جان كورد : ليس دفاعاً عن البارزاني وانما عن الحق والعدالة

2012-10-03

بدايةً, برأيي أن للهجوم السياسي على شخص السيد مسعود بارزاني هذه الأيام علاقة وثيقة بمدى التنسيق بينه وبين الحلف الأمريكي – التركي – السعودي – القطري حيال الملف السوري, والقضية أكبر حجماً من الدائرة الكوردية التي نجدها وسط العواصف التي تعصف بها من اطراف عديدة وفي المربعات التي تتحارب عليها كل من ايران وتركيا

مما يجعل القضية أصعب من أن نوضحها بمقال مقتضبٍ كهذا, ولقد حاولنا شرح انعكاسات الصراع التركي – الايراني على أمتنا واحزابنا وزعمائنا في عدة مقالاتٍ من قبل, لا أعلم هل قرأها أحد أم لا... لذا أتطرق قدر الامكان إلى جانبٍ من المسألة الشائكة هذه المرة أيضاً.   

لا أدري كيف يمكن لبعض من يشتغلون بالسياسة منذ عقودٍ من الزمن, أن يمارسوا سياسات عارية من الانصاف والحق والعدالة, وأن يتناقضوا مع أنفسهم, فيباركون اللقاءات السرية والعلنية لطرفٍ كوردي مع جهةٍ اقليمية, ويعتبرونها انتصارات وانجازات لحزبهم أو لزعيمهم, ويعتبرون في الوقت ذاته قيام طرفٍ كوردي آخر بلقاءات علنية تتم مع ذات الجهة الاقليمية, وكأن هذا الطرف ارتكب جريمة الخيانة الوطنية بحق شعبه الكوردي. فهل يحاول بعض قادة حزب الاتحاد الديموقراطي استغباء الكورد في وضح النهار بتهجم أنصاره الفاضح على زيارة رئيس اقليم جنوب كوردستان, كاك مسعود بارزاني إلى مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي الذي يترأسه السيد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان, فيدفع حزب الاتحاد الديموقراطي بأعوانه في مدن كوردية بغرب كوردستان للتظاهر ضد زيارة البارزاني لتركيا ويتهم من يؤيد حزب أردوغان بالخيانة للأمة الكوردية, وذلك بعد أن نشر الاعلام التركي أخبار لقاءات سرية وعلنية سابقة بين قيادة حزب العمال الكوردستاني (الحزب الأم للاتحاد الديموقراطي) والحكومة التركية, وبالتحديد بين زعيم الحزب العمالي الذي يعتبر المرجعية الكونية العليا للاتحاد الديموقراطي وقيادته... 
أنا أفهم أن يظل أحد نخرت آيديولوجيته الشيوعية عظامه والغت عقله على موقفه العدائي لكل ما يصدر من مواقف ومبادرات عن البارزاني المتحالف منذ زمنٍ طويل مع المام جلال الطالباني وحزبه الاشتراكي – الديموقراطي (الاتحاد الوطني الكوردستاني) ويحكمان معاً اقليم جنوب كوردستان, بمعنى أن يعادي المتأدلج هذا التحالف الكوردستاني المتفق على كثيرٍ من السياسات القومية والمتعلقة بإدارة الاقليم وبالعلاقات الدولية, رغم خلافاتٍ جانبية طبيعية بحكم الاختلاف في البنى الاجتماعية والتركيبة التنظيمية والأهداف العليا لكلٍ منهما. مثل هذا العداء نجده في العالم المتمدن أيضاً, كما هو الحال بين الشيوعيين الألمان والأحزاب التي على يمينهم اجمالاً, ولكن أن يصل العداء لدرجة اتهامها بالخيانة الوطنية لأنها تقيم علاقاتٍ مع دول جارة, يمينية النظم السياسية أو يسارية, فهذا سيعتبر في نظرالشعب الألماني امتهاناً لسياسة غير لائقة بالحزب الشيوعي أو سواه. 
وإذا ما نظرنا إلى الوراء قليلاً لرأينا علاقاتٍ سياسية ذات انحناءات بيانية مثيرة للانتباه بين حزب العمال الكوردستاني, الذي أنجب حزب الاتحاد الديموقراطي, وبين الحزب الديموقراطي الكوردستاني الذي يترأسه السيد مسعود بارزاني, والذي لم يخفي في يوم من الأيام علاقات حزبه مع الحكومات التركية والسورية والايرانية, حيث كان شعبه وحزبه في جنوب كوردستان يتعرضان لأبشع حملات التنكيل والابادة عقوداً طويلة من الزمن, دون أن يفعل العالم, الاشتراكي وغير الاشتراكي, شيئاً للدفاع عنه, وقاوم حروب الابادة, تماماً مثل حليفه اليوم ومنافسه في الماضي, الاتحاد الوطني الكوردستاني, بتطوير علاقاته الاقليمية والدولية والكوردستانية باستمرار.
 في بداية نشوء حزب العمال الكوردستاني أقام علاقاتٍ متينة مع الديموقراطي الكوردستاني الذي كان وقتها السيد مسعود بارزاني رئيسه, ويحكي الأخ صلاح الدين جليك, من الكوادر المؤسسة للعمالي الكوردستاني, في كتابه القصصي باللغة الكوردية, كيف أن الديموقراطي الكوردستاني كان يدعم حزبه ويفتح لكوادره ومقاتليه صدره في تلك الجبال التي هجرتها الحياة الاقتصادية وتركتها الحروب في حالةٍ من الدمار المخيف, رغم قساوة الظروف التي كان يمر بها الديموقراطي الكوردستاني ذاته. ثم عندما أقام الحزب العمالي علاقاتٍ وشيجة مع نظام حافظ الأسد في سوريا, ودخل مع الأيام في تبعيةٍ لامثيل لها للنظام الذي دمر حياة الشعب الكوردي في غرب كوردستان, انقلب الحزب العمالي على إخوته الكورد الداعمين له في جنوب كوردستان, ونقل معركته الرئيسية من شمال كوردستان إلى جنوبها, بعد التهديد الشهير لحافظ الأسد بأن يداه طويلتان في العراق, ثم بعد أن تحسنت العلاقات من جديد بين الحزب العمالي والديموقراطي الكوردستاني بعد اعتقال واختطاف رئيسه السيد أوجالان, صار الحديث عن الفترة التي سبقت ذلك التحسن في العلاقات, "نبشاً لاطائل تحته في ركام الماضي الذي تركناه وراءنا" لدى المدافعين عن سياسات الحزب العمالي, بل راح البعض منهم يتغنى بالبارزانية ويشيدون بالقائد الكوردستاني الأخ مسعود البارزاني و"سياساته الأخوية الحكيمة", فهل انتهى العناق الحار ليصبح الإخوة أعداءً الآن؟ وهل انتهى عهد السلام والعناق لان المصالح الاستراتيجية لبعض الدول الاقليمية تقتضي ذلك؟
لقد تم رمي حبل الانقاذ لحزب الاتحاد الديموقراطي مرتين في أقل من عامين, ففي المرة الأولى وقع معه المجلس الوطني الكوردي وثيقة عمل مشترك, بعد تأسيسه مباشرة, والكل يعلم أن الحزب الديموقراطي الكوردي في سوريا (البارتي), كان من الداعمين لفكرة فك العزلة عن حزب الاتحاد الديمقراطي, وهو لايمارس سياساته دون التشاور بصددها مع قيادة الديموقراطي الكوردستاني, بمعنى أن السيد البارزاني علم بذلك ووافق على تحقيق تقارب فعلي وجاد بين أنصاره (البارزانيين) وحزب الاتحاد الديموقراطي (الآبوجيين), أو على الأقل فإنه غض الطرف عن ذلك ولم يبد أي امتعاض في وجه التحالف بين الكورد السوريين جميعاً, وفي المرة الثانية, كان البارزاني مسعود هو من دعا إلى تحالفٍ كوردي سوري أوثق بمبادرته الشهيرة في دعوة الأحزاب الكوردية السورية ومن ضمنها حزب الاتحاد الديموقراطي لاعلان "الهئية الكوردية العليا" على الرغم من أن بعض المثقفين الكورد السوريين اعتبروا تلك المبادرة الناشئة بحكم ظروف اقليمية ودولية مجرد "حبل انقاذ" لحزب الاتحاد الديموقراطي الذي وقع في أخطاء سياسية بسبب سيطراته العسكرية وممارسات بعض أتباعه غير المتمرسين في ذلك المجال, مما أربك المواطنين وأثار نقداً واسعاً ولاذعاً بينهم, فتعالت الأصوات الرافضة للدخول في ظل هذا الحزب الذي يبدو وكأنه لايقبل بوجود أي منافس له, في مرحلة يثور فيها الشعب السوري بأسره من أجل نيل الحرية التي حرم منها عقوداً من الزمن, ومن أجل بناء سوريا التعددية والديموقراطية. ومن هؤلاء المثقفين من انتقد السيد البارزاني على ما اعتبروه خطأ فادحاً سيضر برفاقه في الحزب الديموقراطي الكوردي (البارتي) قبل أن يضر بأي طرف آخر. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ 
إذا كان حزب الاتحاد الديموقراطي مستقلاً بسياساته عن حزب العمال الكوردستاني فعلاً كما يزعم بعض رجالاته, فلماذا يقف إلى هذه الدرجة من القساوة ضد حزب العدالة والتنمية التركي الذي يدعم أطرافاً واسعة من المعارضة السورية, المدنية والمسلحة, ويأوي عشرات الألوف من اللاجئين السوريين, الذين من بينهم عدد من بني القوم الكوردي أيضاً؟ ولماذا لايستفيد من التناقضات السورية – التركية, كما استفادت الأحزاب في جنوب كوردستان من التناقضات الايرانية – العراقية في عهد صدام حسين, أو كما استفاد الحزب العمالي الأوجلاني من الخلافات السورية – التركية في عهد حافظ الأسد؟ أما إذا كان غضب الاتحاد الديموقراطي على أردوغان وجماعته "الإسلامية" بسبب الحرب على كوردستان, فلماذا لايظهر أي اعتراض أو لاينشر أي بيان يدين فيه اللقاءات السرية والعلنية لحزب أردوغان مع حزب العمال الكوردستاني ورئيسه المعتقل؟ 
من ناحيةٍ أخرى, لننظر إلى خطاب السيد مسعود بارزاني, في مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي, ولنسأل عما إذا كان خطابه قد أضر بالقضية الكوردية أم نفعها:
قبل كل شيء, هذا أول خطاب باللغة الكوردية لزعيم كوردي في مؤتمر حزب تركي, أمام حشد كبير من الضيوف وعدسات التلفزيون التركية والعالمية. وأظن بأن زعيماً كوردياً آخر من الذين يقدسهم حزب الاتحاد الديموقراطي كان سيتجنب القاء خطبته في ذلك المؤتمر باللغة الكوردية, وقد تطرق السيد البارزاني فيها إلى العلاقات التركية مع العراق واقليم كوردستان العراق, ودعا إلى نبذ العنف واعتماد سبيل الحوار والسلام لتطوير العلاقات وحل المشاكل بين الكورد والترك, وأكد على أن حكومة السيد أردوغان تسير في الاتجاه الصحيح في مسعاها من أجل حل المشكلة مع الشعب الكوردي. وأشاد بزيارتين للسيد أردوغان, مرةً إلى ديار بكر ومرة إلى عاصمة اقليم كوردستان العراق (هه ولير). فماذا يضر في هذا الخطاب الهام بالشعب الكوردي؟ أفلا يؤدي هكذا انفتاح أردوغاني مقابل تجاوب كوردستاني إلى مزيد من العلاقات الايجابية لشعبنا الكوردي مع الشعب التركي والحكومة التركية مستقبلاً؟ أم أن هذا يسد باب العلاقات ويدمرها؟ وهل المطلوب دبلوماسياً من السيد مسعود بارزاني الآن أن يطالب في خطابه بتحرير الكورد وكوردستان من الدولة التركية؟ أو أن يحشر نفسه فيما بين الحكومة التركية وحزب العمال الكوردستاني من علاقات سرية وعلنية؟ 
أعتقد أن من الظلم وعدم الانصاف القول بأن تأييد سياسة الاتجاه نحو الانفتاح الأردوغاني على الشعب الكوردي "خيانة وطنية", في الوقت الذي يعرض حزب الاتحاد الديموقراطي على النظام السوري الأسدي بأن يسلمه مهمة حماية غرب كوردستان له, كما نقل موقع آفستا كورد على لسان السيد صالح مسلم, رئيس هذا الحزب بالشراكة. ومن الضروري أن يتراجع هذا الحزب عن هكذا اتهامات غير واقعية, إذ لايمكن الاشادة بالنفس الكوردستاني الأخوي للبارزاني في الربيع واتهامه مع نهاية الصيف بالخيانة كما قرأنا على لافتات ولوائح أنصار حزب الاتحاد الديموقراطي...وإن لم تكن هذه الكتابات غير الدقيقة في مظاهرته الرافضة لزيارة الأخ البارزاني إلى أنقرة بأوامر من قيادة حزب الاتحاد الديموقراطي فليتبرأ منها ببيان أو بتظاهرة معاكسة, ولديه الامكانات لذلك, فطائرات النظام الأسدي وشبيحته كما نعلم لاتهاجم نشاطاته وفعالياته وسيطراته المسلحة وكذلك نشاطات وفعاليات بعض حلفائه من الأحزاب الكوردية فقط لأسباب معروفة حتى لأبسط الناس.