تدفق أسلحة ثقيلة عبر الحدود الأردنية إلى قوى معتدلة في الجيش الحر تصل بسرية عالية وتذهب لمجموعات بعينها لإضعاف شوكة «النصرة»

2013-02-26

أنطاكيا (تركيا): ليز سلاي وكارين دي يونغ*
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط» 25 شباط2013

قال مسؤولون عرب وآخرون في المعارضة السورية إن الفضل في زيادة عدد الانتصارات التي حققها الثوار في سوريا، يعود في جانب منه إلى تدفق الأسلحة الثقيلة، في محاولة جديدة من قبل قوى خارجية لتسليح القوى المعتدلة في الجيش السوري الحر.

وأوضح المسؤولون أن الأسلحة الجديدة شملت أسلحة مضادة للدبابات وبنادق عديمة الارتداد (تستخدم ضد الدروع والتحصينات) ونقلت عبر الحدود الأردنية إلى محافظة درعا خلال الأسابيع القليلة الماضية لمواجهة النفوذ المتنامي للمجموعات المتطرفة في شمال سوريا، من خلال دعم المجموعات الأكثر اعتدالا التي تقاتل في الجنوب.
تعد هذه أول أسلحة ثقيلة، منذ بداية الثورة السورية قبل عامين، تمد بها القوى الخارجية الثوار في معركتهم لإسقاط الرئيس بشار الأسد وعائلته التي تحكم سوريا منذ 40 عاما.
وقد رفض المسؤولون تحديد مصدر الأسلحة الجديدة، لكنهم أشاروا إلى أن الدول التي تشارك بشكل مباشر في دعم الثورة السورية أبدت قلقا واضحا إزاء تنامي نفوذ الإسلاميين في الحركة الثورية المنقسمة. من هذه الدول الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فضلا عن تركيا والإمارات والسعودية وقطر. وقد شكل مسؤولون أمنيون لجنة تنسيق تجري مشاورات منتظمة بشأن الوضع في سوريا.
ورغم استمرار رفض إدارة أوباما تسليح الثوار بشكل مباشر، فإنها قدمت مساعدات استخباراتية للأطراف المشاركة في الإمداد وتساعد أيضا في تدريب قوات المعارضة، وقد رفض مسؤولون أميركيون التعليق على عمليات التسليح الجديدة.
وقال مسؤولون عرب وآخرون في المعارضة إن هدف هذه الأسلحة الجديدة تغيير التأثير غير المقصود لمساعي الصيف الماضي بتقديم كمّ ضئيل من الأسلحة والذخيرة إلى قوات الثوار في الشمال، الذي توقف بعدما اتضح أن الجماعات الأصولية كانت المستفيد الأكبر منها.
وقال مسؤول عربي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية العملية: «كان الهدف تزويدهم بالأسلحة الثقيلة وتكثيف الإمداد والتأكد من وصولها إلى مستحقيها. فإذا كنت ترغب في إضعاف شوكة (جبهة النصرة)، ينبغي دعم المجموعات الأخرى لا حجب السلاح عنها».
من جانبه، أكد لؤي المقداد المنسق الإعلامي والسياسي في الجيش السوري الحر، أن الثوار حصلوا على أسلحة جديدة من خارج سوريا، مما جعلهم يستغنون عن الأسلحة التي يتم شراؤها من السوق السوداء أو التي يتم الاستيلاء عليها من المنشآت الحكومية، التي تعد مصدرا لغالبية الأسلحة الموجودة في أيدي الثوار، لكنه رفض تحديد مصدر هذه الأسلحة الجديدة.
في حين أوضح منسق آخر في الجيش السوري الحر، الذي تلقت وحداته كميات قليلة من الأسلحة الجديدة خلال الأسبوعين الماضيين، أن الهدف من هذه الأسلحة تمكين القوى المعتدلة وتحويل تركيز الحرب بعيدا عن الشمال نحو الجنوب والعاصمة، معقل الأسد.
من ناحية أخرى، أدى ارتفاع أعداد القتلى التي بلغت قرابة 70.000 شخص إلى فشل كل المحاولات التي بذلها المجتمع الدولي للتوصل إلى تسوية دبلوماسية.
ويشير صالح الحموي، الذي ينسق أنشطة وحدات الثوار في محافظة حماه، مع آخرين عبر سوريا، إلى أن التحول كان مدفوعا بإدراك أن مكاسب الثوار في شمال البلاد خلال العام الماضي لم تشكل تهديدا رئيسا للنظام في دمشق. لكن محافظة درعا تسيطر على طريق رئيسي إلى العاصمة وقريب إلى حد بعيد.
وقال الحموي: «درعا ودمشق هما الجبهتان الرئيسيتان للثورة، وفي دمشق ستسطر النهاية».
لكن هذه السرية المحيطة بهذا الجهد، تجعل حتى هؤلاء الذين يتلقون الأسلحة لا يمكنهم على سبيل اليقين تحديد مصدر هذه الأسلحة، وأضاف: «كل ما يمكننا قوله هو أن بعض الأسلحة الجديدة وصلت عبر الحدود الجنوبية، وتصل مغلفة بسرية كبيرة وتذهب إلى مجموعات بعينها فقط».
من جانبها، أنكرت الحكومة الأردنية أي دور لها في ذلك، لكن هناك ارتفاع في تهريب الأسلحة الصغيرة، وأغلبها بنادق آلية، عبر الحدود الأردنية مع سوريا. ويقول سميح المعايطة، المتحدث باسم الحكومة الأردنية: «إن الأردن يسعى جاهدا لوقف تصاعد عمليات التهريب».
بيد أنه على الرغم من السرية، فقد أعلن عن هذه الأسلحة الجديدة هذا الشهر على لسان إليون هيغنز، مدون بريطاني يستخدم اسم براون موسي، وهو يتعقب أنشطة الثوار من خلال مشاهدة فيديوهات لوحدات الثوار على «يوتيوب». ولاحظ في عدد من المدونات أنواع الأسلحة الجديدة في أيدي الثوار التي لم تكن الترسانات الحكومية مصدرها بكل تأكيد. تضم هذه الأسلحة مضادات الدبابات «M-79» وبنادق عديمة الارتداد تعود إلى الثمانينات حيث كانت تصنع في يوغوسلافيا السابقة، التي لا يمتلكها الجيش السوري النظامي.
وأشار أيضا إلى أنه يبدو أن غالبية متلقي هذه الأسلحة عناصر إسلامية علمانية أو معتدلة تنتمي إلى الجيش السوري الحر. وفي مؤشر على كيفية تنظيم الجهود في هذا الصدد، يوضح قائلا إن أحد مقاطع الفيديو الأخيرة تظهر قيام أعضاء من «لواء فجر الإسلام» بتدريب المتمردين على كيفية استخدام بعض الأسلحة الجديدة.
ويبدو أن هذه الأسلحة قد بدأت بالفعل التأثير على مسار الحرب، فقد ساهمت في تصعيد القتال في منطقة درعا خلال العام الحالي؛ حيث تمكن مقاتلو المعارضة من اجتياح القواعد العسكرية الحكومية، بما في ذلك العديد من نقاط التفتيش على طول الحدود الأردنية؛ الجبهة الرئيسية التي لطالما تم تجاهلها. وقد مكن هذا، بدوره، الثوار المسلحين بالمعدات الجديدة من الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة الأخرى الموجودة في المنشآت الحكومية التي تم الاستيلاء عليها، وبسط نفوذهم على الجماعات الصغيرة الأخرى، وبالتالي محاكاة النموذج الذي شهدناه في شمال سوريا؛ حيث تضخمت سطوة المتطرفين الإسلاميين بشكل كبير نتيجة تعاظم انتصاراتهم العسكرية، وأضاف: «هذا الأمر أشبه بما حدث مع الجماعات الجهادية في حلب عندما بدأت في الاستيلاء على كل هذه القواعد والحصول على أفضل العتاد، يمكنك أن تقول إن درعا باتت نموذجا يحاكي حلب».
وقال جيف وايت المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن الأسلحة المضادة للدبابات من طراز «M-79» على وجه الخصوص منحت الثوار عنصر الثقة في مهاجمة المواقع والقوات المدرعة الحكومية، مشيرا أيضا إلى الظهور غير المتوقع للأسلحة في أيدي المتمردين خلال مقاطع الفيديو الأخيرة قبل عدة أسابيع. وأردف قائلا: «هذه الأسلحة ليست الحل السحري الذي يمكن أن يحدث تحولا جذريا في التوازنات العسكرية، ولكنها ستمكنهم من إلحاق المزيد من الضرر بقوات النظام، وتتيح لهم تحقيق المزيد من النجاحات، حيث تعد هذه الأسلحة النوعية الأفضل التي كان الثوار يسعون إلى امتلاكها».
ويوضح خبراء أنه يبدو من غير المحتمل أن هذا التدفق من الأسلحة سيكون كافيا للتأثير بشكل حاسم على نتيجة المعركة المستعرة التي لا تزال تشهد أصنافا متنوعة من التكتيكات والأسلحة بدءا بتنفيذ التفجيرات الانتحارية إلى إطلاق صواريخ «سكود» الباليستية.
وينوه جوزيف هوليداي الباحث البارز في «معهد دراسة الحرب» بأنه بالنظر إلى المشاهدات المتفرقة للأسلحة الجديدة في مناطق أخرى من البلاد، بما في ذلك مناطق حلب وإدلب ودير الزور، فإن القتال في تلك المحافظات يعتمد في المقام الأول على كميات مهولة من الأسلحة التي استولى عليها المتمردون من القوات الحكومية.
وتجدر الإشارة إلى أن المتمردين طلبوا أيضا الحصول على صواريخ مضادة للطائرات للتصدي للغارات التي تشنها الطائرات الحكومية التي تستهدف معاقلهم، ويضيف وايت أنه لم تكن هناك أي إشارة إلى أنهم حصلوا على كميات كبيرة من تلك الصواريخ عدا تلك التي تم الاستيلاء عليها من القواعد العسكرية الحكومية.
وقال الحموي إنه يشك في أن الهدف الحقيقي من الجهود الدولية هو إمداد المتمردين بقدر من القوة العسكرية للضغط على الأسد لقبول تسوية تفاوضية، أو إمدادهم بما يكفي من السلاح لتمكينهم من الإطاحة به، مشيرا إلى أن «المجتمع الدولي يستخدمنا للضغط على بشار».
وقال لؤي المقداد المتحدث باسم الجيش السوري الحر إنه على الرغم من وضع خطط للهجوم على دمشق، فإن المتمردين ما زالوا يفتقرون إلى القوة العسكرية الكافية لمواجهة القوات الحكومية، مؤكدا أنه «حتى لو تسنى لنا الحصول على الأسلحة، فستكون غير كافية».
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=718587&issueno=12508...

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.