جان كورد : هل من خيارات استراتيجية تلائم الواقع الكوردي السوري ؟

2013-01-15

قبل الاجابة عن هكذا سؤال كبير وخطير، يجدر بنا النظر بواقعية وموضوعية إلى الواقع الكوردي السوري والظلال التي يلقيها على جوانب من المعارضة الوطنية السورية والنظام الذي أوشك على الانقراض نتيجة الضربات القاسية المتتالية التي يتعرض لها من قبل الثورة السورية والعزلة الدولية التي يعيشها.

وفي الحقيقة فإن محاولات تقزيم أو انكار هذا الواقع من قبل جهات رفيعة المستوى، سياسية ودينية وقانونية، في كل من المعارضة والنظام على حدٍ سواء، لايستر حقيقة أن الشعب الكوردي يشكل أكبر المكونات القومية في البلاد بعد المكون العربي، وأنه له عمق بشري كبير في عدة دول مجاورة لسوريا، تجاوزت فيها القضية الكوردية مرحلة الانكار والتقزيم، وصارت بعض حكومات تلك الدول رغم طوال أمد سياسات القهر والتمييز بحق الكورد ومحاولات الانتهاء من وجودهم القومي عن طريق الصهر العنصري وتخريب الممتلكات وإزالة القرى والمدن وشن الحروب التي استخدمت فيها سائر أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة المحظورة دوليا أقرب إلى الحل الواقعي، في حين أن هناك فيدرالية كوردستانية شامخة في جزء من كوردستان اليوم.

إن انتشار الكورد على مساحات ومسافات واسعة وطويلة من الشمال الشرقي لسوريا على الحدود العراقية وإلى الشمال الغربي على حدود لواء الاسكندرون، وفي معظم المدن السورية، وبخاصة في حلب ودمشق، رغم كل عمليات التهجير المدبر بخطط عنصرية والاستيطان القسرية التي أسس من خلالها البعثيون الفاشيون أكثر من 40 مستوطنة لعرب "الغمر" في منطقة الجزيرة بهدف اقامة "حزام عربي" يشوه التكوين الديموغرافي للمنطقة، يثبت أن قضية هذا الشعب أكبر وأعظم من كل المحاولات التقزيمية والتشويه السياسي والانكار الدائم، ويجبر السياسي الواقعي السوري، أياً كان موقعه، على التفكير في إيجاد صياغة جادة وملائمة للقضية ومقبولة من قبل ممثلي هذا الشعب وتراكيبه المنظمة حزبياً وسياسياً. وأشد ما يثير لدينا الشفقة على كثيرين من السياسيين والخطباء السوريين، هي مواقفهم المترددة والهزلية والمتناقضة حيال هذه القضية العادلة من كل الوجوه الشرعية والقانون الدولي، فالعديد من هؤلاء الذين يحلمون بقيادة سوريا الحرة الديموقراطية، ومنهم سلسلة عجيبة من القانونيين العمالقة كالأستاذ هيثم المالح والسياسيين المعروفين دولياً كالدكتور برهان غليون ورجال السياسة الشرعية الذين تدين لهم شرائح واسعة من السوريين بالولاء كالأستاذ محمد علي البيانوني، وخطباء دمشق الذين كان يشار إليهم بالبنان كالشيخ معاذ الخطيب وسواهم، من لايقبل إلا بحق "المواطنة" لهذا الشعب كأفراد وليس كجماعة بشرية أو كشعب، ولديهم سوريا "عربية"  منذ أن فتحها عرب الحجاز واستولوا عليها من أيادي الروم وستبقى هكذا إلى أبد الآبدين على الرغم من أن هذه البلاد من ناحية الاسم والتكوين السكاني هي أرض العديد من الجماعات البشرية من العرب وغير العرب، كما كانت عبر التاريخ دائماً. ومنهم من يقبل بأن يكون للكورد حق في إدارة أنفسهم ولكن بلا حكم ذاتي وبلا فيدرالية لأن الحكم الذاتي والفيدرالية في وعيهم ليس إلا تنازلاً عن فكرة التعريب الشامل والأبدي لسوريا، ويبررون ذلك بأن الكورد سينفصلون في حال منحهم أي فرصة لادارة أنفسهم. في حين أن بلداناً عديدة في العالم الديموقراطي وغير الديموقراطي مدينة للنظام الفيدرالي في وحدتها ونمائها وقوتها... والمشكلة التي يعاني منها هؤلاء هي تراجعهم عن تصريحاتهم ووعودهم ومواقفهم بعد كل حديث حول القضية الكوردية ونعود دائماً إلى المربع الأول من الشطرنج السياسي السوري.

وهنا لنقترب خطوة من "الخيار القومي الكوردي" في ظل هذه الحقائق الدامغة والواقع المريرالذي عليه العلاقة الكوردية بالنظام السياسي السوري العام، في السلطة والمعارضة. فالواقع الذي تتفق فيه المعارضة مع عدوه الدود المتمثل في نظام العائالة الأسدية، على أساس أن سوريا للعرب والكورد مواطنون ورعايا "نعطيهم ما نحن العرب نقرره ولانعترف للكورد بما يسميه الناس حق تقرير المصير" فهذا الحق مشروع لكل الشعوب إلا أن الكورد استثناء منه، ففي الحرية والديموقراطية أو في النظام الحالي، العرب هم الذين سيقررون مصير الشعب الكورد عوضاً عنه. وهذا ما يجعل "الديموقراطية السورية" ذات نكهة خاصة وقوام خاص.. أسميها بديموقراطية العرجون القديم.

ولكن رغم هذا التعنت المتخلف عن أفكار ومبادىء الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، لابد أن تكون للكورد "استراتيجية" يبنون عليها سياساتهم الوطنية "السورية" والقومية "الكوردستانية"، وإلا فإنهم بلا هدف ولا منطق سياسي ولا مسار يتلمسه الناس الآخرون. والاستراتيجية الكوردية منذ تكوين التنظيم السياسي الكوردي في سوريا تأخذ في البداية واقع أن كوردستان تم تقسيمها نتيجة معاهدة استعمارية انجلو-فرنسية قذرة، ومن الصعب التخلص من نتائجها السلبية الكارثية عليهم في الوقت الحالي، في حين أن لا أحد يدري ما سيحدث في المستقبل إن نشبت حرب اسرائيلية – ايرانية مثلاً، أو حدثت ثورة شعبية واسعة في ايران، فانهيار نظام الملالي وتقدم المفاوضات بين حكومة أردوغان وغريمها الكوردي وتطور الحراك الكوردي السوري إلى جانب تنامي الانجازات الاقتصادية والسياسية والعسكرية لاقليم جنوب كوردستان يسبب شرخاً كبيراً لسياسات انكار الشعب الكوردي وتضببع حقوقه المشروعة في المستقبل القريب، بما يدفع الأمور إلى اضمحلال أو زوال الحدود بين الأقاليم الكوردستانية، الواحد تلو الآخر من وجهة نظر عملية...

أما اليوم فالمشهد لايزال مشهد التقسيم، وعليه تبني الأحزاب الكوردية سياساتها، مما أفسح المجال للقول بأن الكورد السوريين يسعون – في هذه المرحلة التاريخية -  مثل إخوتهم في جنوب كوردستان (كوردستان العراق!) للتوصل مع  شركائهم في الوطن السوري إلى حل وطني يضمن لهم إدارة أنفسهم "فيدرالياً" كما يضمن وحدة البلاد السورية وقيام السلطة السياسية اللامركزية التي تصون حقوق سائر المكونات القومية والدينية وفي مقدمتها المكون القومي العربي.

لقد وضع المجلس الوطني الكوردستاني – سوريا في عام 2006 حجر الأساس لهذه الاستراتيجية باقراره  مطلب "فيدرالية قومية" لكوردستان سوريا، بالتضافر مع تنظيمات أخرى كانت تطالب بهذا الحق في مناهجها، وانضمت بسبب هذا الطرح للمجلس، ولكن مع الأيام تبنت أحزاب كوردية / كوردستانية سورية عديدة هذا المطلب، حتى وصل الأمر لتبني هذه الاستراتيجية من قبل "المجلس الوطني الكوردي في سوريا" في مؤتمره الثاني  منذ أيام قلائل. ووحدة الخطاب الكوردي التي ستنجم عن هذا الطرح القومي (الكوردستاني) والوطني (السوري) ستزداد وتتطور، بحيث يمكن القول بأن للكورد "خيار استراتيجي قومي" يتلاءم مع حجم قضيتهم القومية والواقع السوري واحداثيات السياسة الدولية التي لاترى أي تعارض بين تمتع شعب ما بحقه في الفيدرالية وانخراطه في شتى نضالات ونشاطات وفعاليات الوطن المشترك الذي يعيش فيه مع سواه من الشعوب.

نعم، للأمة الكوردية حق الحرية والاستقلال، هذا لايشك فيه كوردي مخلص لأمته، ولكن الظروف الناجمة عن معاهدة سايكس – بيكو الاستعمارية منذ عام 1916 وحتى الآن لاتزال في غير صالح هذه الأمة وتضطر أقاليمها المتجاورة إلى إيجاد استراتيجيات مختلفة لقولبة طموحاتها الخاصة بها، إلا أن هذا يجب أن لايعيق في حالٍ من الأحوال مسار التعاون المشترك، ليس بين الكورد فقط، وإنما بينهم وبين الشعوب التي يعيشون معها في هذه الأقطار، والغبي هو من لاينظر إلى التاريخ المشترك والمصالح المشتركة وضرورات الحضارة والمدنية التي تفرض على كل هذه الشعوب التعاون والتضامن والتكافىء.

ومع الأسف لم يظهر زعيم أو قائد من الشعوب التي تضهد حكوماتها المتتالية أمتنا الكوردية منذ اتفاقية سايكس – بيكو وإلى الآن ليقول للعالم أجمع ولشعوب المنطقة خاصة: "دعوا هذه الأمة المستضعفة تبني نفسها من جديد، لأنها مظلومة ومستضعفة وأنا أحارب ضد الظلم  وأعمل على انهاء وضع التقسيم الاستعماريِ في المنطقة....!!!"

وختاماً، أقول بأن ثمة استراتيجية قيد التكوين في غرب كوردستان، وذلك من خلال توحيد المطلب القومي الكوردي عبر التفاعل الايجابي مع ما ستكون عليه سوريا بعد زوال حكم العائلة الأسدية ونظامها الفاشل من كل النواحي، وأنا شخصياً لا أرى بصيص أمل في معالجة واقعية لقضية الشعب السوري عامة أو الكوردي خاصة في ظل ما تبقى من هشيم هذا النظام.



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.