ثورة بلا مفكر وبلا قائد

2013-01-11

سمير عطا الله/الشرق الاوسط/9-1-2013
لا ندري بمن كان يفكر الرئيس بشار الأسد عندما تساءل من هو «مفكر هذه الثورة ومن هو قائدها؟». هل كان يفكر في الثورة الفرنسية، أم في الثورة الروسية، أم في ثورة 8 آذار - مارس؟ إذا كان في الأولى، فلم يكن لها مفكر واحد، بل مجموعة كبيرة ومديدة من المفكرين، تتفاوت خلفياتهم ما بين روسو ومنتسكيو.

وإذا كان يفكر في الثورة الروسية فقد كان آباؤها تولستوي وغوركي قبل ماركس ولينين. وإذا كان يفكر في ثورة 8 آذار - مارس فإن مفكرها ميشال عفلق، حكم عليه بالإعدام أيام والده ومنع من العودة إلى سوريا طوال عمره، في حين قتل شريكه في تأسيس حزب البعث، الدكتور صلاح البيطار، في باريس، بعدما ظل هو الآخر منفيا لعقود.
يقول أومبرتو إيكو إن الأدب هو الذي يولد الثورات. أولئك الذين يعبرون عن مشاعر الناس وأحاسيسهم، وليس من الضروري أبدا أن يدل المفكرون بسطاء هذا العالم على فلسفة الثورة. لقد نشأ حزب البعث في صفوف المفكرين ونقل مخفورا إلى الثكنات. وبدأ مع هموم الناس وصار في غايات العسكر. وكان حزب الأمة فتحول إلى حزب المنطقة.
هذه ثورات ضد «الفكر» الذي حاصرها بالإنجاز اللفظي منذ أكثر من نصف قرن. ولو لاحظ الرئيس الأسد الخط البياني الذي كان مقتنعا بأنه فقاعة لن تصل إلى سوريا، لرأى أن الذي فجر ثورة تونس كان بائع ثمار على عربة، لا يملك حتى دكانا. وأن الذين فجروا ثورة ليبيا لم يكن بينهم قائد واحد كما جرت العادة في الثورات المعهودة. والذين ملأوا ميدان التحرير كانوا من طبقة وائل غنيم وليس لينين.
زمن الثورات التي تهتف لرجل واحد، مثل زمن الأنظمة التي تهتف لرجل واحد، قد ولّى. ما من أحد يعرف اسم رجل حرك سقوط الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية. وبعض قادة الصين اليوم تمتلك عائلاتهم نحو 200 مليار دولار ربحتها في اقتصاد السوق وليس في الاحتكار ولا في التسلط.
في سوريا مجموعة كبرى من الأدباء والمفكرين لم نكن نعرف بهم من قبل لأنه لم يكن مسموحا لهم أن يكتبوا أو أن نقرأ لهم. هؤلاء يساهمون الآن في الصحافة العربية بأرقى المستويات وأغنى العطاءات. وهم يظهرون الآن على حقيقتهم الناصعة وليس كعملاء ومارقين ومحرضين على أمن الدولة. هؤلاء مجموعة مفكرين وليسوا مفكرا واحدا ولا فكرا واحدا. القاسم الوحيد المشترك بينهم أنهم عاشوا في السجون سنوات طويلة عبثية، حيث تعلقوا أكثر بمعاني الحرية وأهميتها.
منذ وصل الرئيس الأسد إلى السلطة «وفقاعة الربيع العربي» تتسع وتكبر وتظهر علاماتها على وجوه الناس. ولو تحسن له أن يلاحظ ذلك منذ البداية لما صارت سوريا وصار النظام كما هما اليوم.

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.