جان كورد : الكوردي بين الوطنية والحزبية

2012-10-05

لنبدأ موضوعنا بحوارٍ قصير, فتصوروا معي لقاءً بين شخصين على الشكل التالي:

الأول: - ماذا أنت؟
الثاني: - أنا وطني.
الأول: - ماذا تفهم من الوطنية؟ 
الثاني: - الدفاع عن القضية الوطنية وحماية اللغة القومية والتراث والعادات والشخصية القومية.
الأول: - حسناً, في هذه الحال, ألا يمكن أن تكون حزبياً ووطنياً في الوقت ذاته؟
فيتلعثم الثاني لأنه لايدري كيف يجيب إجابة صحيحة, أو أنه لايريد الإجابة عنه ب"نعم" لأن ذلك سيفتح عليه باب سؤالٍ أكبر, ألا وهو: طالما الحزب يدافع مثلك تماماً عن القضية والثقافة والشخصية القومية, فلماذا تتهرب من تحمل قسطٍ من واجبك الوطني الذي يشمل حماية الحزب العامل من اجل الأفكار والقيم ذاتها؟ 
في الحقيقة ليس هناك خلاف كبير بين "الحزبيين" و"الوطنيين" الكورد في موضوع الدفاع عن الشعب والقضية والتراث الثقافي لهذا الشعب المضطهد من قبل عنصريين متخلفين عن ركب الحضارة الإنسانية, والشعب الكوردي لايكتمل بدون وجودهم جميعاً, ولكن الفارق بين "الحزبي" و"الوطني" هو أن الأول ملتزم بجهة منظمة ويؤدي واجباته المطلوب منه أداؤها, مثل دفع الاشتراكات الشهرية وحضور الاجتماعات والمشاركة في النشاطات والالتزام بسياسات معينة, في حين أن الوطني يسعى لأن يظل مقرباً من قيادات الحزب الذي يؤيده وأن تسمع آراؤه في كل موضوع ومناسبة دون أن يكلف نفسه القيام بأي واجب حزبي لأنه غير ملتزم وليست له بطاقة انتساب حزبي. كما أن الفارق بين الحزبي والوطني هو أن الأول ملتزم بالتراتب التنظيمي ولايسمع إلا ما يأتيه من القيادة عن طريق التسلسل الهرمي, أو أنه يسمع بعض أخبار حزبه عن طريق جاره أو صديقه "الوطني", الذي له "علاقات!" مع قيادته. وهذه هي إحدى الحقائق المرة في تاريخ حركتنا الوطنية الكوردية. 
وبسبب المشاكل الكثيرة والانشقاقات العديدة وعدم قيام أحزابنا بواجباتها على أحسن وجه, والضباب الذي يلف علاقات بعضها ببعض وبالقوى الأخرى من خارج الحركة, فإن نسبة التاركين لصفوفها في تزايد في حين أن عدد المنضمين إلى التنظيمات الكوردية في تضاؤل, والملتزمون أنفسهم في حالة عدم رضا أو تذمر أو تمرد على القيادات الحزبية, حتى بعد تأسيس المجلس الوطني الكوردي, الذي لانعلم إلى الآن من هو ملتزم بقراراته ومن هو غير ملتزم حقاً.
في مثل هذا الوضع السيء لحركتنا الوطنية, لابد من السؤال عما يجب القيام به لرفع مستوى التنظيم السياسي الكوردي, ولذا لابد أن نسأل هؤلاء الوطنيين الذين يؤلمهم ما يرونه من حال رديئة عن الأسباب التي وراء بقائهم خارج كل هذه التنظيمات الكوردية, فسنجد أجوبة كهذه:
- ظل النظام الأسدي على الدوام رهيباً في سياسته القمعية حيال الحركة الكوردية, وأنا أوضاعي الشخصية والعائلية لاتتحمل الانتساب إلى حزبٍ سياسي, فهذه مسألة مضنية وخارج طاقاتي الآن.
- بعض زعماء الحركة متعاملون سراً مع النظام, فلماذا أنضم إليها, وأنا غير متأكد من نظافتها من ناحية الولاء للشعب الكوردي, وبعضهم غير ديموقراطي يتمسك بالكرسي حتى الموت أو يورثه لابنه أو أخيه من بعده.
- الحركة الكوردية ضعيفة ولاتستطيع أداء واجباتها, لذلك أرى الانتساب إلى حزبٍ من أحزابها عبثاً أو عملاً لاطائل تحته.
- الحركة الكوردية لاتملك شعاراً سياسياً واضح المعالم كالحكم الذاتي أو الفيدرالية, وهذا يجعلني أبقى خارجها.
- الحركة الكوردية غيرمستقلة في قرارها السياسي, وهي تأخذ توجيهاتها من خارج كوردستان سوريا.
- الحركة الكوردية فيها عدد كبير من الأحزاب التي لامبرر لوجودها ولانعلم سبب عدم توحدها, رغم هذه الظروف الخطيرة, وسأنضم إليها عندما أراها قادرة على تقليل تنظيماتها إلى أقل من النصف على الأقل.
وبالنسبة للمرأة فإنها تقول: الحركة لاتعطي المرأة الكوردية أدواراً قيادية أو مراكز أساسية, بدليل ما نراه من عدد الرجال في قيادتي المجلس الوطني الكوردي, والهيئة الكوردية العليا. في حين أن الشباب الكوردي يتهم القيادات بأنها كلاسيكية متخلفة عجوزة وغير قادرة على تفهم التغيرات المعاصرة في المجتمع الكوردي والسوري, ولذا سنبقى خارجها.
وما عدا مشكلة الانشقاقات والعلاقات الضبابية مع القوى الخارجية, فإن معظم هذه التهم ألقيت على الحزب الاشتراكي الديموقراطي في ألمانيا في ثمانينيات القرن الماضي أيضاً, ولكن هذا الحزب لم ينكر الاتهامات الموجهة إليه, بل شكل هيئة خاصة بمعالجة تلك المشاكل من خبراء السياسة والتنظيم والاجتماع لتقدم لمؤتمره التالي تقريراً بذلك, يتضمن مسحاً شاملاً لنقاط ضعف الحزب ومعالجة حقيقية للمشاكل ومقترحات محددة للخروج من ظلام تلك المرحلة, وبالفعل فقد جاء ما يعرف ب"أطروحة باد غودسبرغ" نسبة إلى حارة من حارات مدينة بون التي كانت آنذاك عاصمة البلاد, بمقررات حاسمة وتعديلات عديدة لبرنامج الحزب المرحلي وتأكيدات على تنفيذ المقترحات التي قرأها المؤتمرون وتناقشوا طويلاً حولها, وبذلك استطاع الاشتراكيون – الديموقراطيون الانطلاق مجدداً وكسبوا مزيداً من الوطنيين المؤيدين كأعضاء جدد وأعادوا بذلك كثيرين من الأعضاء المستقيلين من تنظيماتهم, وأسكتوا المتذمرين بين صفوفهم ووحدوا مسيرة حزبهم, لأنهم أخذوا النقد الجماهيري مأخذ الجد, ومارسوا النقد الذاتي بشكل جاد أيضاً في مؤتمرهم. 
أنا شخصياً كمواطن كوردي لا أضع "الحزبي" في ذات الدرجة التي عليها "الوطني", على الرغم من أن الوطني قد يفيد حزباً من الأحزاب أكثر من الملتزم الحزبي الذي (لايهش ولايكش), وقد تستفيد من نصائحه  الزعامات والقيادات دائماً, ولكن يجب أن لاتهمل الأحزاب أهمية الملتزم تنظيمياً لأنه كما يقال (عصفور في اليد أفضل من عشرة صقور على الشجرة), ولكن يجب بذل جهودٍ مضنية لاقناع الكوردي الوطني بأن التزامه بحزبٍ من الأحزاب الكوردية أو مجلسٍ من مجالسهم السياسية لايقلل شيئاً من وطنيته, بل يزيده قدرةً على مساهماته في خدمة الشعب الكوردي وبناء تنظيمه السياسي, الذي بدونه لايمكن تحقيق شيء عملي وواقعي.