جان كورد : أوقفوا الانشطار الذاتي في الحركة الكوردية السورية ؟

2012-11-21

 بداية أقول لمن يرسل لنا التهديدات اللاأخلاقية ويشتمنا في أعراضنا وشرفنا ويستغل لذلك البريد الالكتروني لنساء كورديات يتبرأن منهم، بسبب مواقفنا السياسية حيال حزبٍ من الأحزاب أو زعيم من الزعماء، ومقالاتنا التي نكتبها بين الحين والحين من منطلق حرية الرأي بأنه إذا اقترب الإنسان من إنسان آخر أو جماعة من الناس فإنه يجادلهم بلسانه وقد ينتصر عليهم بأفكاره، ولكن إذا ما اقترب من (نوعٍ ما من الحمير) فإن هذا النوع سيرفسه لأنه لايفقه عالم البشر...

 
تعاني حركتنا الوطنية الكوردية في غرب كوردستان من علة "الانشطار الذاتي" منذ زمنٍ طوبل، ولاتمر هذه الحركة بأزمة من أزماتها المتلاحقة، والتي كان آخرها الفشل الواضح في تنفيذ مقررات ما أطلق عليه اسم "الهيئة الكوردية العليا"، إلا ويسارع الإخوة الكوردستانيون، وفي مقدمتهم قيادة اقليم جنوب كوردستان، للاستفسار عن أسباب حدوث ما حدث في صفوف هذه الحركة السياسية الواسعة من مشاكل وانشقاقات وخصومات بين زعاماتها وأحزابها.
 
وبالفعل، فإن قيادة اقليم جنوب كوردستان، و على رأسها سيادة الأخ مسعود البارزاني، الذي يشعر بأنه يحمل هموم "أمة في شقاق" بأكملها، في محاولات مستمرة لرأب الصدع الكوردي أينما حدث. ولكن يبدو أن معظم تلك المحاولات المضنية، التي تأخذ أوقاتاً مهمة من أوقات الإخوة الكوردستانيين، لم تكلل بالنجاح بالشكل المأمول مع الأسف. والأسباب عديدة منها ما يتعلق بنا نحن الكورد في غرب كوردستان ومنها ما يتعلق بمجمل القضية الكوردية وطبيعة المجتمع الكوردي الذي أفرز ولا يزال يفرز شرائح تنظيمية وسياسية متخلفة.
 
ولكن قد تنجح المحاولة الأخيرة الهادفة إلى بناء اتحاد ديموقراطي من قوى كوردية أساسية، هي (البارتي) و (يكيتي) و (آزادي)، على أسس متينة لتقارب هذه القوى من ناحية المناهج والمطالب والطموحات. ويبدو أن بعض قادة وكوادر هذه الأحزاب مقتنعون اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى بضرورة القيام بتحقيق اتحاد فيما بينهم، لأسباب ذاتية متعلقة بكلٍ مكونٍ منها ولأسباب موضوعية تتعلق بتعاظم مسؤوليات الحركة السياسية الكوردية في هذه الظروف العصيبة، وهي مسؤوليات لايمكن لأي طرفٍ القيام بحملها وأدائها بمفرده، مهما أوتي من أسباب القوة. واللجوء إلى السيد البارزاني لابداء الرأي في المشروع مفيد للغاية لما لهذه الشخصية الوطنية الكوردستانية من تأثير مباشر في مجمل الحراك السياسي في غرب كوردستان، ولثقتنا جميعاً في أنه سيقوم بواجبه الكوردستاني حيال دعم وانجاح المشروع. ولكن...
 
كم من المرات عبر الكورد السوريون الحدود بين غرب وجنوب كوردستان في السنوات الأربعبن الماضية لعرض مشاكلهم وشكاويهم على إخوتهم هناك؟ وعلى أثر كل زيارة تعود حليمة إلى عادتها القديمة وتظهر المشاكل الكبرى للحركة من جديد، ويلقي بعضنا اللوم في فشلنا كل مرة على قيادة الاقليم الجنوبي وعلى أحزابه وزعمائه. ولنا في تجربة المؤتمر الوطني الكوردي الأول في عام 1970 دروس وعبر، يجدر تعميق النظر فيها لدى تربية كوادر الحركة المتقدمين، ذلك المؤتمر الذي عقد برعاية البارزاني الخالد مصطفى، ومع ذلك لم تلتزم به الأحزاب الكوردية السورية التزاماً صادقاً، بل كالت له ولحزبه التهم المختلقة والناكرة للجميل.
 
إن على الحركة السياسية الكوردية (السورية) التفكير بشكل عميق في الأسباب الحقيقية الكامنة في انشطارها الذاتي المستديم، والقيام بدراسة علمية وجادة لأسباب فشلها في تحقيق وحدتها أو اتحادها وعدم قدرتها على بناء تنظيمات لا تتعرض إلى التوتر والاتشقاق وتبقى فعالة ونشيطة وفي تطور وتجدد، قبل أن تركض إلى جنوب كوردستان لتبحث هناك عما يوقف نزيفها الداخلي. والوقاية خير علاج كما يقول الأطباء والفلاسفة معاً. فماذا سينفع تأييد السيد البارزاني للمشاريع المختلفة التي نقدمها له ونأمل منه ابداء رأيه فيها والوقوف وراءها، إن عدنا كل مرة وليس في نيتنا تطبيق ما اتفقنا عليه في ديوانه المحترم؟
 
من جهة أخرى، نرى أن أحزاباً كوردية مشاركة منذ البداية كعناصر أساسية في المجلس الوطني الكوردي، الذي باركه وأيده الإخوة الكوردستانيون أيضاً، لم  توحي بأنها ساعية للانضمام لمشروع هذا الاتحاد الثلاثي المزمع تأسيسه بمباركة السيد البارزاني الآن، وكأن الكورد السوريين يقولون:"نحن في مرحلة انشطار ذاتي بنوعية جديدة" أو يقولون:"وداعاً يا مجلسنا الوطني الكوردي"، إذ كيف تتفرق أحزاب المجلس المبارك إلى مجموعتين، كل منهما يؤسس اتحاداً خاصاً به" أم أن هناك اتفاقاً ضمنياً بأن يتكون المجلس الوطني الكوردي بعد الآن من "اتحادين" فقط عوضاً عن هذا العدد الكبير من الأحزاب المنضمة إليه من قبل؟
 
إن كان ثمة اتفاق ضمني ومبدئي بين الديموقراطي الكوردستاني والوطني الكوردستاني على توحيد قوى الحركة السورية الكوردية في اتحادين فقط، فهذا جيد ويدعم نظرة الأستاذ مصطفى جمعة (رئيس حزب آزادي الكوردي) حول الموضوع، على الرغم من أن هذا الائتلاف الثنائي سيدخل تحت عباءة الحزبين الكوردستانيين الكبيرين بقوة وسيتأثر بسياستيهما بشدة، حسب ما لدينا من معطيات وتراكمات تاريخية معروفة لكل العارفين بأحوال الحركة الكوردية، منذ تشوئها وإلى اليوم، بحيث يمكن القول عندئذٍ أن استقلالية الحركة الكوردية السورية ستبقى مرهونة بعلاقة أحزابنا المؤسسة للاتحادين مع جنوب كوردستان، خاصة وإن علاقات الحزبين (الديموقراطي الكوردستاني والوطني الكوردستاني) الاقليمية تفرض عليهما انتهاج سياسات محددة، سواء مع الدول الاقليمية وسواءً فيما بينهما.
 
أما إذا لم يكن هناك اتفاق كوردستاني حول مصير حركتنا في غرب كوردستان، وبالعكس هناك دلائل منافسة تاريخية طويلة الأمد، بين الديموقراطي الكوردستاني والوطني الكوردستاني لاحتواء هذه الحركة، حسب آراء بعض المراقبين لمسار الحركة السياسية الكوردية، فإن محاولاتهما الإيجابية لتأسيس "اتحاد ديموقراطي" و"اتحاد وطني" ستبوء بالفشل الذريع لأن هذا يذكرنا بسلبيات "المناصفة (فيفتي –  فيفتي)" التي عانى منها جنوب كوردستان و لم يتخلص منها حتى الآن، كما أن الأوضاع في إطارها الزمني المتحول بسرعة مذهلة تفرض على حركتنا الكوردية السورية إبتكار أدوات أخرى منتجة محلياً من قبلها لاعادة هيكلة نفسها وتفعيل طاقاتها، ومنها عقد مؤتمر وطني شامل، على أساس حل سائر القيادات والتنظيمات، دون استثناء، واعادة بناء حامل سياسي وطنى ديموقراطي كوردي عصري، يأخذ العمقين الوطني السوري والقومي الكوردستاني بعين الاعتبار، ويحافظ على استقلالية القرار الكوردي السوري، ويبني تنظيماته بصورة حديثة، ويحدد الاطار الاداري الملائم لحجم المكون الكوردي السوري في البلاد، حيث لايمكن محادثة المعارضة الوطنية السورية إلا بلسانٍ كوردي موحد حيال مطالب الشعب الكوردي، خاصة وإن مرحلة "الحقوق المطاطية" قد انتهت لأن الناس يريدون منا وضوحاً تاماً فيما نقوله ونطلبه من حقوق قومية.
 
مثل هذا المؤتمر لايمكن الدعوة إليه وفق منظار الاتحاديين فقط، وانما وفق واقع ما عليه حراكنا السياسي – الثقافي عامة، حتى لاندخل في متاهة المناصفة الحزبية التي لايريدها أحد مخلص لشعبه، والواقع السياسي العام يقول لنا بأن هناك ما وراء أسوار الأحزاب والقيادات وخارج حجرات التصوف الحزبي شعب يريد المساهمة في العمل السياسي الذي هو صاحب التوكيل فيه أصلاً، وذلك عبر تشكيلاته الأخرى أيضاً، من تنسيقيات شبابية وتنظيمات لاتتوافر صفات الحزب الراسخ وشخصيات لها دور في العراك السياسي وفي الحراك الثقافي ومن نسميهم ب"الشخصيات الوطنية" على أقل تقدير، حتى يصبح العمل المؤتمري متكاملاً ومتناسقاً ومنتجاً، لا مؤتمراً على مقاسات قامة الأحزاب التي تريد عقده، كما كانت مؤتمراتنا السابقة. ويجب أن لايستثني هكذا مؤتمر أي فعالية كوردية سورية، طالما هي مع ثورة الشعب السوري، وتؤمن بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وبالحريات السياسية وكذلك بحرية العقيدة وتضع مصلحة الشعب فوق مصلحة الفئة أو الطائفة أو الحزب أو الزعيم، أياً كان.
 
لذا أرى بأن عقد مؤتمر واسعٍ شامل لا اقصاء عنها لأي جموعة من مناضلي هذا الشعب، هو أفضل طريق لبناء اتحاد ديموقراطي أو وطني كوردي سوري، ولابد أن الإخوة الكوردستانيين سيدعمون الفكرة وسيساعدوننا في ذلك. وإن تأسس اتحاد ما قبل ذلك فلا بأس ولكن بشرط أن لايزول عقد هكذا مؤتمر من واجهة الأهمية.



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.