جريدة آزادي العددان ( 446 و 447 ) أب وأيلول 2012‎

2012-10-04

مصطفى أوسو : المعارضة السورية والشعب الكردي في سوريا

بداية وقبل كل شيء ، لا بد من القول: أن الشعب الكردي في سوريا ، شعب أصيل وقومية أساسية في البلاد ، كما أنه جزء من الشعب السوري ، وانطلاقاً من ذلك فأنه يجب أن يتمتع بالشراكة الكاملة الحقيقية والفعلية في هذا الوطن في جميع الحقوق والواجبات بدون تمييز أو اضطهاد ، وعلى قدم المساواة مع المكونات الأخرى للمجتمع السوري.
 
   وأن القضية الكردية في سوريا هي جزء من قضية الديمقراطية والوطنية العامة في البلاد ، وبالتالي فأن حلها بشكل ديمقراطي من خلال الإقرار بوجوده وهويته القومية دستوريا ً، واعتبار لغته لغة رسمية في البلاد ، والاعتراف بحقوقه القومية المشروعة وفق القوانين والمواثيق والأعراف الدولية ، يعَدُّ مدخلاً هاماً لمعالجة جميع القضايا الداخلية في سوريا الجديدة ، بعد عقود طويلة من القمع والظلم والفساد والاستبداد والاضطهاد والاستئثار بكل شيء.
 
  نأتي على ذكر هذه المقدمة، للوقوف على طريقة تناول وتعاطي المعارضة السورية على اختلاف أطرها وأطيافها وتياراتها ، مع الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا ، وبشكل خاص بعد اندلاع الثورة السورية المباركة ، لعلنا نساهم قدر الإمكان، في تعميق وتطوير الحوار الوطني الديمقراطي بين جميع الشركاء في هذا الوطن حول هذه القضية ، وبالتالي البحث معاً عن الحلول التي من شأنها تحقِّق المساواة الحقيقية بين جميع المواطنين السوريين ، بالانطلاق من أن سوريا المستقبلية ، يجب أن تكون دولة ديمقراطية متعددة القوميات والأديان والطوائف ، ذات نظام برلماني تلتزم المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، تعتمد مبدأ المواطنة المتساوية وسيادة القانون.
 
  وفي الحقيقة وكما هو معروف ، فإن مواقف جميع أطر وفصائل وتيارات المعارضة السورية ، من الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا ، لا تزال حتى هذه اللحظة تتسم بالكثير من بالضبابية وعدم الوضوح ، أن لم نقل بالسلبية أيضاً ، حيث إنها حاولت وتحاول إقصاءه من المشهد السوري المقبل ، والشطب على وجوده التاريخي الأصيل ، وإنكار خصوصيته المتميزة ، وعدم الاعتراف بحقوقه القومية الديمقراطية ، وهذا ما ظهر بشكل واضح في العديد من أقوال وتصريحات قادة المعارضة ، السياسيين والعسكريين ( برهان غليون، صدر الدين البيانوني، رياض الأسعد ) وكذلك في العديد من المؤتمرات التي عقدتها،هنا وهناك، كما جرى مؤخراً في مؤتمر القاهرة في أوائل شهر تموز 2012
 
  ونعود مرة أخرى لنقول : إن الشعب الكردي في سوريا جزء من الشعب السوري، وأصبحت قضيته القومية إحدى تجليات القضية الوطنية الديمقراطية في البلاد ، نتيجة اتفاقات ومعاهدات دولية ، فرضت تاريخياً على شعوب المنطقة وبمعزل عن رغباتها وإرادتها ومصالحها، وتجسيداً للمصالح الإستراتيجية لبعض الدول الطامعة بالمنطقة وخيراتها.
 
  ولكن وبكل أسف ، فأن هذه القضية الوطنية الديمقراطية ، بقيت بدون حلول موضوعية ، وتعرضت إلى مختلف أشكال وصنوف التضليل والتشويه ، ومحاولة الشطب عليها وعلى مجمل تاريخ الشعب الكردي ونضاله وتضحياته ودوره في حياة سوريا ، خاصة في مرحلة الكفاح من أجل استقلال البلاد ، وكذلك في المراحل التالية لها ، وذلك كنتيجة طبيعية لواقع السياسة الإنكارية والإقصائية والإلغائية المرافقة لطبيعة النظام الشمولي الحاكم وبنيته الإيديولوجية والفكرية والسياسية والأمنية والتنظيمية.
 
  وعلى ما يبدو ، فأن هذه السياسة العنصرية والشوفينية القوموية تجاه الشعب الكردي في سوريا ، والخالية من الحس الوطني السليم والمسؤولية تجاه البلاد وقضاياه الأساسية ، التي اتبعها النظام منذ مجيئه إلى سدة السلطة بقوة العسكر وحتى الآن ، أسست لثقافة إلغائية وإقصائية واستعلائية في المجتمع السوري ، انعكست بهذا الشكل أو ذاك على قطاعات واسعة من الشعب السوري ، بما فيه القوى السياسية والنخب الثقافية والفكرية والمدنية وحتى العاملين في مجال حقوق الإنسان.
 
  ومن المؤسف حقاً ، والشعب السوري الثائر ، على اختلاف انتماءاته القومية والدينية والمذهبية ، منذ حوالي السنة والنصف، في سبيل الديمقراطية والحرية وإسقاط النظام ، يواجه آلة النظام القمعية الدموية والتدميرية ويقدم التضحيات والقرابين ، لتحقيق تلك الأهداف والغايات ، أن تكون المعارضة السورية ، لا تزال تحمل في طيات منظومتها الفكرية والسياسية بذور هذا الفكر العنصري الشوفيني القوموي الذي زرعها النظام ، والذي لا يخدم بأي حال من الأحوال مصلحة النضال الوطني الديمقراطي المشترك بين أبناء الشعب السوري وتعزيزه ، ولا يخدم أيضاً مستقبل التطور الديمقراطي للبلد.
 
  وباعتقادي فأن التناول الموضوعي الصحيح والسليم لواقع الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا ، من جانب المعارضة السورية، يعطي المصداقية لطروحاتها وأفكارها ورؤاها المستقبلية على طريق بناء سوريا الجديدة ، الديمقراطية التعددية الخالية من جميع أنواع القمع والعسف والاستبداد والاضطهاد والتمييز القومي أو الديني أو المذهبي ، والعكس صحيح أيضاً.
 
  ومن هنا ، فأن على المعارضة السورية ، النظر إلى الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا ، بروح المسؤولية التاريخية ، والانفتاح عليها بعقلية جديدة تنسجم مع متطلبات المرحلة الراهنة بكل تجلياتها وآفاقها الحاضرة والمستقبلية ، والبحث عن أفضل الحلول لها ، والعمل من أجل تأمين مستلزمات حوار وطني ديمقراطي بين جميع مكونات المجتمع السوري وقواه السياسية والمدنية والثقافية والفكرية والحقوقية ، يتفهم فيه كل طرف خصوصية بقية الأطراف الأخرى ومصالحهم ورؤاهم وحقوقهم ، لتأسيس جبهة وطنية ديمقراطية واسعة ، تكون عاملاً هاماً في الإسراع والتعجيل بإسقاط النظام ورحيله وإنهاء القمع والاستبداد ، والتصدي لتحديات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها على مختلف الأصعدة.
 
المرفقالحجم
Azadi_446_447.zip‏1.02 م.بايت