غسان جانكير : الحرباء

2013-01-04

حدثنا العطال البطال قال : لما اشتد علينا الحصار والكل في اسبابه محتار
 , أهي عصابات سلفية , أم جيش النظام والمنحبكجية , فانقطعت عنّا
 الامدادات , وعانينا البرد والجوع فرادى و جماعات , وتضاعفت اسعار
 المواصلات , انعدمت بيننا والعالم الاتصالات , وكثُر الضغط على الجمعيات
 الخيرية , وبقيت الاراضي غير مفلوحة في البرية ,

وأخذت المحال تتفرّغ من
 البضاعة , والأطفال يتوسلون الحليب بضراعة , والكهرباء باستحياء لا
 تزورنا من النهار سوى ساعة . ولزِم الناس بيوتهم , لا يعرفون لِمن يشكون
 همهم , وفرغت الشوارع من المارة في الاماسي , وانطبعت المدينة بالمآسي .
 و إزاء هذا الوضع المزري , و مما خبرناه من جولات الكر والفرِ , اهتدينا
 الى سلاح التكيف مع الحال  , ودوام الحال من المُحال , فقُمنا بضبط إيقاع
 الحياة مع لمحة الكهرباء , نستغل وصولها دونما إبطاء , واعتمدنا على
 الكهرباء في الطعام , فتبدّلت أوقات الغداء مع الايام , وصار بالأمر
 المألوف , أن ترى طاهية على البيوت تطوف , بعد مُنتصف الليل , و في يدها
 بيل , تسأل جارتها بعض الكزبرة , أو ملحا او ملعقة من المحمرة , فإذا ما
 تبدلت أوقات التقنين , فخُطط مُجابهة الحالة لا تخلو من المرونة و اللين
 .
 ولمّا تبدّل التقنين , وصارت الكهرباء تصلنا في الصباح , أيقظتني زوجتي
 يوما بكل إلحاح , مُنبّهة إياي بان التقاعس غير مباح , أن علي شراء
 الخضار على عَجَل , و أُفاصل في الاسعار دونما خجل , وأن ارجع الى البيت
 على وجه السرعة , قبل أن تنقطع الكهرباء فتجفّ في مآقينا الدمعة , فقلت :
 شبيك لبيكِ , خادمك بين يديكِ , وبينا أغذُّ الخُطى , وإذ ب ( بعثيكو
 قربانو ) يتهادى في مشيته كما القطا , فاستوقفني بوجهه المُتجهّم , بدى
 لي وكأنه لبعض الاخبار مُستفهم , وأخذ بالحديث حيث الطول والاتساع ,
 مُحللا - وفق رؤيته العفنة – الاوضاع , مُتّهما المعارضة بالعمالة للنظام
 , فأدركت ُ انه يعاني حالة انفصام , فسألته وقد ايقنت من توبيخٍ سيطالني
 من زوجتي , وأردت بالسؤال إفراغ كربتي , فقلت : الويل لك , لا ابا لك ,
 فكيف كُنت ترتشي , وبالهدايا الفخمة تنتشي !!!.
Ghassan.can@gmail.com



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.