جان كورد : الصراع الدموي على حدود تركيا بين الديماغوجية والتبسيط

2013-01-22

 عندما يراق دم الشباب الذين عاشوا في عالم الظلم طوال حياتهم وحاولوا الكفاح ضده بما يملكون من أدوات وقوى، فإن مشاعرالذين يودعون جثامينهم المخضبة بدمائهم تزداد هيجاناً ويتأثر السامعون للخطب النارية بشكل أعمق مما هو عليه الوضع لدى رحيل إنسان يموت بسبب مرض نهش جسده أو بسبب حادث تعرض له أو بعد طول عمر قضاه.

إذ يتحدث أشد الناس هدوءاً وتمالكاً لأعصابه وهو يودع مقاتليه الوداع الأخير بانفعالية وغضب، ويهدد ويتوعد الأعداء الذين أراقوا دماء أولئك الشباب. ولكن أن يصل الأمر بخطيبٍ سياسي أو آمرٍ مقاتلٍ إلى أدنى درجات التبسيط السياسي للأحداث وتقسيم الكل الكوردي ديماغوجياً إلى قسمين لاثالث لهما، أحدهما يملك كل مواصفات الشرف والكرامة والعزة القومية والنخوة الوطنية والثاني لايملك شيئاً من تلك المواصفات، مثلما فعل السيد آلدار خليل من قيادة حزب الاتحاد الديموقراطي في خطبته الشهيرة في الدرباسية أثناء توديع أنصاره الذين سقطوا مع الأسف برصاصات جبهة النصرة المدعومة داخلياً ومن بعض دول الجوار مؤخراً، فهذا نشاز سياسي وخروج عن المألوف السياسي في مثل هذه المواقف التي تستدعي كسب مزيد من المواطنين والأحزاب، لاتنفيرهم وتمزيق المتفق عليه حتى تلك اللحظة، مهما كان المتفق عليه باهت اللون وضعيف الحبل... والوقوع في الوقت ذاته في خطأ جسيم، فالسيد الذي نعلم عنه أنه من مركز القرار في حزبه صب كل التهم والشتائم غير اللائقة سياسياً وخلقياً على قيادات أحزاب متحالفة مع حزبه تحت سقف "الهيئة الكوردية العليا"، وقد يتحول خطابه هذا إلى مبررٍلانهاء حياة هذه الهيئة عملياً ونهائياً، فيزداد الشرخ في المجتمع الكوردي ويفتح الباب لمشاكل أعظم، مما يسمح بمزيد من نقاط التسلل التي يستغلها أعداء الكورد، ويكون في ذلك ضرر بليغ للشعب الكوردي. وهل هذا إعلان علني لؤاد ذلك التحالف؟ إذ كيف يستمر الشرفاء وعديمو الشرف في العمل معاً إن كان ما أطلقه السيد آلدار خليل من عيارات خلبية صحيحاً؟
عندما حمل أنصار حزب الاتحاد الديموقراطي السلاح برروا ذلك بأنهم عازمون على تشكيل "وحدات الحماية الشعبية" وذلك لمنع حدوث صراعات مسلحة في المناطق الكوردية، فهاهي الصراعات قد حدثت وهم بأنفسهم صاروا طرفاً في النزاع الدموي، الذي بدأ بينهم وبين عشيرة "البقارة" في حلب أولاً، وانتقل مع الزمن إلى مدينة "سرى كاني" الكوردية، التي تقع في منطقة استراتيجية هامة على حدود دولةٍ عضو في حلف النيتو ولها أصابع طويلة في شؤون المعارضة السورية، وتم انتقال المعركة من العمق العربي إلى العمق الكوردي باستعانة زعماء هذه العشيرة بأطراف معينة، داخلية وخارجية، بهدف الانتقام من الكورد الذين اعتبروا على الدوام مكوناً غير مرغوب فيه وبخاصة من قبل من آمن بأن "صدام حسين" هو قائدهم وسيدهم، والادعاء المبسط من قبل السيد آلدار خليل أو سواه بأن حزبه ليس طرفا في الصراع غير مقبول، بدليل سقوط مقاتلين من حزبه في تلك المعارك التي تم تحذيرهم منها قبل أسبوع حسب علمنا. والاكتفاء بأن الحزب الكوردي يصد هجمات المعتدين على الشعب الكوردي لايكفي أيضاً، إذ يطرح سؤال مهم نفسه، ألا وهو: لماذا لايهاجم هؤلاء المعتدون سوى أنصار حزب الاتحاد الديموقراطي؟ وما السر الكامن وراء ذلك؟ ولماذا تدعم تركيا المناصرة للمعارضة السورية هجوم طرفٍ على آخر ضمن هذه المعارضة؟
لذلك لايحق لقيادي نجيب مثل السيد آلدار خليل تبسيط الأمور إلى هذه الدرجة وعدم الذهاب في إهاناته لدرجة استخدام عبارات كتلك التي أطلقها ضد الحركة الوطنية الكوردية، والوقوف عند نقطة:"من ليس معنا فهو ضدنا" الجورجبوشية التي أضرت بصاحبها وببلاده أكثر مما نفعت.
من زاوية حزبية ضيقة، يمكن القول بأن ما جرى ويجري في "سرى كاني" مجرد هجمات "تكفيرية مسلحة" على مواقع كوردية "علمانية تقدمية"، ولكن الموضوع من الناحية الجيوسياسية أكبر من ذلك بكثير وأعمق بالتأكيد من مجرد الاستعانة بالتكفيريين والأتراك من قبل زعماء عشائر عربية من أمثال "نواف البشير" الذي انتقل من معسكر النظام الأسدي إلى المعسكر الأردوغاني للحصول على مغانم ومكاسب شخصية وعشائرية بتسلق أكتاف "جبهة النصرة" التي أدرجت الولايات المتحدة اسمها في قائمة المنظمات الإرهابية.
بالتأكيد، إن وراء هذه الهجمات العدوانية المدبرة والمخطط لها بعناية أصابع دولية، فأي تحرك عسكري على حدود تركيا لايحدث دون تنسيق مع قيادات جيوشها أو مع مخابراتها العسكرية، وكذلك مع من تستمد تركيا منهم قواها ومعلوماتها، وإذا كان الأمريكان مهتمون بتصفية "جبهة النصرة" فإن تركيا مهتمة أيضاً بتصفية "قوات الحماية الشعبية" التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، ومن قبل نعلم كناشطين كورد ويعلم السيد آلدار خليل كسياسي مخضرم أيضاً عن سياسة " فل الحديد بالحديد". ولكن الغريب في الأمر هو أن كلاً من طرفي الصراع المؤسف يعتبرنفسه جزءاً من ثورة الشعب السوري على طغيان العائلة الأسدية، بل يعتبران أنفسهما من طلائع هذه الثورة المباركة، ويحملان السلاح الذي به يسعيان ل"حماية الشعب السوري"!!!! والعدو ليس في "سرى كاني" وانما في دمشق أو قابع في سفينة حربية روسية أو موجود في ايران كما نسمع.
والأغرب من ذلك، هو أن السيد هاكان فيدان، مسؤول المخابرات التركية المعروفة باسم "ميت"، يجالس ويحاور القائد الأعلى لحزب الاتحاد الديموقراطي، السيد عبد الله أوجالان، فيطالب هذا القائد حزب الاتحاد الديموقراطي بالابتعاد عن نظام الأسد، كما يقول شقيقه السيد عثمان أوجالان، الذي افتتح أول مؤتمر لهذا الحزب على حد زعمه، بأن سياسة حزب السيد ألدار خليل الموالية للأسد تضر بالشعب الكوردي، ولا أحد من الكورد يعتقد بأن هذين لايعلمان شيئاً عن سياسات حزب الاتحاد الديموقراطي، أو أن الحزب لايعترف بهما، فالأول هو القائد والثاني هو البادىء بمسيرة الحزب حسبما نقرأ ونسمع.
أرى بأن السيد آلدار خليل ومن وراءه يهملون أموراً هامة للغاية، ألا وهي:
-الكورد ككل والسوريون منهم أضعف من أن يدخلوا اليوم في صراعاتٍ دموية مع أطرافٍ مدعومة عربياً وتركياً ومن جهاتٍ دولية، وبضع آلاف من الكلاشينكوفات الروسية لاتصنع انتصارات حقيقية، وهم الخاسرون بالتأكيد في ذلك لأن امكاناتهم محدودة وليس لهم معين دولي الآن، أم أنهم مستعدون لتحويل مدنهم وقراهم إلى بابا عمرو ورستن ودرعا وداريا. وإذا كان البعض يعتقد بأن الأمريكان وحلفاءهم سيدعمون حزب الاتحاد الديموقراطي ضد التكفيريين فليقرؤوا عن سياساتهم في جنوب شرق أسيا، تلك السياسات التي اعتمدت مبدأ الاستفادة من كل الأعداء وضربهم بعضهم ببعض على الدوام.
-المعركة في سوريا اليوم بين الشعب السوري والنظام الأسدي المترنح تحت ضربات الثورة المباركة، وأي محاولة للولوج في معارك جانبية بالتأكيد هي خدمة مجانية للأسد وعصابته. وإن محاولة البعض لاظهار المعركة الأساسية مع تركيا الأردوغانية فاشلة، وإن نجاح المفاوضات بين الحكومة التركية وقيادة حزب العمال الكوردستاني ستفرز إحداثيات جديدة لحزب الاتحاد الديموقراطي، قد يصعب عليه التوجه على ضوئهما في حال استمرار هذه المعارك مع من تقف أنقره وراءهم حالياً.
-إن أي صراع كوردي - كوردي في هذه المرحلة التاريخية لن يجلب لشعبنا سوى الخسائر والاحباط والتراجع عما تم إنجازه حتى اليوم، هنا أو هناك. والخطب النارية قد تجمع الناس بسرعة إلا أن الانتكاسات تحطم النفوس وتهلك القوى...
فلنكن أشد حذراً وأقدرعلى معالجة النواقص والعلل في صفوف شعبنا، وحذار أن نضيق رقعة الأحداث التاريخية إلى مستوى في مدينة، فالقضية أكبر من ذلك وأعمق وأوسع، والقضية الكوردية في سوريا مرتبطة ومتشابكة مع الوضع السوري والاقليمي والدولي، وكثير من القوى على الساحة ليست سوى بيادق شطرنج تلعب بها القوى الدولية في جنح الظلام.
وأخيراً، برأيي إن اعتذاراً من السيد آلدار خليل عما بدر منه من إهانات لاتليق بالأحزاب السياسية، سيكون نافعاً للجميع وإن لم يكن بلسماً، فالبلسم هو المضي قدماً في تعزيز "وحدة قوى الشعب الكوردي" في هذه المرحلة العسيرة، أو أن الكورد سيحملون السلاح في وجوه بعضهم بعضاً، وهنا الطامة الكبرى لقضيتنا العادلة والخدمة الكبرى لأعداء هذا الشعب.
 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.