حسين جلبي : المثقف الكُردي بين ناري الصمت و الهروب من الوطن

2013-03-24

تشهد الحُريات، شأنها شأن باقي مجالات الحياة، تراجعاً خطيراً في المنطقة الكُردية السورية بصورة أسوأ من مرحلة ما قبل بدء الثورة السورية، و تشهدُ إنحداراً لا يتناسب مع وجود ثورة في سوريا، فرغم وجود بعض المظاهر كإفتتاح المراكز الثقافية و المقرات الحزبية لكنها لم تؤثر في المجتمع الكُردي في عمق و لم تحل مشكلاته المُزمنة،

ذلك أنها لا تشكل العامل الأساسي في صُنع أساسٍ متين لحياةٍ أفضل و أو لإنعاش آمال الناس في ذلك.
لقد ترك النظام السوري هامشاً في المنطقة الكُردية ليس للناس ليمارسوا فيه حقوقهم، بل لسُلطة أُخرى أنشأها و ألحقها به، فسلمها ذلك الهامش لتقوم بدورها بالإهتمام بالتفاصيل، التي لم يعد في مقدوره، و لم يعد له الوقت الكافي للوقوف عليها، و هكذا و بعد أن كان قمع الحُريات من قبل النظام ينحصر في الإعتقال و تقديم المُعتقل إلى محاكمات صورية، أصبح التعبير عن الرأي في ظل سلطة الظل هذه قد يُكلف المرء قتلاً أو إختطافاً أو تضييقاً في لُقمة العيش و تشويهاً للسُمعة، لدرجة أصبح معها إنتقاد النظام و حتى الخروج في مظاهرات ضده أقل تكلفةً من إنتقاد السُلطة التي تتبعهُ.
ضمن هذه الأجواء غير الصحية أصيبت المنطقة الكُردية بنزيفٍ بشري، و وجد المثقفون أنفسهم مُجبرون إما على الصمت تجاه ما يجري أو مجاراة السُلطتين القائمتين أو على الفرار من المنطقة.
هروب المُثقف من سُلطة حزب العُمال الكُردستاني و بتسمياته المُختلفة ليست حلاً، ذلك أن الإنسان يأخذ مخاوفهُ معهُ، كما أن الحال في خارج البلاد، في أية منطقة يتواجد فيها الكُرد، ليس بأفضل مما هو عليه في الداخل إلا بصورة نسبية، كما أن أذرعة ذلك الحزب تتواجد في كل مكان، و سبق لكاتب هذه السطور و غيره أن تلقوا تهديداتٍ في وضح النهار، كما أن أسلوب الإبتزاز المعنوي عن طريق التهديدات و الشتائم المُرسلة عبر البريد مُتاحة في كل مكان، إضافةً إلى أن مصير الإنسان في النهاية هو العودة إلى وطنه، لذلك يبقى الخائفُ خائفاً من تداعيات النقد في حالة العودة، و هنا أتذكر أن كاتباً صديقاً قد تعرض للتهديد العلني من قبل أحد (الكُتاب) الأشاوس، عندما هدده قائلاً أنهُ في حالة عودته فسيجعله (الجماعة ينسون أُمهُ التي أرضعتهُ و سيجعلونه يمشي بصورة مقلوبة)، فإذا كان هذا هو مستوى (مثقفي) الجهة التي تستفرد اليوم بالتحكم بالمنطقة و مصير الكُرد فلك أن تتصور مستوى من هو دون ذلك.
في الحقيقة يُقلقني جداً الوضع في المنطقة الكُردية و الذي أقف عليه خلال التواصل مع الناس بوسائل مختلفة و منها رسائل كثيرة يُحزنني ما فيها من مستوى الضغط الواقع على أصحابها، إلا أنني لا أجد هروب المُثقف من المنطقة حلاً لمُشكلة حرية التعبير، بطبيعة الحال يُصبح الأمر مفهوماً إذا كان الأمر يتعلق بمخاطر جدية على الحياة، و على من يرى أن التواجد خارج البلاد هو الحل أن يراقب فقط مستوى الكتابة في خارج سوريا، إذ سيجد حتماً أنها لا تختلف كثيراً عن مستواها في الداخل من ناحية الإمتناع عن نقد المُمارسات التي تتم في المنطقة الكُردية رغم سيل المعلومات التي تصل و التي تبين أن الصورة ليست وردية مُطلقاً.
إذاً، مُعالجة الجرح تكون في عين المكان، قد لا يكون بمقدور المثقف في الوقت الحالي سوى القيام بالإسعافات الأولية، لا بأس في ذلك، المهم الآن أن لا يتحول إلى جُزءٍ من الجُرح، فعندها ستصبح المُعالجة أمراً مُستحيلاً، ذلك أن المُثقف هو روح الأُمة، و من المستحيل إعادة الروح إلى جسدٍ ميت، إذا غادرها.



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.