جان كورد : نظرة في مفاهيمنا الدينية والسياسية

2012-08-30

قد نجد اليوم مئات الألوف من شباب الكورد الذين يسمون ب"زرادشت" تيمناً بتلك الشخصية الدينية العظيمة التي كانت أركان عقيدتها "طهارة الفكر والقول والعمل" وهي في الحقيقة أركان مختلف الأديان التي سعت لاتقاذ الإنسان من شروره الخاصة ومن شرور مجتمعه والعالم الذي يحيط به، كما أن زرادشت هو القائل بأن قوة الخير والشر في صراعٍ أبدي سينتهي بالانتصار التام للخير على الشر ودحره تماماً.

ولكن قليلون هم الشباب الكورد الذين يعلمون بأنه حسب شريعة "زرادشت" لن تدخل أمه أو أخته أو حبيبته الجنة، لأن زرادشت كان مؤمناً بأن المرأة لن تدخل الجنة، حيث كتب ديفيد آيكه، صاحب المعرفة العميقة بالأديان والحركات السرية، في كتابه الشهير "السر الأكبر" مايلي:"كان زرادشت معادياً للنساء، ويقول إنهن لن يدخلن الجنة أبداً، باستثناء الخاضعات منهن، واللواتي عاملن أزواجهن على أنهم أسيادهن!".(ص 110).
مثل هذا المفهوم خاطىء من الأساس لأن الله تعالى خلق الرجل والمرأة لبعضهما البعض من ذات المستوى في الكرامة على الرغم من اختلاف وظيفتهما الجسدية، وسيحاسب - حسب العقائد السماوية الكبرى – كلاً منهما على أعمالهم بعدالته المطلقة. ونرى بأن القصة الاسرائيلية عن الشيطان الذي تمثل في شكل حية وخدع حواء التي بدورها أقنعت زوجها آدم بالاكل من شجرة التفاح، مختلفة لدى المسلمين، حيث "وسوس لهما الشيطان" فالمرأة لم توقع زوجها في الفخ وهي بريئة من التهمة الموجهة إليها تاريخياً، والشجرة غير معروفة النوع أصلاً، ولاوجود لأفعى في الموضوع ذاته في القرآن الكريمن والموضوع لايتعدى الامتحان الرباني لمخلوقه الإنسان. عندما ذكرت هذا لسيدة ألمانية مثقفة جداً ومضطلعة على مختلف الأديان، استغربت وتساءلت:"كيف لاأعلم هذا حتى الآن؟".
هنا لابد من القول بأن جملةً من المفاهيم الدينية والسياسية تأخذ جانياً كبيراً من حياتنا ولكننا لانعلم بأنها خاطئة أو واهية لدرجة مناقشتها بموضوعية تنهار بين أيدينا بسرعة، واختار مثالين آخرين فقط للدلالة على النظرة التي أراها صحيحة: المثال الأول هو أن القرآن الكريم يقول "لايبدين زينتهن" بصدد حجاب المرأة، وزينة الأذن الحلق كما أن زينة الأنف الخشم، ففسرها البعض من العلماء على أن القرآن يعني بذلك "لايبدين وجوههن!" والفارق بين الزينة والوجه كبير في اللغة، فجعلوا بذلك المرأة كلها زينة وألبسوها الأسود من الثياب وكأنها في عزاء أبدي، والمثال الآخر هو القول بأن فلان "خليفة الله" في الارض، والخليفة تكون لغائبٍ أو ميت، والله حي لايموت وحاضر أبداً، والحقيقة هو أن الناس خلفاء لبعضهم بعضاً في الأرض، كما نسل سيدنا آدم خليفة لمخلوقات أقدم منه ملؤوا الأرض فساداً وسفكوا دماء بعضهم بعضاً إلى أن انتهى وجودهم، وهذا ما نقرأه أيضاً في القرآن الكريم، لدى اعلام الله تعالى ملائكته بخلق آدم....
هناك مفاهيم سياسية خاطئة وكثيرة منتشرة بين شبابنا، وبين بعض مثقفينا البارزين أيضاً، منها الاعتقاد بأن هذا الحزب أفضل وأصح نهجاً لأنه يمتلك شعبية كبرى، وفي الحقيقة فإن دكتاتوريين رمتهم البشرية إلى مزبلة التاريخ كانوا أيضاً ذوي قوة شعبية هائلة فعلاً، ومنهم أدولف هتلر الذي كان له في كل بيتٍ ألماني ونمساوي أحد المؤيدين على الأقل... وهل نسينا المسيرات المليونية في حلب ودمشق تأييداً للأسد، أو عظمة ذلك الجيش العراقي قبل أن يختفي قائده الأعلى في جحر ضب؟ أم نسينا التجمعات الشعبية الهائلة في بنغازي وطرابلس وهي ترقص برايات وصور"القائد الأبدي" معمر القذافي"؟
وهناك - مع الأسف – مثقفون نعتبرهم قدوة في البذل والانتاج الثقافي الكوردي الأصيل، ولانشك بأنهم يحملون في صدورهم قلوباً مفعمة بحب الكورد ووطنهم، قد فقدوا بسبب الانتكاسات المتتالية والمخزية لبعض زعامات حركتنا السياسية إيمانهم بالهدف الأعلى للأمة الكوردية، ألا وهو هدف الوحدة والحرية والحياة معاً على أرض واحدة، فشرعوا ينفضون هذه "المفاهيم!" كنفض المؤمن للذنوب عن نفسه، والعامل للغبار عن ثيابه. وأي مفاهيم؟ تلك التي رضعوها من ديوان "مه م وزين" وترنموا بها مثل شيخهم الكبير أحمدى خانى، الذي نبهنا إلى أن الهدف الكبير لن يتحقق بدون قتال وجدال و"تهور!" كما أسهب في ذلك في مقدمة ديوانه هذا، وستبقى كلماته الخالدة تلك شعلة تنير طريق الأجيال الكوردستانية إلى الأبد.
إن مفهومنا عن تقديس أي زعيم أو حركة أو مجموعة من الحركات هو مفهوم خاطىء بالتأكيد، ولكن الوفاء لهدف الحرية والذين كافحوا من أجلها ولم يتزعزعوا في مواقفهم الشجاعة شيء آخر.
هناك ثوابت كوردية / كوردستانية محفورة في أعماقنا ومسطورة على قلوبنا لايستطيع أحد، مهما كان نابغة أو عبقرياً أو سياسياً، تحريف شبابنا عنها، ومنها أن للأمة الكوردية الحق في أن تتمتع باستقلالها وحريتها على أرض وطنها كوردستان، وأن للكورد راية قومية واحدة ضحى من أجل الحفاظ عليها مرفرفة في العلى قادة عظام ومئات الألوف من شهداء الكورد، وهي ترمز إلى وحدة هذه الأمة، ولنا يوم في السنة نعتبره رمز الانتفاضة والثورة والعمل الشعبي المشترك في سبيل الحرية ألا وهو "نوروز" (اليوم الجديد)، رغم كل الأساطير المتعلقة به، حيث وجد مكانه الفسيح في قلوب جميع أبناء هذه الأمة، كما أن لنا نشيد قومي يثير فينا الحماس والعزة والاستعداد للتضحية، ألا وهو "أي رقيب"... فهل نسمح لأحد اعتبار هذه الرموز "مفاهيم بالية!" بسبب تغيرات السياسة الدولية باستمرار لفير صالح أمتنا المضهدة أو انحياز زعيم ما عن جادة الكفاح الصحيحة أو لأن "ثلةً" من متسولي ومتسعكي الحراك السياسي – الثقافي لأمتنا قد  فشلوا هنا وهناك؟
هناك مفاهيم بالية حقاً كأن نعتقد بأن الزعيم "معصوم" عن الخطأ أو الخيانة أو الخذلان، ولكن شتان ما بين الهدف والمفهوم، على الرغم من أن أحدهما يدل على الآخر أو يعنيه، وعلى الرغم ما بين الحق أو الواجب الأبدي والثرثرة الحزبية أو الفلسفة الخاطئة المتعلقة بمرحلة ما أو مجموعة فكرية أو سياسية أو دينية أو مجتمعية في هذا الاطار التاريخي والمكاني أو في الذي بعده...
لقد قلب انتصار ثورة الشعوب الايرانية على الشاه المخلوع في عام 1980 ذلك المفهوم الديني العريق في عقائد الشيعة والقائل بأن "الامام المنتظر" هو الذي سيخرج من "السرداب المقدس" ليقود الثورة, فاضطر ملالي ايران لايجاد تفسير للثورة الناجحة فعلياً، فقالوا بأن "روح الله الموسوي، آية الله الخميني" الذي قاد الثورة ليس إلا "مندوب مرسل" من قبل ذلك الامام الغائب!... وكان وقع هذا التفسير الاضطراري على عقول المتنورين الايرانيين كالقول المنسوب للخميني ذاته بأن "الباص أكبر من الميني باص!"، ونشروا ذلك كأكبر نكتة سياسية للاستخفاف بفتاويه المتتالية.