Feqî Kurdan : پانوراما الغرائب الكردية

2012-11-18

ذات مرة قال الشاعر الفرنسي أندريه سواريس:
" يندر أن تفكر في العمق دون أن تتأوّه إن في أعماق كل فكرة آهة ".
وهل هناك كردي غيور لا يطلق الآهات، حينما يفكر بعمق في حال أمتنا؟ وكي تتضح الصورة تعالوا نقارن مسيرتنا عبر التاريخ بمسيرة جيراننا.
هذه مسيرة جيراننا!

لْنبدأ بالفرس، كانوا شعباً بدوياً متخلّفاً، حررهم الميد من الاحتلال الآشوري، وألحقوهم بمملكتهم، لكن الفرس هيمنوا على مملكة ميديا سنة (550 ق.م)، وأسسوا امبراطورية امتدت من حدود الصين شرقاً إلى اليونان ومصر غرباً. وصحيح أن الإسكندر المكدوني أزال امبراطوريتهم سنة (331 ق.م)، لكنهم أعادوا بناءها سنة (250 ق.م)، وصحيح أيضاً أن العرب أسقطوها في منتصف القرن (7 م)، لكن سرعان ما ناضل ساستهم ومثقفوهم منذ القرن (9 م)، للتحرر من العرب، وكانت الدولة الصفوية نتاج جهودهم، ومن عباءة الدولة الصفوية خرجت دولة إيران، وها هي تفرض سلطتها على الشعوب الآريانية، وتقارع القوى العظمى.
ودعونا ننتقل إلى جيراننا العرب، كانوا قبائل بدوية متخلفة ومتصارعة، لكن النبي محمداً وحّدهم بالكلمة والسيف تحت لواء الإسلام في أوائل القرن (7 م)، وقادهم أصحابه لغزو الأمم شرقاً وغرباً، فأسقطوا امبراطوريتي فارس والروم، وأقاموا امبراطورية ضخمة مرهوبة الجانب، حتى إن الخليفة العبّاسي الخامس هارون الرشيد كان يخاطب الغيمة قائلاً: "اذهبي حيث شئتِ، فلا بد أن يأتيني خَراجك". وصحيح أنهم وقعوا تحت هيمنة السلاجقة والمغول والعثمانيين والأوربيين، لكنهم توحّدوا في العصر الحديث تحت قيادة نخبهم، وها هم ينعمون بدول مستقلة.
أما جيراننا الأرمن فوصلوا إلى مناطق القوقاز في القرن (7 ق.م)، وأقاموا دولتهم على أجزاء من بلاد أسلافنا الخَلديين، وفي القرن (1 ق.م) أقاموا امبراطورية قصيرة العمر، وصحيح أنهم وقعوا تحت هيمنة الميد ثم الفرس والپارث (الأشگان) والرومان والروم والعرب والعثمانيين والروس، لكنهم كانوا يتوحّدون بقيادة ملوكهم ومطارنتهم، وها هم يعيشون في دولة مستقلة.
وأما الأتراك فكانوا أيضاً قبائل بدوية متصارعة ومتخلّفة في وسط آسيا، لكن قادتهم السلاجقة وحّدوهم تحت سلطة مركزية، وغزوا بهم غربي آسيا في القرن (11 م)، وسيطروا على أفغانستان وفارس وكردستان والعراق والحجاز وسوريا، واندفعوا كالسيول غرباً في بلاد الروم (آسيا الصغرى)، وأسسوا إمبراطورية ضخمة، ورثها من بعدهم أقرباؤهم الأتراك العثمانيون، وقد حكم هؤلاء الشرقَ الأوسط وشرقي أوربا مدة لا تقل عن خمسة قرون، وها هم قد أقاموا دولتهم الخاصة في تركيا على حساب الكرد واليونان واللاز، وها هم يتصرفون الآن كقوة عظمى.
وهذه مسيرتنا!
منذ سقوط مملكة ميديا في أيدي الفرس سنة (550 ق.م)، عجز أسلافنا عن إقامة دولة مستقلة تماماً في وطننا، إنهم أقاموا دويلات وإمارات مبعثرة، سرعان ما كانت تسقط في أيدي الغزاة. ومن الغرائب أن أكبر مملكة أقامها أسلافنا (المملكة الأيوبية 1171 – 1250 م) لم تنشأ في كردستان، وإنما نشأت في مصر وسوريا، ثم ضمّ إليها الأيوبيون أجزاء من كردستان الغربية والوسطى والشمالية والجنوبية، وسرعان ما سقطت بعد (80) عاماً في أيدي مماليكهم الأتراك.
ترى لماذا كانت تلك حال أسلافنا؟ هل نحن حالة فريدة في التاريخ؟ ألم تبدأ شعوب العالم الأخرى من الصفر؟ قد يقال: إن أسلافنا مرّوا بحالات التخلف والتفرق والتصارع، وكانت بلادنا عُرضة للغزو والاحتلال. حسناً، ألم تمرّ الأمم الأخرى أيضاً بحالات التخلف والتفرق والتصارع؟ ألم تكن عُرضة للغزو والاحتلال؟
وتعالوا الآن نبحث في حالنا المعاصرة، إنها تستحق ألف صرخة: هاوار! إذ منذ خمسة وعشرين قرناً ونحن نراوح في الوضع نفسه، تخلّفٌ، وتفرّقٌ، وصراعات قبلية وحزبية، وتنمّرٌ عجيب على بعضنا البعض، وتخاذلٌ مَعيب أمام المحتلين، وانسلاخ من الهوية القومية، وما إن تشتعل ثورة في جزء من وطننا حتى نحاصرها قبل أن يحاصرها الأعداء، ونقضي عليها قبل أن يقضي عليها المحتلون، ينشط الجهلة والمغفّلون، ويتحرك المتخاذلون والخونة، ويقف الجاش وحراس القرى في صفوف الأعداء، ولا يقرّ لهم قرار حتى تنهار الثورة، ويساق الثوار إلى المشانق.
إنه پانوراما الغرائب الكردية، وقلّما يوجد شعب يملك پانوراما عجيبة كهذه، ومع كل جيل كردي جديد تصبح هذه الپانوراما أكثر غرائبية، فها هم المحتلون- فرساً وتركاً ومستعربين- يضعون أقدامهم على رقابنا، وينهبون ثرواتنا، ويسخّروننا في مصالحهم، يهينوننا حينما يشتهون، ويعلّقوننا من أرجلنا، يعتقلوننا، ويشرّدوننا، يشنقوننا على الرافعات، يطمروننا أحياء في الحُفر، يرشّوننا بالكيماوي، يعلنون أنهم سيبقون أسياداً لنا إلى الأبد، وسنبقى عبيداً لهم إلى الأبد، ولن يسمحوا بأن نعيش على ترابنا الوطني في دولة كردستان المستقلة.
تلك هي قرارات المحتلين وبرامجهم، لكن ماذا فعلنا إزاء ذلك؟ وكيف واجهْنا توحّش الشوفينيين ومكرهم؟ واجهناهم كالعادة بپانوراما الغرائب، جميع ثوراتنا في القرن العشرين بدأت بشعار (تحرير كردستان)، وشعار (يانْ كردستان يانْ نَمان)، وها ها هم ساستنا يُشغلوننا بـ (الإدارة الذاتية، والفيدرالية)، بل إن بعض ساستنا يريح المحتلين ويبدّد قلقهم، فيقول: إقامة دولة كردستان (حلم).
يا للعجب! ألأجل هذا قدّم مئات الألوف من شهدائنا دماءهم؟
أهذا هو الإرث المَجيد الذي نتركه لأحفادنا؟
أما حان أن نضع حداً لپانوراما الغرائب؟
ومهما يكن، فلا بدّ من تحرير كردستان!
 17 – 11 – 2012

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.