هوشنك أوسي : كيف تسرّب موروث البعث لغناء كوما برخودان؟

2012-08-30

حين كنت مراسلاً في مجلة "سورغول" (من المفترض أنها معنيّة بالبحث والتحليل والتوثيق، بحسب الترخيص الرسمي في لبنان)، وأثناء مناقشة أوضاع المجلة مع المسؤول الإعلامي للعمال الكردستاني وقتئذ في لبنان (عبدالرحمن جادرجي: أسعد)، وكان ذلك سنة 2001، قلت لهفال أسعد: "أنت تدير المجلة، بذهنيّة ومنطق حزب البعث".

وتناولت له نسخة من العدد الأخير للمجلة: وذكرت له، أنه تمّ
نشر 9 صور السروك عبدالله أوجلان، موزّعة على صفحات المجلة، وضمن مواضيع عدّة. وذكرت له بالحرف الواحد: "المجلة، ليست ألبوم صور السروك". كما أشرت له أنه تمّ نشر ثلاثة مواد لأوجلان، أثنتان باسمه، والثالثة باسمه الحركي (علي فرات). ناهيكم عن حوار مع دوران كاكان، بعد افتتاحيّة العدد مباشرةً، في مخالفة لمبادئ توزيع وترتيب وتبويب المواد ضمن مجلّة "شهريّة" (كان دوران كالكان المسؤول الاعلامي للحركة وقتئذ، ونشرت المجلة في عددها السابق، قبل العدد المذكور، حواراً معه. يعني، نشرت المجلة، حوارين مختلفين مع شخص واحد، في عددين متتاليين!). وقتها، ذكرت لهفال أسعد: هنالك مجلة يصدرها الجيش السوري، اسمها "جيش الشعب". من حيث الالتزام بمعايير الصحافة، هي أفضل وأكثر التزاماً من سورغول. وهي تنشر صور حافظ الاسد وبشار الأسد، أقل مما تنشره سورغول لصور اوجلان!". فانزعج هفال أسعد وقتها. وحدثت بيننا مشادّة وتوتر. ولكن الرجل، اعتذر، حين التقينا في لوجة التابعة لمنطقة رانية بكردستان العراق، صيف 2007.
فيما بعد، حاولت تطوير المجلة، بأن تصبح، إلى حدّ ما، ملتزمة بطابعها التحليلي، البحثي، التوثيقي، ومنفتحة على الأفكار والآراء المتعددة، دون ان تفقد المنحى الأيديولوجي. وحرصت على ان نمنح الأيديولوجيا، بشكل مرن ومهني وسلس للقارئ والمتابع، وليس بشكل فجّ وفاقع، وبأسلوب حزبي، دعائي، تقليدي. وصار يكتب في المجلّة كتّاب كرد سوريون غير موالين للعمال الكردستاني، كنذير جزماتي وعمر كوجري، وابراهيم حاج عبدي...، وكتّاب عرب مثل: برهان غليون، عبدالرزاق عيد، اكرم البني، جاد كريم الجباعي، علي العبدالله، نبيل الملحم، محمد الغانم...!. والآن، المجلة، في حكم الميّتة، مع عدم إصدار النعوة. واعترف بأنني فشلت في مهمتي الثقافيّة _ الاعلاميّة، ليس فقط في سورغل، بل منابر اعلاميّة أخرى، مقرّبة من العمال الكردستاني!.

أنا أعلم وادرك حجم الاهتمام الذي كان يوليه أوجلان للإعلام، وبخاصّة في العالم العربي، كي يكون جسراً للتواصل بيننا وشعوب المنطقة (الأن أردوغان يطبق أفكار ومبادئ اوجلان في طريقة استيعاب وجذب العالم العربي عبر الاعلام/ ونجح اردوغان وفشلنا نحن). ومطلع سنة 2001، حسبما أظنّ، أرسل أوجلان عبر محاميه، اقتراح إصدار مجلّة معنيّة بشؤون الشرق الأوسط، والتسويق لفكرة الشرق الأوسط الديمقراطي، الفيدرالي، المدني...، يكتب لهذه المجلة كتّاب وباحثون عرب وكرد وترك وإيرانيين وأجانب. فتمّ الاختيار على اسم "الأوسط الديمقراطي". وهو اسم ملفت، وذو وقع صحافي وفكري وبحثي في آن. وصدر العدد الأوّل، ولاقى اهتماماً كرديّاً وعربيّاً في لبنان وسورية، رغم الضغوط السوريّة التي بدأت تتزايد على الحركة وقتئذ. وصدر العدد الثاني من المجلة. واعتقد أنه في العدد الأوّل، كتب عبّاس ولي (أكاديمي إيراني، استاذ جامعي في جامعة بوغازجي في اسطنبول حاليّاً)، والدكتور محمد نورالدين، وكتّاب عرب وكرد وترك، كما نشرت فيها مقالات للرفاق في قيادة العمال الكردستاني. وحين تم نقل إعداد المجلة لجبال قنديل، وصار يشرف على تحريرها رفاق هواة، ليست لديهم تجربة صحافيّة، صار اسم المجلة "الشرق الأوسط الديمقراطي". يعني، صار الاسم، مباشر وواضح وصريح، ولا ينطوي على سمة صحافيّة تثير التساؤل!. وصارت المجلة أكثر حزبيّة. وإذا ما تمّ تتبّع أعدادها الأخيرة، فلن يخلو اي غلاف من أغلفة الاعداد الأخيرة من صور اوجلان. ناهيكم عن حجم المقالات التي تنشر لكوادر وقيادات الحزب. يعني، بهذه الطريقة، تم انتهاك ونسف الاقتراح التي طرحه اوجلان للمجلة. فهو لم يشأ لهذه المجلة ان تكون مطبوعة حزبيّة صرفة وناشفة وفجّة، كما جعلها رفاقه!.

اعتقد ان رفاق أوجلان يكررون كلامه، بشكل ببغائي، ولا يسعون الى تطبيقه عمليّاً. فكثيراً ما يتحدّثون عن التغيير والتحوّل الديمقراطي في الوعي والذهنيّة والسلوك، لكنهم مصرّون على ممارساتهم التقليديّة. وبذلك، يكونون على خلاف مما يريده اوجلان لهم ان يكونوا عليه. لقد بذل اوجلان، خلال سنوات سجنه، جهداً نفسيّاً وجسديّاً، وفكريّاً وذهنيّاً، فلسفيّاً، كي يحدد لهم سبل الوصول للنضال الأرقى والأمثل والأفضل، وصولاً لتحقيق الأهداف، بأقلّ الخسائر الممكنة، إلاّ أن رفاق اوجلان، يكررون كلامه، وينتهكون هذا الكلام في ممارساتهم. وكمثال على ذلك، مسألة مدننة الحركة، ومنح المجتمع إرادة إدارة السياسة. وأن يبلور المجتمع إرادته من الأدنى إلى الأعلى، عبر النظام الديمقراطي/ الكومينيالي، إلا أن كل المناصب والتراتب في قيادة الحركة تتم من الأعلى إلى الأدنى، عبر التنصيب والتعيين. ويكون هذا التنصيب والتعيين مصحوباً بشيء من الممارسات الشكليّة للانتخابات، وليس بعيداً من السلوك البعثي. إن الرؤية الفلسفيّة للمجتمع الديمقراطي / الإيكولوجي، المدني، لم يتم تطبقيها على الحركة، بالشكل المطلوب، كمنوذج مصغّر للمجتمع المتجانس والمتماسك، فما بالكم بتطبيقها على المجتمع المتنوّع والمتباين!. بمعنى، لم يتخطَّ التحوّل الديمقراطي في الذهنيّة والسلوك، الذي نكرره، ونطالب الآخرين بتوخّيه وتطبيقه، لم يتخطَّ ذلك حاجز التنظير، وبقي أسير الكلام والشعارات فقط!.

صحيح أن حركة حزب العمال الكردستاني، يساريّة وثوريّة، وقتاليّة، كانت ولا زلت تخوض حرباً تحرريّة ضروسة، ضدّ تركيا وحلفاءها، وفرض ذلك نوع من الصرامة والانضباط والالتزام الفولاذي بمركز الحزب، وانعكس ذلك سلباً على حريّة الرأي والتعبير ضمن مؤسسات الحزب، نتيجة طبيعة الحركة والظروف التي مرّت بها. ولكن، ثمّة مظاهر جدّ سلبيّة، تسرّبت لأداء حزب العمال الكردستاني، من أوساط خارج الثقافة والتربية التي تلقّاها كرد تركيا، من خلال مؤسسات الدولة. وأخصّ بالذكر هنا، الموروث البعثي في التعاطي مع شخصيّة القائد/الزعيم. وإذا أجرينا مسحاً لأداء الحركة، خلال العقدين الأخيرين، سنرى أن الموروث البعثي، تسرّب عبر الكوادر الكرديّة السوريّة، التي تلقّت تعليمها في مدارس البعث، ووفق مناهج التربية والتعليم البعثيّة. لقد جرى ذلك، بشكل غير مباشر وموضوعي، وغير متعمّد ومقصود. وفيما يلي بعض الأمثلة على هذا الموروث، من الجانب الفنّي والثقافي، وصولاً للجانب الإعلامي، الذي استهللت به.

حتّى سنة 1988، لم يكن ضمن أي من أشرطة الكاسيت التي كانت تصدرها كوما برخودان، أيّة أغنيّة عن أوجلان، ما عدا أغنيّة، يتمّ فيها ذكر أن أوجلان هو قائد الحركة. وهي: "PKK partiya me.. ERNK eniya me.. ARGK artêşa me.. APOye serokê me" وكلمات هذه الاغنية هي للشاعر عمران من قرية قرمانة (بافي آمد، يقيم في دمشق)، وغنّاها الفنان جمال تيريج. يعني الكاتب والمغنّي، من كرد سورية.

وبدأت ظاهرة الغناء التمجيدي لأوجلان، في الأوساط الكرديّة السوريّة، وضمن الفرق الفنيّة التابعة للكتلة الجماهيريّة التابعة للعمال الكردستاني في سورية، ولا زالت مستمرّة، مع الاسف الشديد، قبل ان تظهر في الأوساط الكرديّة التركيّة!. ويمكن أن نورد هنا بعض الأمثلة من الاغاني:

Hoy hoy apê me... hoy hoy şêrê me... : koma Botan. 1990. Qamşilo.. Peyewan Arjîn.
أعاد الفنان بيوان هذه الاغنية مجدداً في أوروبا، ضمن ألبومه الخاص!؟

Mezin apo.. reber apo.. serok apo apê me
Şêrîn apo qehreman tu rêberê gelê me… koma Agirî... Amûdê 1991

قامت كوما برخودان (خمكين بيرهات) بإعادة تسجيل هذه الاغنية سنة 1993

Bijî her bijî Abdella Ocelan... pîroz be li te serokatiya Kurdistan... koma tirbrsipiyê... 1992

Can can.. can apê me.. serdarê gelê me... koma Agirî Amûdê...1999

قام الفنان جومرد بأداء هذه الاغنية مجدداً في الفترة الاخيرة

Spartakosê Kurda banga serhildanê da
Ji qudreta îlahe... navê wî Ebdullahe... -koma Zîlan .. Dirbêsiyê 1999

هذه الاغنية، صحيح أنها أتت بعد جريمة اختطاف واسر اوجلان، لكنها تجنح نحو التوثين والتأليه بشكل فاقع

أنا أيضاً كتبت قصائد بالكرديّة والعربيّة تعبيراً عن تأثري بجريمة اختطاف أوجلان. لكنني الآن، حين أنظر إليها، أجدها سخيفة وساذجة، ومتأثرة بالموروث البعثي، في عمليّة الارتباط بالقائد/المخلّص، ومساعي تأليهه. لكنها، إنسانيّاً، مثل كل الاغنيات السالفة الذكر، هي تعبير عن مشاعر جيّاشة، لدرجة التأليه. وأجد فيها مدى التأثّر بمناهج التربية والتعليم والاعلام البعثي. وقتها، لم أكن مدركاً لذلك. لذا، أرى من الأهميّة بمكان الإشارة الى هذه الامور الشاذّة التي ما زالت تعتري أداء حزب الاتحاد الديمقراطي. ذلك أن اوجلان، ليس بحاجة لهذا النوع من الاغاني التمجيديّة التحميديّة الدعائيّة... بل هو بحاجة لأن نفهم فكره، وفلسفته وتجربته، وأن نقوم بمراجعتها نقديّاً.

نقطة أخرى، يمكن الاشارة إليها، حول كيفيّة تسرّب الموروث البعثي الى العمال الكردستاني. وهي أن شعار: bi xwîn bi can em bi te re Ocelan لم يكن موجوداً ومتداولاً في حزب العمال الكردستاني قبل سنة 1988. وهو ليس متداول حتى الآن في كردستان الشماليّة، أثناء المظاهرات والاحتفالات الجماهيريّة. حيث يتم الاكتفاء بشعار: bijî serok apo
ومعروف ان شعار "بخوين بجان ام به تره أوجلان" هو التعبير المعادل لشعار "بالروح بالدم نفديك يا...". كما يمكننا ان نشاهد الموروث البعثي في مسألة الإكثار من رفع صور اوجلان في المظاهرات التي يقوم بها حزب الاتحاد الديمقراطي. ففي آمد، إذا خرج مليون شخص في مظاهرة، يمكن أن نرى صورة كبيرة لاوجلان أو بضع صور صغيرة. لكن، حين يقوم الاتحاد الديمقراطي بمظاهرة في قامشلو او عفرين..، وإذا شارك فيها مئة شخص، نراهم يحملون ألف صورة لأوجلان. فهل الاخير بحاجة لأغاني هابطة، تمجّده؟ وبحاجة للافراط في حمل صوره؟!. هذه التقاليد والثقافة السلبيّة الدخيلة، المسؤول عن تسريبها لحركة حزب العمال الكردستاني، ولحزب الاتحاد الديمقراطي، هم الكوادر الكرديّة السوريّة. لقد فعلوا ذلك، دون ادراك الناحية النفسيّة ومدى تأثّرهم غير المباشر بثقافة وتراث حزب البعث الحاكم في سورية. فحين نتحدث عن "الاسيملاسيون" والصهر والتذويب الذي مارسه النظام التركي على الكرد، ونحصي ونعدد مظاهر ونتائج هذه الحملات، علينا ان ندرك ونعترف بمدى تأثرنا بثقافة البعث، وانعكاس ذلك في اداءنا السياسي والتنظيمي والثقافي والاعلامي، دون أن نشعر بذلك...!. وحان أوان مكافحة هذا السلوك السلبي والشاذ، وبل تأخّر.