جان كورد : الكورد والحرية

2012-12-29

قال الفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس قبل قرونٍ عديدة بأن على المرء توضيح  المصطلحات السياسية التي يستخدمها حتى لايفهمه الناس خطأ... وأحد المصطلحات التي نسمعها كل يوم من السياسيين والمثقفين هو "الحرية"،

وما أكثر الأكراد الذين يتحدثون عن الحرية ويحلمون بها ومنهم فئة تزعم أنها من أهم الفصائل التي تكافح من اجل الحرية وتقدم شباب الكورد قرابين لها، والبعض من هذه الفئة يقف عاجزاً عن الرد والتوضيح فيما إذا سألته هذا السؤال البسيط:" وماذا تقصد أو تفهم من مصطلح الحرية يا سيدي؟" وهذا الارتباك لدى الجواب لاتراه  لدى بسطاء الناس وإنما لدى الكثيرين من طلاب "مدارس الحرية!" التي "تخرج  الكوادر المكافحة من أجل الحرية...!!!" فما هي الحرية؟ هل هي بضاعة نسعى لكسبها من الأسواق؟ أم أنها لذة من الملذات التي نحلم بممارستها؟ أم هي هدف وطني عام؟ أم أنها ضرورة حياتية لكل مخلوق أرضي؟ 

البعض منا يفهم من النضال في سبيل الحرية انتزاع الحق الوطني أو القومي من العنصريين الشوفينيين، والبعض يفهم من ذلك الوصول شخصياً إلى الممنوع بشتى أنواعه، والتصرف كما يشاء وكما يحلو له اجتماعياً، وإطلاق ما يشعر به في قلبه من ألفاظ ومواقف ومشاعر، دونما خوف من المجتمع الذي يعيش فيه... وفي الحقيقة، لم أجد فارقاً كبيراً بين أشد الدول رجعية وأشدها تقدماً من حيث كثرة القوانين المانعة والتحذيرات من ارتكاب المخالفات وتجاوز الممنوعات، ولكن هناك فوارق في نوعية الممنوعات وأولويات المحرمات المجتمعية، وذلك لأسباب عقيدية أو اجتماعية – اقتصادية، وبسبب الفوارق في التقدم على سلم المدنية والعصرنة، فما يكون في هذا المجتمع من المحرمات ربما يكون في مجتمعٍ آخر حلالاً، وما تجده هنا عيباً ربما تجده هناك مرغوباً أو اعتيادياً. وهنا تختلف النظرة الفردية لك أو العامة حسب الانتماء أو الشعور بأنك من هذا المجتمع أو ذاك. بل إن البعض يحاول استغلال تواجده هنا وهناك للقيام بتصرفٍ ما، ربما يكون طبيعياً في هذه البقعة من الأرض وغير مستساغ في بقعة أخرى، ومثالنا على ذلك هو اقدام بعض الأوربيين على التعري كليةً لدى قضائهم العطلة الصيفية على ساحلٍ من السواحل الأفريقية أو في جزيرة من الجزر الأطلسية، في حين عدم قيامهم بممارسة تلك الحرية في بلادهم إلا في المسابح، على الرغم من أن حريتهم مكفولة بصدد ذلك في ديارهم أيضاً. وهنا نلاحظ تمتعاً أقل بذات الحرية، مقابل تمادي في ممارسة الحق في الحرية هناك. 
عاش الكوردي تاريخياً في بيئة مغلقة اجتماعياً، تم فيها تقييد معظم الحريات بذريعة أن الدين لايسمح بها على الرغم من أن الأصل في الدين هو الحرية والمسموح والمباح، وغير المسموح أو غير المباح قليل ومحدود، كما أن التراكمات الاجتماعية للمجتمع الكوردي العشائري - الاقطاعي قد كرست أو أنتجت ثقافةً معينة أو تصوراتٍ محددة عن "الحرية"، لاتتعدى النضال من أجل خلاص الشعب المظلوم من عبودية المستعمرين، أما الحريات الشخصية فستبقى بعد انتزاع الحرية القومية أو الوطنية كما هي في إطارٍ ضيقٍ نسبياً، لأن مفهوم "الحرية" مختلف عما هو عليه في المجتمعات الأوروبية مثلاً. ولقد تأثرت الأحزاب السياسية الكوردية بمفاهيم المجتمع الكوردي الكلاسيكي ولذلك وضعت "حرية الوطن" في مقدمة أولويات المطالب التي نصت عليها برامجها وأهملت موضوع "الحرية الشخصية" بشكل واضح، حتى أن البعض من أحزابنا مارست قمعاً وسياسة شمولية بحق أعضائها الذين وضعوا التمتع بحرياتهم الشخصية في أولويات حياتهم اليومية، واعتبرتهم فاسدين لايصلحون للحياة السياسية السليمة، أو اعتبرتهم مرضى النفوس، ضعاف القلوب، وغير جادين أو غير صالحين. ومن الأحزاب من منع عن أعضائه حتى حق التمتع ب"حرية الرأي الشخصي" واعتبرته إخلالاً بالولاء للقيادة أو الزعيم أو الالتزام بالقضية الأساسية وبالحزب الذي يناضل لها، لذا يجدر بنا هنا ذكر ما قاله ثاني الخلفاء المسلمين، عمر بن الخطاب (رض)، بهذا الصدد، حيث قال قبل قرون عديدة من تأسيس هذه الأحزاب المناضلة من أجل الحرية:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟" فركز في قوله على حرية الناس أي الأفراد وليس على حرية الوطن أو الديار أو المملكة أو الزعيم أو الحزب.
مصاب الكورد جليل لأنهم يعلمون جيداً خطورة الأوضاع التي يعيشون فيها، إذ يطلب منهم باسم المصلحة القومية أو الحزبية أو باسم الزعيم الذي يعتبر في أغلب الأحوال "معصوماً" أن يضغط على مشاعره الشخصية ورغبته في التمتع بحرياته الفردية، ويكف عن النقد الذي يوجهه للرؤساء ومن يليهم في المناصب الحزبية، بذريعة أن الوقت ليس وقت "الثرثرة" وإنما الالتزام بالنهج الحزبي ودعمه والتستر على أخطاء الحزب الفاحشة، فالقضية "قومية" و"وطنية" وليست "شخصية" أو "إنسانية"... 
وهنا أتذكر قول سياسي ديموقراطي كوردي لي عاش لأكثر من عقدين من الزمان في دولة ديموقراطية اسكندنافية, في مؤتمر (هه ولير) الشهير للجالية الكوردية من خارج الوطن، جواباً على سؤالٍ مني، وجدته هاماً وضرورياً طرحه. حيث قال بصوت عالٍ من على منصة النقاش أمام ذلك الحشد الكبير من الديموقراطيين وغير الديموقراطيين:"أنا غير مستعد للاجابة عن سؤالك أصلاً!". أو ذلك "الديموقراطي" الشهير الذي يقود حزباً "ديموقراطياً" قال بصراحة لصديقٍ لي إنه لايقبل أن أنتقد حزبه على الدوام، وهناك أمثلة وأمثلة أخرى مع الأسف. فكما يبدو إن النقد حتى ولو كان جاداً وصادقاً غير مستساغ أو مقبول ديموقراطياً بين كثيرين من الكورد.
ولذا، علينا التأكد من أننا نستخدم المصطلحات السياسية بشكل صحيح ودقيق، ومنها مصطلحا الحرية والديموقراطية كذلك. فهل يكفي النضال من أجل حرية القوم أو الوطن دون النضال من أجل حرية الإنسان وصون حقه في الحرية ديموقراطياً؟ 
آمل أن يبين لنا زعماؤنا الكورد حدود "الحرية والديموقراطية" من وجهة نظر الأحزاب والزعامات، ويحددوا إطار المسموح لنا نحن الناس في الشارع الوطني، حتى نتأكد من أنهم لايقودوننا إلى المهالك الشمولية في ظل شعاراتهم المغرية وأسماء أحزابهم المزركشة بالحرية والديموقراطية والحقوق.... 
kurdistanicom@yahoo.de    


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.