابيين والتكفيريين!" ومسؤولين في هذه الحركة وحزبٍ من الأحزاب الكوردية في قرية "جه ته لى" على أثر الهجوم المسلح الذي قام به الإسلاميون على مدينة "سه رى كانيى – رأس العين" في شمال البلاد قبل فترة ليست ببعيدة؟
-كيف يتم توزيع العائدات النفطية بين هذه الأطراف الثلاثة في شرقي البلاد؟
وفي النهاية، يمكن القول بأن أي حركة "جهادية" أو غير "جهادية" قد تتحول إلى تنظيم "إرهابي" في حال انتهاجها سياسات الترويع للمدنيين أو محاربة الدول والمصالح الاستراتيجية لها عن طريق الأفعال الارهابية المرفوضة من قبل المجتمع الدولي، كالاغتيالات والتفجيرات واستخدام أسلحة كيميائية أو جرثومية ودفع البسطاء من أتباعها لتفجير أنفسهم في الاسواق ودور العبادة وحتى بين المتفرجين على سباقات رياضية، وهناك حركات ك"حزب اللات" اللبناني ليس إلا منظمة مسلحة وممولة ومدربة بشكل جيد من قبل نظام ملالي إيران الذين لهم ملفات "إرهابية" عديدة، ومن بينها اغتيال رموز المعارضة الديموقراطية الايرانية عموماً وقادة الحزب الديموقراطي الكوردستاني – ايران خاصة في عمليتين شهيرتين على الصعيد الأوروبي، ويملك حزب اللات هذا كل أنواع الأسلحة الفتاكة، وآخرها الطائرات من دون طيار، ويقوم بالتجسس على الجيران ودعم النظم الارهابية ويقضي على معارضيه ويعرقل مسيرة الديموقراطية في بلاده، إلا أن هذه الحركة الخطيرة لم تصنف حتى الآن ك"تنظيم إرهابي" على الصعيد الدولي لأسباب تتعلق بالمصالح البترولية مع حاضنتها ايران، بل لايجد نظام الأسد غضاضةً في الاستنجاد بها لمحاربة المعارضة في سوريا، من خلال دعوته الصريحة إلى "الجهاد!" في سبيل انقاذ نفسه.

الانتقال من حالة جهادية إلى حالة إرهابية سهل جداً، ولكن التراجع عن الارهاب إلى حالة جهادية يكلف الحركات والأفراد ثمناً باهظاً بالتأكيد. وهذا ما يجب أن تأخذه أحزابنا الكوردية بعين الاعتبار.
    

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.