الكاتب حسين جلبي في حوار خاص مع موقع كوليلك

2013-03-25

( سيكون ظُلما كبيراً للحدث ـ الثورة -  إذا ما قلنا أن الأحزاب الكُردية قد لامست مستوياته الدنيا )
( يبرز دور المثقف في تسمية الأشياء بأسمائها و تعرية الأخطاء و العيوب و الجرائم و هو ما يجبن السياسي عنهُ ، هذا إن لم يكن يجمِّل كل تلك النقائص .. )
 ( بعد خمسة عشرعام من الغُربة ستكون العودة إلى الوطن هي أول ما أُفكر فيه ، لو كانت منطقتنا مُحررة لذهبت اليوم لزيارة والديَّ )

حاوره : عماد يوسف

- يقول حسين جلبي في احدى منشوراته : أنا لوحةٌ مرسومةٌ بكلِ ألوان المشاعر، أترك للمشاهد حُرية تفسيرها...
       كيف تعرف شخصك لقرائك من خلال تلك اللوحة ؟

ـ عندما أتناول أي شئ بالكتابة فإنني لا أستطيع التجرد من مشاعري الشخصية رغم أنني أُحاول إخفائها ليكون التعبير موضوعياً، و الحقيقة هي أن كل شرح للتعريف الذي ذكرته أعلاه يُعتبر إفتئاتاً على حق الآخرين في رؤية الزوايا التي قد لا أرها أنا نفسي في اللوحة

و كذلك حقهم في تذوقها و حتى عدم تقبلها و تفسيرها كما يشاؤون حسب الموقف الذي يجدون أنفسهم فيه، لا أريد أن أقمع حرية الآخرين من خلال لفت إنتباهم إلى ما أُحبهُ في لوحتي، أي خداعهم و إخفاء جوانبها السلبية، أنا أترك للجميع حرية رؤية اللوحة من الزاوية التي تهمهم و تفسيرها بما يتناسب رؤيتهم.

- للنقد حصة كبيرة من قلمك ولكن بالمقابل هناك الكثيرين ممن ينتقدونك , هل اصبح النقد يتداول بالتبادل ؟
و هل تقبلون النقد كيفما كان شكله ؟

المسألة من جهتي على الأقل ليست بهذا الشكل، لا أريد أن أصبح شخصياً موضوعاً ينشغل به الناس دون جدوى بمناسبة تناولي لموضوعٍ معين بالنقد، فعندما أقوم بنقد شخصية عامة أو حادثاً معيناً فإنني سأكون سعيداً عندما يتناوله غيري أيضاً حتى لو كان ذلك من وجهة نظر أُخرى كالدفاع عنه، و إبراز الأمور الإيجابية ـ إن وجدت ـ التي لم أستطع رؤيتها أو حتى تجميل الأمر على غير حقيقته، و من ثم ترك الخيار للناس ليقولوا كلمتهم.
أنا أُرحب بالنقد عندما يسلط الضوء على العيوب و يقوم بتكبيرها، أُمارس النقد الصادم الذي يشبه الصدمات الكهربائية التي يتم توجيهها إلى جسدٍ يلفظ أنفاسه الأخيرة لمساعدته على العودة إلى الحياة، معظم ما ينشر أو حتى يرد في رسائل خاصة يتراوح بين الشتم أو الضحك على الذقون.   
 
- الادب والثقافة الكوردية تفتقر الى التواصل فيما بينها ضمن الاجزاء الكوردية المختلفة , هل يعود ذلك الى فقر الوسائل الاعلامية و الالكترونية الكوردية ام انك ترى لهذا التقصير مسؤولية اخرى؟

المجتمعات الكٌردية في الأجزاء الكُردية التي ذكرتها منغلقة على نفسها في الغالب، و الواقع هو أن المجتمع الوحيد المنفتح على الآخرين هو المجتمع الكُردية السوري، و لذلك تجد لهُ وجوداً ما بهذا الشكل أو ذاك في المجتمعات الأخرى بغض النظر عن الأسباب، لكي نكون واقعيين علينا أن نسعى أولاً لرفع الحواجز الموجودة بين أفراد المجتمع الواحد قبل أن ننطلق إلى آفاق أرحب، أما الوسائل الإعلامية الموجودة فهي مُغرقة في المحلية، ما يهمني هنا هي تلك الموجهة للكُرد السوريين، ذلك أن ما تبثه يشبه يشبه في معظمه الساعة الإخبارية التي كان قد خصصها إعلام عبدالناصر للكُرد، هناك تجربة لافتة يخوضها تلفزيون زاغروس عبر برنامج (آرك) أتمنى لها الدوام.   

– يقال : أخطاء المثقف تعتبر جريمة بينما أخطاء سياسي كردي من أنصار حزب ذو قوة عسكرية لا احد ينكر عليه ذلك ....
ما هو دور المثقف بشكل عام والمثقف الكوردي بشكل خاص.. وخاصة في ظل الثورة الحالية.. ؟

المشكلة الكُبرى أن لا أحد يدون أخطاء السياسي و كلامه في الغالب حمْال أوجه، و بسبب إفتقاده للشجاعة، فإنه نادراً ما يتحمل مسؤولية كلامه، في حين أن خطأ المثقف يأتي ضمن إقرار صريح مُدون من خلال مقالٍ أو غيره من الإنتاج، كما أن الناس يفترضون في المُثقف الحكمة و التأني قبل إطلاق الأحكام، و إن الموقف الصحيح للمُثقف هو القاعدة و هو من طبيعة الأشياء.
ما تتحدث عنه من أخطاء جهة مسلحة هي جرائم موصوفة تحتاج إلى تقديم مرتكبيها إلى العدالة بالإشتراك مع المحرضين عليها و المتسترين عليهم، و هم في هذه الحالة الجهة السياسية التي تتبعها تلك القوة العسكرية.
و هنا يبرز دور المثقف في تسمية الأشياء بأسمائها و تعرية الأخطاء و العيوب و الجرائم و هو ما يجبن السياسي عنهُ، هذا إن لم يكن يجمِّل كل تلك النقائص.

- المرأة الكوردية السورية اليوم ظهرت في الشارع الثقافي والاجتماعي والسياسي باسم الحرية , ما رأيك بهذه الخطوة السريعة والطويلة تحت ظل الحماية الجديدة للمناطق الكوردية ؟

ـ الحماية التي ذكرتها هي في الحقيقة قيد إضافي على المرأة الكُردية لأنها وضعتها ضمن قوالب مُهيأة مُسبقاً و عفى عليها الزمن و تُشكل قيداً على حريتها في التفكير و في الإختيار، المرأة الكُردية بمعدنها الأصيل ظهرت في المجالات التي ذكرتها و بقوة و لكن خارج نطاق الحماية، في الحقيقة تفاجأت بالمرأة الكُردية الزاهية الألوان خلال الثورة بعد أن إعتدنا على نمط صارم وظيفته هي نقل الرسائل، تشارك المرأة في الثورة السورية منذُ أيامها الأولى و هي بكامل كُرديتها و قد دفعت الثمن باهظاً قتلاً أو مُحاولة قتل و إعتقالاً و خطفاً، و لا ننسى أن المرأة تدفع ضريبة الثورة بشكلٍ مُضاعف.   

- خلال اشهر قليلة تم الاعلان عن تحرير عدة مناطق كوردية سورية وفرض حصص دراسية كوردية في المدارس وتشكيل لجان ومراكز امنية من قبل ب ي د , كيف تنظر الى هذه الأحداث ؟

ـ تم الإعلان عن التحرير و لكن أصحاب الإعلان أنفسهم ما لبثوا أن تراجعوا عن إعلانهم بصورة أو بأُخرى، و رغم ذلك إستفادوا من إعلانهم في الإطباق على صدور الناس و إحكام قبضاتهم على مفاصل حياتهم. للأسف الشديد كان إدخال اللغُة الكُردية إلى المدارس فوضوياً أدى إلى التضحية باللغة و التعليم كله في النهاية، فالتسول على باب النظام بشخص مُحافظ الحسكة لإدخال اللغة الكُردية في مناهج التعليم لا يُعادله في السوء سوى محاولة إرغام المدارس على ذلك، إن عقود طويلة من محاربة اللغة لم تنجح في القضاء عليها و كان الأجدر عدم حرمان الطلاب من المدارس و التسبب في إغلاقها خاصةً في ظل إفتتاح معاهد تعليم اللغة الكُردية و الإقبال على دورات التعليم الخاصة التي كان يمكن أن تقوم بمحو الأمية حتى تتغير الأمور بسقوط النظام.

- ما هي رؤيتك لحال الأحزاب الكوردية.. هل هي على مستوى الحدث..
وما مدى مشاركتها الفعلية بالثورة..؟

ـ سيكون ظُلما كبيراً للحدث ـ الثورة إذا ما قلنا أن الأحزاب الكُردية قد لامست مستوياته الدنيا، إن هذه الأحزاب تعيش منذُ بدأ الثورة السورية في صراعٍ مع نفسها لإيجاد موطئ قدم لها على خريطة الحدث و لكن دون جدوى، ذلك أنها تحاول النزول على الثورة من الأعلى بالمظلات و ليس بالبناء على الأرض، هناك فوائد شخصية جناها البعض و فوائد إعلامية و سياحية و لكن كل ذلك ستذروها رياح الثورة عندما تنتصر.

- لماذا نحن مبدعين في صناعة الأعداء ..
بمعنى.. لماذا لا نستفيد من الظروف كما استفاد غيرنا.. ونقيم علاقات مع الأطراف ذات القوة والتأثير ..( تركيا كمثال ) أسوة بعلاقاتها مع كردستان العراق ؟

ـ سؤال صعب فعلاً و له جوانب كثيرة يجب وضعها جميعاً على الطاولة للبحث فيها بعمق، قد تكون أحد الأسباب هي طبيعة الشخصية الكُردية السورية المبدأية أو الحادة و التي يراها البعض لذلك ساذجة لأنها تنجر إلى مواقع يمكنها أن تدخل في محاكمات عقلية قبل الإنجرار إليها. قد يكون السبب في عدم إقامة علاقات مع تركيا مثلاً هو الخوف من جهة تحتكر مصير الناس و تُصادر قرارهم و ترفع سيوف التخوين على رقاب الجميع في الوقت الذي لديها هي نفسها الإستعداد للتحالف مع (أزدهاك) من أجل مصالحها، لكن من الأسباب المهمة الأُخرى هي قلة الثقة بالنفس و عدم إمتلاك القوة الكافية.

- ما رأيك بالفيدرالية.. وهل يمكن تطبيقها للكرد في سوريا بحكم الطبيعة الجغرافية والسكانية ؟

ـ يُمكن تطبيق أي مشروع في المنطقة الكُردية بشرط أن يتفق عليه الكُرد و يُجمعوا عليه و يلتفوا حوله و قبل كل شئ يفهموه و يعرفوا إلى أين سيوصلهم، بعد ذلك ينبغي التوجه إلى الشركاء في المنطقة للتوافق معهم حوله، و المرحلة الأخيرة هي مخاطبة الشركاء في الوطن للتفاهم حول التفاصيل، لا ينبغي أن تكون الفدرالية أو غيرها من الحلول المطروحة للقضية الكُردية في سوريا قالباً جامداً يتوجب أخذه كما هو، إذ يُمكن تعديلها بالإضافة عليها أو طرح ما ليس متناسباً مع ظروف المنطقة أو حتى دمج أكثر من مشروع للحل تتناسب مع مثل هذه الحالات، لكن العبرة هي في توافق الكُرد أولاً حول الحل كما ذكرت.  

- الائتلاف السوري بقيادة معاذ الخطيب استطاع ان يوجه ابصار الكثيرين الى ما سيحققونه للشعب السوري, ما وجهة نظرك حول الائتلاف و عمله ؟

ـ المُشكلة ليست في الإئتلاف و رئيسه أو أي جسم مُعارض آخر و وعودهم المعسولة، المُشكلة هي في إرادة المُجتمع التي ستترجم مشاريع المُعارضة إلى حقائق على الأرض، مُعظم المعارضين و دون شك يرغبون في تقديم شئ ما لسوريا و لكن الدول الفاعلة هي من يمكنها أن تحقق أحلام هؤلاء، عمل الإئتلاف أو غيرهُ محدود التأثير بسبب قلة الدعم الذي يتلقاه و ليس بسبب آلية إنشاؤه فقط، هناك أخطاء فردية و لكن يمكن تجاوزها عندما يتم فتح أبواب الدعم أمام الإئتلاف.
   
- كيف تنظر الى مصير سوريا بعد الثورة وهل سيكون التغيير عنوان انتصاره ؟

ـ التغيير قادم لا محالة بسقوط الأسد، من المتوقع أن تكون هناك مرحلة عدم إستقرار عنيفة نظراً لطول المُدة التي بقي فيها آل الأسد في السلطة و كذلك كمية العنف التي تفوق التصور التي يستعملونها ضد الناس، لكن يبقى الأمل أن تكون تلك المُدة قصيرة ليعود الناس إلى مُداواة جروحهم و بناء بلدهم، ستحدث تغييرات و إنقلابات جوهرية في المنطقة الكُردية أيضاً و ستظهر قوى جديدة على حساب القوى الموجودة الكلاسيكية منها و كذلك تلك التي تستعمل العُنف، و لكن كل ذلك يحتاج إلى وقت.   

- هل ستعود إلى الوطن إذا سقط النظام... ؟

ـ بالتأكيد و بعد خمسة عشرة عام من الغُربة ستكون العودة إلى الوطن هي أول ما أُفكر فيه ، لو كانت منطقتنا مُحررة لذهبت اليوم لزيارة والديَّ خاصة أنهما كبرا في العمر، لقد إشتقت إلى كل شئ هناك و خاصةً قامشلو الحبيبة بعد أن أصبحَ سماؤها مُضاءً بالشهداء، أُريد أن أتنفس هواءها و أتمشى في شوارعها مثل الأيام الخوالي و ألتقي كل الناس و أشبع من رؤيتهم و أزور أصدقائي جميعاً، فعندي هناك أصدقاء رائعون ،هذا عدا عن أولائك الذين جمعتنا الثورة و لهم معزة خاصة في قلبي، كُنت قد حددت لنفسي هدفاً في السابق زيارة قبور الراحلين و كانوا يُعدون على أصابع اليد الواحدة، أتصور أنني سأخصص وقتاً طويلاً الآن لزيارة قبور الشهداء.

في النهاية أشكركم على هذه الأسئلة الجميلة و الهامة مع أُمنياتي لكم بمزيدٍ من النجاح.  

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.