آلان محمد بيري : أقدم شعراء الملحمة الكوردية "الملا أحمد الباتي" (1417_ 1491)

 نعم إنه الشيخ والملا  و الشاعر "أحمد الباتي " اول من كتب و ابتكر فن الأسطورة و الملاحم في الأدب الكوردي القديم و مزج في الشعر (شعره) القصيدة الأم مع كلام العامة (zargotin) ليخرج بأجمل و أرقى أشكال الشعر

 
 "الملا أحمد الباتي " المولود في قرية "باتي" التابعة لقضاء "هكاري" و الواقعة حالياً في تركيا و ذلك سنة 1417 للميلاد  و كما يذكر المستشرق الروسي و المُختص بالتاريخ الأدبي و التراث الثقافي للكورد "ألكسندر جابا" بأن الباتي قد مات أيضاً هناك و ذلك سنة 1491 للميلاد , مما يعني أن الشاعر لم يكن محارباً في الجيش و لا من دعاة الدين كما كانت عادة الشعراء من قبل آنذاك و إنما اكتفى حينما كتب الشعر بذلك الكلام الجميل و الغزل القديم المتداول على ألسنة العامة من الناس أي(xweşxewan) كما تسمى باللغة الكوردية الأم و اهتمامه بجمع القصص الغريبة و الأساطير و الملاحم المثيرة للخيال و العاطفة و هذا ما جعله يكون أول من كتب ملحمة في تاريخ الأدب و الشعر الكورديين .
 
و كما نعرف ..ففي ما بعد قد ظهرت ملاحم و أساطير شعرية آخرى كثيرة كالتي كتبها "فقي طيران" (1590_ 1660) ملحمته "الشيخ الصنعاني" و شاعر القومية الكوردية له ملحمته الشعرية المشهورة و التي ما تزال تذكر على الألسنِ حتى الآن "مم و زين" فهي تعد من أجمل قصص الحب العذري و أنبلها على وجه الأطلاق .
 
ويذكر لنا الكاتب و الباحث الروسي M.B rûdenko  م.ب_ رودنكو بأن "الملا أحمد الباتي" قد كتب ملحمتين شعريتين و هما : 1) zembîlfiroş  "بائع السلال"
 
                           2) mewlûd   "المولود مولد النبوي الشريف "
 
و الملحمة الأخيرة هذه "مولود" و التي كتبها يصف و يمدح الرسول مُخلداً مولده الشريف ,ماتزال محفوظةٌ بنسختها الأصلية في مكتبة (سالتيكوف _شيدرين) في مدينة لينينغراد الروسية و هي تتألف من 576 بيتٍ من الشعر ومن سبعة عشر باباً , هذا و إن الكاتبة و الباحثة في التراث الشرقي الروسية " جاكلين شورينوفنا موساألياني" قد ذكرت في كتابها الذي حمل عنوان (kurdskaya poêma yê foliklorniyê vêrî " zembîlfiroşî)  أن هنالك شاعرٌ آخر يعود إلى نفس الحقبة التي عاش فيها شاعرنا "ملا الباتي" و هو "مراد خان بايزيدي" و مراد خان هذا قد كتب الشعر و ملاحمه في قصصٍ اجتماعية عديدة إلا إن الملفت في الأمر أنها وجدت تشابهاً كبيراً إلى حدٍ ما بين تلك الأبيات الشعرية المنسوبة "للملا الباتي" و بين تلك المنسوبة إلى المدعو "مراد خان بايزيدي" و تأكيداً على ما جاءت على ذكره فقد أجرت العديد من المقارنات و التفسيرات و أسهبت في الشرح لتصل هي بنا إلى أنه ربما يكون "مراد خان بايزيدي" قد قام بنقل بعضاً من أشعار "الباتي" و نسبها إلى نفسه نظراً إلى أن أشعار الباتي كانت متداولة لدى العامة ويتناقلها الرواة و الناس و أفضت مقارنتها هذي إلى حدٍ كان التطابق واحد و كأنه منسوخٌ دون أدنى تغير وذلك من حيث الكلمات و القافية و الوزن و حتى المعنى .
 
وبالرغم من قلة المعلومات التي نملكها عن هذين الشاعرين لا يتسنى لنا القول إلا أن نؤكد حقيقة نسبة ملحمة "zembîlfiroş" بائع السلال للملا الباتي و علينا هنا أن نذكر أبياتاً منها و نعمل على تقيم جودة الشعر عند "الباتي"
 
و قبل أن نشرع في سردها ,جديرٌ بالذكر أن البرفيسور الكوردي "قناتي كوردو" (1909_1985) قد كتب هذه الملحمة مختصراً أياها في قصيدةٍ لا ترتقي إلى أن تشكل باباً من أبواب ملحمة "الباتي" تلك ,هذا و قد ضَمَّنها في كتابه "تاريخ الأدب الكوردي" مضيفاً بأنه قد سمع القصة "قصة ذاك الشاب بائع السلال " من بعض الشيوخ و العجائز ...اللذين دائماً ما يمثلون ديوان الأدب الكوردي الشفاهي , و بحسب القصة نظم قصيدته تلك , إلا إنني هنا سوف أذكر أبياتاً من ملحمة "الباتي" الأصل و قبل ذكر أبياتٍ منها ..إليكم القصة بإيجاز و التي بُنيت من نسيج أحداثها تلك الملحمة .
 
 
 
"يُحكى أن شاباً جميلاً .....حلو المظهر, رديء الهندام ....أنيق الجمال ...فقير المال و الحال كان يصنع و يبيع الأطباق و السلال , و في عنقه مسؤوليةٌ تركها له والده بعدما أن فارق الحياة ..و هي عيلة أمه و أَخَواته الصغار .
 
هذا و في يومٍ من الأيام وبينما ذاك الشاب الجميل يتجول في الازقة والشوارع و الأسواق ابتغاء رزقه و جني المال من بيع أطباقه تلك و السلال ..ليعود بنتاجه اليومي بيته و يشتري بماله ذاك ...الخبز و دواء الجوع للصغار .
 
وحدثَ أن يوماً و هو ينادي ..."من يشتري السلال ,لديا سلالٌ مصنوعةُ من خشبٍ أصيلٍ و بإتقان " أن لمحته زوجة الأمير فذابت هي في حبه ...كما ذوبان الثلوج في مياه الأنهار .و هكذا بدئت تفكر به و تشتهي جماله اليوسفي ليلاً نهار وحينها جاءت ساعة الشيطان
 
لا الأمير في بيته و الجواري في خدمة الأميرة يطلبون الرضا ..بالدعاء و الرجاء ...
 
مرَّ الشابُ الجميلُ ثانيةً بالقرب من دارهم , ذاك الشابُ بائعُ السلال ..نادت الأميرةُ وصيفاتها ..تعالنَّ و اذهبنَّ إلى ذاك الشاب و قلنَّ له أن الأميرة تريد منك الشراء... نزلنَّ وصيفاتها و نفذنَّ الأمر دون جدالٍ أو حتى نقاش , و ادخلوا الشاب الجميل مخدع الأميرة ذات العيون الزرقاء ...وانصرفنَّ كما هي أوامر أميرتهم فلا العصيانُ مقبولٌ ...لا ولا السجالْ.
 
فطلبت الأميرة إليه بأن يُريها تلك السلال , وحينما فعل ..اقتربت منه الأميرة أكثر و كشفت له عن جمالها و الشاب المسكين أمامها ليس يدري شيئاً واقفاً كشبح خيال .
 
غازلته الأميرة و داعبت صدره وقالت : ما رأيك يا شاب ...؟؟ أجاب الشاب قائلاً: (وهو لا يدري ما في الأمر من مراد) بماذا يا سيدتي ..بشراء بضاعتي هذي أم لا ...؟؟
 
-        قالت : لا.....لا يا جميلي دعك منها الآن و قل لي ألا تريدني امرأة لا سيدةً تشارككَ الفراش
 
_ قال: لا يا سيدتي ..ما هذا الكلام ..أنا شابٌ فقير أبحث عن رزقي ولقمة عيشي و أجني من عرق جبيني خبز أمي و إخوتي الصغار .
 
_ فقالت :و ما رأيك بأن أُخلصك من هذا العبء الثقيل و من تجارتك الوضيعة هذي ..وهكذا ترتاح شريطة أن تفعل ما طلبته إليك الآن .....
 
_ قال: أعوذ بالله ....أن أتي الحرام ..وأن أفعل ما لا يٌرضي آخرتي و رب الناس
 
فردت عليه الأميرة وهي تفكك أزرار قميصها بارتخاء على رسلك يا ولد ..كدتُ أظنك من الدعاة لا بائع سلالٍ و أطباق .
 
 تعال و انعم ببياض هذا الصدر واستمتع بمداعبة نهديا فهما لك الآن ميدان...وانهل من شفتيا ماء الحياة
 
ولتكن جنتك تلك التي أنت في انتظارها دافعاً ثمنها شهر صيامٍ من كل سنة و خمسِ فرائض صلاة ..
 
جسدي هذا ..خذه فهو لك ..مع كل ما محتواهُ رقيٌ ورقةٌ و جمال ..لذةٌ وبياضٌ و حنان .
 
تعال وشاركني الوسائد هذي و النوم في الفراش
 
فرد عليها الشابُ مذعوراً :لا...لا يا سيدتي ..عليَّ الرحيلُ الآن ...ما كنتُ لأتي الحرام يوماً وأنا اليوسفيُّ بجمالي و العفيفُ الرفيعُ الأخلاق "
 
وقد كانت هذي قصة الملحمة "ملحمة الباتي" و التي كتبتها شعراً لما لها من محتواً فائضٍ من العاطفة و الخيال ...وقد كتبتها بإيجازٍ دون إسهاب .
 
والآن هذي أبياتٌ من الملحمة كما جاءت في المخطوطات القديمة و النصوص الأصلية المنقولة بأمان ...المنسوبة "للملا الباتي"
 
 
 
Ey dil werin dîsan bi coş
 
carek ji caran mey binoş
 
bikin qîseta zembîlfiroş
 
     da seh bikin hîkayetê
 
 
 
zembîlfiroş lawikî rewal bû
 
bi kilfet û ehl û iyal bû
 
husnekî yûsiv li bal bû
 
      heq rezzaqê qismetê
 
إذ يقول :
 
               " أيها القلب تعال و هي
 
                             وكونا لنهر الحبّ هذا فيضان
 
        واشربا معاً لمرةٍ كأس راح
 
       ولتكن هذي قصةُ بائع السلال
 
                      وإليكم الحكايةُ......كان يا مكان "
 
"شابٌ في ربيع العمر كان هذا بائع السلال
 
    يترتب عليه الكثير
 
                   فهو ذو كلفةٍ وأهلٍ و عيال
 
   كانَ ذا جمالٍ يوسفيٍ....جمال
 
                يبتغي رزقهُ......و الحق يُقال "
 
 
 
her dema ko selikan tîne
 
xatûnek jor da......dibîne
 
bi dil û can.......dihebîne
 
       dil kete pêla mehebetê
 
 
 
xatûn dibê....ev xeber tu nîne
 
şerm meke.....were nav nivîne
 
min bi te day evîne
 
       da em bibînin hişmetê
 
 
 
يقول :
 
         " وكلما تجول يبيع السلال
 
                  تراه امرأةٌ هي أميرةُ البلاد
 
              تقع في غرامه بالروح و الفؤاد
 
وقد غرق فؤادها حُباً في العُباب "
 
 
 
"ترفِضُ الأميرةُ ......رفضهُ للنزال
 
                 نزال الحب......في الفراش
 
تدعوه ....لا تخجل يا جميلي....وتعالْ
 
          فأنا الأميرةُ تُحٍبُك
 
                     فهل يُرفضُ لي طلبٌ بالرفضِ أو الجدال
 
تعالْ.....واستمتع على جسدي بمناظِرِ الجمال "
 
 
 
were nav reyhan û sêvan
 
tu şekir bimêj bi herdû sêvan
 
     şubhê cama şerbetê
 
law tu bidê qenca temamî
 
 
 
her wekû şekir di camê
 
bi ser û piyan tu li min heramî
 
      tirsim ji roja axrertê
 
وفي الأبيات الأخيرةِ من ملحمته تلك يقول :
 
            "تعالَ.....يا حبيبي
 
                              إلى هذي الورودِ و الرياحين
 
         وامتص اللذة من النهدين
 
                     وشفتاي ......شفاتا الغزال
 
           كما احتساءُ الخمرةٍ في كاسْ
 
     وكذا ....تفعلُ الخيرَ لِنَفْسِكْ
 
                         ولي يكونُ هذا الصواب "
 
             " كما اللذةُ في الكاس
 
                           فأنتِ من رأسكِ إلى الأناملْ
 
                         عليَّ و على شهوتي لحرام
 
             فخوفي من الآخرةِ
 
                    وهو خوفي من الله "
 
 
 
وللأمانة العلمية فقد كانت هذي أبياتٌ مُختارة من ملحمته تلك المطولة ...انتخبتها لأسرد برفقة محتواها من المعاني القصة ومقصد ومنال الملحمة بإيجاز .
 
كتبها "الملا أحمد الباتي" على وزنٍ واحد وهو "الأساس (الميزان) الثُماني" وذلك باللهجةِ الكورمانجية , مازجاً بين العربية و الكوردية والفارسية وشيئاً مُختار من اللغةِ التركية , ليخرج برائعةٍ كان لها الشأنُ في إغناء الشعر الكوردي .
 
                        
 
                             آلان محمد بيري
 
                                كوردستان – هولير      
 
                                       1/5/2013
 
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.