جمعية الاقتصاديين الكرد - سوريا : دور المياه في الحياة الاقتصادية الكُردية بسوريا

  كُرد زانا

 
           باحث من كُردستان سوريا
عضو جمعية الاقتصاديين الكرد- سوريا
 
إنَّ تشكل المجتمعات، أو الحضارات, أو الدول، وتطورها كانت من خلال
استمداد قوتها من العناصر الأساسية للطبيعة، ولطالما كانت المياه في
مقدمة تلك العناصر.
إذ تعتبر المياه عاملاً رئيسياً لإقامة الإنسان
واستقراره، وهي تحتل دوراً أساسياً في تخطيط مختلف مشاريع التنمية، إذ
يمكن اعتبارها إحدى مرتكزات عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أنَّ كُردستان سوريا هي من أهم المناطق التي تعتمد في اقتصادها الذي يوصف
بأنَّه زراعي على المياه، بالتالي فأنَّه لا بد من دراسة هذا الموضوع
الجدير بالاهتمام من قبل مختلف شرائح المجتمع، وبخاصة أنَّ ارضي كُردستان
سوريا تعتبر من أخصب الأراضي الزراعية.
- الأمن المائي بكُردستان سوريا:
يقصد بالأمن المائي معرفة الثروة المائية من حيث مخزونها، وتنوع مصادرها،
وطرائق استثمارها، وكيفية تحسين نوعيتها، وضمان توافرها بالقدر الذي يلبي
حاجة الاستهلاك البشري، والزراعي، والصناعي، والتوازن البيئي. وغالباً ما
ينطلق الأمن المائي من مبادئ أساسية من أهمها:
1- أنَّ الموارد المائية المتاحة لمكان ما، أو لمنطقة ما، هي ملك لأجيال
الحاضر والمستقبل، وتنميتها لتوفير احتياجات مواطنيها كحق أساسي, كما
أنَّ حمايتها كماً ونوعاً واجب على الجميع.
2- أنَّ حماية الموارد المائية العذبة المتجددة تتطلب تحسين سبل إدارتها
وترشيد استخداماتها، كما أنَّ الحفاظ على الحقوق المائية في الأنهار
المشتركة يتطلب بذل جهود منسقة.
3- أنَّ مخزون الطبقات المائية الجوفية غير المتجددة يعتبر احتياطياً استراتيجياً.
4- أنَّ تخصيص موارد المياه لا يقتصر على قطاع الشرب والصحة والقطاعات
الإنتاجية, وإنما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار موضوع حماية البيئة.
وبذلك تتمثل المنطلقات الرئيسية لهذا الأمن في كُردستان سوريا بما يلي:
1- أنَّ الموارد المائية المتاحة في كُردستان سوريا هي ملك لمواطنيها،
ويحق لهم الاستفادة القصوى منها.
2- أنَّ مسؤولية حماية الموارد المائية في كُردستان سوريا تقع على عاتق
جميع المواطنين القاطنين فيها.
3- الموارد المائية المتاحة في كُردستان سوريا هي أولى مقومات خطط
التنمية الاقتصادية في المنطقة، كون أنَّ اقتصاد تلك المناطق اقتصاد
زراعي يعتمد على مختلف موارد المياه، وبالتالي من هنا تظهر أهمية المياه
كإحدى أهم شروط الأمن الغذائي في كُردستان سوريا.
- الموارد المائية المتاحة في كُردستان سوريا:
غالباً ما يتم تقسيم الموارد المائية إلى موارد مائية تقليدية (كمياه
الأمطار، والمياه السطحية، والمياه الجوفية)، وموارد مائية غير تقليدية
(كمياه الصرف الصحي المعالجة، ومياه الصرف الزراعي المعالجة).
1-  الموارد المائية التقليدية:
أ- مياه الأمطار:
ب-  المياه السطحية (مياه الأنهار):
يقصد بالمياه السطحية مياه الأنهار والبحيرات الداخلية، والجداول،
والمسيلات، والمستنقعات، والبرك والحفر. وهي من أهم أنواع موارد المياه
كونها موجودة على هيئة منابع دائمة الجريان على مدار السنة بخلاف مياه
الأمطار التي تكون موسمية فقط. وكمثال على ذلك نذكر:
- حوض الخابور:
ينبع نهر الخابور من مدينة رأس العين الكردية شمالاً ماراً بها هبوطاً
إلى الجنوب حيث يتحد مع نهر الفرات قرب مدينة دير الزور. إلا أنَّه منذ
تاريخ 13/4/2001 انعدم الجريان الحر من الينابيع كلياً وتوقفت عن الجريان
وأصبح جريان الماء فيها بشكل قسري من خلال ضخ المياه من الينابيع والآبار
التي حفرت هناك والتي بلغت عددها حوالي 116 بئراً موزعة على النحو الآتي:
- 86 بئراً ضمن نطاق رأس العين تدعم قناة الجر الرئيسية لتأمين مياه
الشرب لمدينة الحسكة وتل تمر والمناجير والقرى المجاورة وبغزارة إجمالية
3.2 م3/ثا.‏
- 30 بئراً ضمن نطاق الجرجب تدعم نهر الخابور بغزارة إجمالية 3 م3/ثا.‏
- حوض دجلة:
نهر دجلة نهر دولي ينبع من تركيا ويمر في جزء حدودي صغير بين تركيا
وسوريا لمسافة 44 كم، ليدخل إلى الأراضي العراقية فيما بعد. وقد نظمت
معاهدة حلب التي عقدت في 3/أيار/1930 على شكل بروتوكول بين سوريا وتركية
حقوق سوريا في نهر دجلة، إذ كانت غايته وضع قواعد واضحة لاستخدام مياه
نهر دجلة. كما وقد اتفق الجانبان السوري والعراقي عام 1989 في محضر مشترك
لاقتسام المياه.
-  المياه الجوفية:
تمتلك كُردستان سوريا مخزوناً محدوداً من المياه الجوفية لا يمكن تحديده
بدقة نتيجة عدم وجود آلية معينة، أو إقدام حكومي مسبق على ذلك. إلا أنَّه
في حالة انخفاض مستمر، إذ يمكن أن نستدل على ذلك من خلال نضوب الآبار
وخاصة الارتوازية في المنطقة. فمنسوب المياه الجوفية في المحافظة تعاني
من هبوطات مستمرة على مدى عشرين عاماً بسبب آلاف الآبار المحفورة في
المنطقة، والتي تستنزف المياه بشكل كبير، وخاصة في منطقة رأس العين في
منطقة الينابيع. والتي تغذي الأراضي الجنوبية في المحافظة. كما أنها
تتعرض لمشكلة خطيرة وهي: عدم سماح الحكومة السورية بحفر الآبار في تلك
المناطق إلا بموجب التراخيص.
- استخدامات المياه في كُردستان سوريا:
تتوزع استخدامات المياه في كُردستان سوريا بين أنشطة مختلفة أهمها:
1- النشاط الزراعي:
يعد النشاط الزراعي أكثر النشاطات استهلاكاً للمياه في كُردستان سوريا،
وبخاصة المياه السطحية، والمياه الجوفية. فالأراضي الصالحة للزراعة في
تلك المنطقة تعتمد في معظمها على الهطول المطري في الري, الأمر الذي أدى
في بعض السنوات القليلة الهطول، والشحيحة إلى تدني كمية ونوعية المحاصيل
بشكلٍ كبير انعكس سلباً على الحالة الاقتصادية، والاجتماعية للسكان، وكان
ذلك دافعاً إلى التوجه نحو استخراج المياه الجوفية لري الأراضي، حيث تم
حفر عدد كبير من الآبار التي استهلكت كميات كبيرة من المياه أدت في
السنوات القليلة الماضية إلى حدوث انخفاض في مناسيب المياه الجوفية، ومن
ثم انعدام تصريف الينابيع الكبيرة والهامة مثل ينابيع رأس العين المغذي
الأساسي لنهر الخابور.‏
2- النشاط السكني أو المنزلي:
يحتل هذا النشاط المرتبة الثانية بعد النشاط الزراعي من حيث استهلاكه
للمياه في المنطقة الكردية من محافظة الحسكة بكردستان سوريا. فالزيادة
السكانية دفع إلى التوسع الأفقي الهائل في بناء المدن، إضافة إلى التوسع
العمودي وبالتالي تطلب الأمر كميات كبيرة من المياه لتأمين مياه الشرب
لتلك التجمعات السكانية وكانت النتيجة حفر المزيد من الآبار لتلبية
الحاجات المتزايدة للمواطنين في تلك المناطق.
3- النشاط  الصناعي:
يحتل النشاط الصناعي آخر مرتبة من حيث استهلاكه للمياه في كُردستان سوريا
وذلك نتيجة التخلف الصناعي الذي تعانيه تلك المناطق، إذ تفتقر تلك
المناطق إلى الاستثمارات الصناعية، بحيث لا يوجد في المحافظة سوى عدد
قليل من المعامل.
- الخصائص الرئيسية لمشكلة المياه في كُردستان سوريا:
تعاني مشكلة المياه في كُردستان سوريا من جملة من العوامل نذكرها فيما يلي:
1- الظروف المناخية غير المواتية.
2- تلوث المياه.
3- تحكم تركيا ببعض منابع المياه الرافدة إلى المنطقة.
4- محدودية الموارد المائية وانخفاض حصة المواطن منه:
إنَّ انخفاض مستويات الهطولات المطرية، وارتفاع درجات الحرارة ، والصرف
اللاعقلاني للمياه كانت من جملة العوامل التي أدت إلى محدودية الموارد
المائية. إضافة إلى ذلك فأنَّ عدم اهتمام الحكومة السورية بتأمين المياه
لمواطنيها أدى إلى الحفر العشوائي فاستنزفت المياه السطحية.
5- الزيادة السكانية (الديمغرافية):
من البديهي أنَّ الزيادة السكانية تنعكس بالزيادة في الطلب على الماء،
وذلك بسبب التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واتجاه الأفراد نحو
الاستهلاك.
- سبل المحافظة على مورد المياه في كُردستان سوريا:
للمحافظة على مورد المياه في كُردستان سوريا هناك مجموعة من السبل التي
يمكن من خلالها المحافظة على هذا المورد، من هذه السبل نذكر ما يلي:
أ- الابتعاد عن الصرف اللاعقلاني للمياه، من خلال تجنب شطف المنازل، أو
السيارات، أو الأرصفة قدر الإمكان.
ب- العمل على تكثيف برامج كشف التسربات في الشبكات العامة وداخل المنازل
وإصلاحها أولاً بأول لمنع هدر المياه.
ج- توعية الفلاحين بتوقيت زراعة المحاصيل بما يتناسب مع أوقات هطول
الأمطار للاستفادة قدر الإمكان من تلك المياه .
د- اتباع الطرق العقلانية في استخدام المياه عند سقاية المحاصيل الزراعية.
هـ- الانتقال من طرق الري التقليدية إلى الطرق الحديثة، ومن شبكات نقل
المياه المكشوفة إلى الشبكات المغطاة.
و- نشر الوعي المائي لدى كافة مستخدمي المياه وإقناعهم بأنَّ المياه مهما
توفرت لهذا الجيل فسوف تتأثر احتياجات الأجيال القادمة لأنَّ معدلات
استخراج المياه الجوفية أكثر من معدلات التغذية السنوية من الأمطار.
ي- نشر ثقافة الحد من الإنجاب السكاني.
ك- فيما يتعلق بالنشاط الزراعي فعلى اعتباره أهم الأنشطة الاقتصادية
فأنَّه لا بد من سحب قنوات للمياه السطحية إلى مناطق ذات الاستقرار
الهطول المطري، وخاصة تلك الأراضي الواقعة على طول الحدود مع تركية (بدءً
من عين ديوار شرقاً إلى رأس العين غرباً ماراً بمدينة المالكية والقامشلي
عاموده والدرباسية ....الخ) لأنَّ أراضي تلك المناطق تعتبر من أخصب
الأراضي الزراعية، وبالتالي فأنَّ إدرارها للمحصول سيكون أفضل.
- خاتمة:
هكذا وبعد دراسة دور المياه في الحياة الاقتصادية الكردية بسوريا تم
التوصل إلى مجموعة من النتائج الهامة وهي:
- إن المياه مورد طبيعي ضروري لجميع المجتمعات البشرية وبخاصة المجتمعات
التي تعتمد على الزراعة بشكلٍ أساسي.
- تشكل المياه العمود الفقري لعملية التنمية الاقتصادية في كُردستان سوريا.
- تعتبر المياه السطحية, والمياه الجوفية أهم موارد المياه في كُردستان سوريا.
- هناك العديد من العيون والينابيع في كُردستان سوريا في طريقها إلى
النضوب والجفاف.
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أنَّ مسألة المياه بالنسبة لكُرد كُردستان
سوريا هي من أهم المسائل الحيوية والاستراتيجية التي تهم مواطنيها بقدر
ما تهم المجتمعات والدول, وإن أي تفريط بهذه الثروة المائية سوف ينعكس
على مستوى الحياة المعيشية للأفراد والحياة الاقتصادية والاجتماعية
والسكانية والحضارية للمجتمع الكًردي.
 
البريد الالكتروني:
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.