خدر خلات بحزاني : صفحات من مذكرات الحمار العراقي "سموكي"

2012-08-23

  مات الحمار العراقي "سموكي" في ولاية نبراسكا الاميركية منتصف اب الجاري، وكانت قوة امريكية قد فضلت نقله الى اميركا بعدما تعرفوا عليه اثناء وجودهم في احد المعسكرات بمحافظة الانبار..

    وقد عثر احدهم على جانب من مذكرات سموكي، اقتطف منها ما يختصر قصة حياته كلها..

    "لعدة سنوات، وتقريبا في كل يوم كان ابو صالح يتوجه للحقل، وهو يمتطي ظهري المتعب، ولم يكن يكتفي بذلك، بل احيانا كان يضع (صويلح) في حضنه و مئونته من الماء والطعام، وطوال الطريق البالغ نحو 3 كليومتر كان يضربني بتلك العصا الرفيعة واللعينة على اعلى مؤخرتي كي اسرع اكثر، لكنه لم يكن يشعر بالامي والارهاق الذي كنت اعانيه بشكل مستمر".. "وكنت اشعر براحة كبيرة عند الوصول للحقل، فكنت اتمرغ بالاتربة كي اطرد الحشرات من جسمي، وكنت ارعى بين النباتات الحقلية البرية، وكنت اتجنب قدر الامكان ما يزرعه ابو صالح، لانني لن انسى ذلك اليوم الذي تناولت شيء من محصول الباميا وكيف انهال ابو صالح وصالح وام صالح علي بالضرب المجنون وسحقوا كل عظامي.. 1/7/2000".
    "كان يوما ربيعيا زاهيا.. وكنت انتظر ان ياتي ابو صالح لزريبتي كي ننطلق للحقل، لكنه لم ياتي.. كنت اسمع اصوات انفجارات ورمي للرصاص واصوات غريبة وصياحات تنم عن فوضى هائلة، رايت بعض ابناء البلدة يعودون لمنازلهم وعليهم علامات الوجوم والفزع.. كانوا يقولون كل شيء انتهى كل شيء انتهى.. لا اعرف ما الذي يحصل... 9/4/2003".
    "انا حر ومطلق السراح.. اكل وقتما اشاء، انام وقتما اريد.. ليس لي عمل محدد.. لقد اطلق سراحي ابو صالح واشترى سيارة بيضاء يقول انها افضل مني بكثير.. لا يهمني ما يقوله، لكن ما يهمني ان انجح في الوصول الى اعشاب ذلك المعسكر الذي يقولون ان الامريكان يقيمون فيه، رغم انه تسقط عليه قنابل هاون وصواريخ بشكل شبه يومي، لكنني لا اخشى ذلك لان الانسان يقتل الانسان فقط ولا يستهدف الحمير.. 5/5/2006".
    "دافيد، جاك، اندرسون.. اسماء جديدة تعلمتها في داخل المعسكر.. انهم يلعبون معي، ويعطوني اطيب الفواكه والخضروات، لو يعلم ابو صالح انني اكل التفاح الذي لم يتذوقه الا احايين قليلة، لو يعلم انني اكلت من الموز في اسبوع واحد ما لم تاكله عائلته طوال عمرها؟؟ تعال يا ابو صالح كي ترى انهم يعالجون كل قروحي التي نتجت عن ضربك لي لاعوام واعوام لاسباب تافهة.. تعال انظر كم اصبحت سمينا وقويا، اعتقد انني افكر بالمغادرة معهم الى امريكا، لقد سمعتهم يتحدثون عن ذلك.. 11/9/2010".
    "ما هذه الاضواء المبهرة؟ ما هذا الحقل الاخضر الشاسع؟ كم جميلة هي الخيول هنا؟ كم رائعة هي حميرهم؟؟ انني اتناول الاعشاب الطرية الخضراء طوال العام، وهناك فريق طبي يفحصني اسبوعيا ويحقنوني ببعض اللقاحات.. الحياة رائعة جدا هنا.. و لا يكاد يمر اسبوع دون قدوم وفد اعلامي ويلتقطون لي عشرات الصور كما ظهرتُ عدة مرات على شاشات التلفزة.. اعتقد انني اصبحت نجما هنا.. تعال يا ابو صالح وانظر لحالي؟؟ .. 14/8/2011".
    "اشعر بالملل القاتل.. لم اعد اشتهي الطعام.. اشتاق لطعم الاشواك البرية في صحاري الانبار ومزارعها.. اشتاق الى ابو صالح.. بل اشتاق الى تلك العصا الرفيعة واللعينة التي كان يصعقني بها.. اشتاق لصيف بلادي اللافح.. لزمهرير شتاءه المجنون.. سيقتلني الحزن والشوق للعراق، اسمعهم يقولون انني مصاب بمغص معوي، لكنني مصاب بآفة الحنين للوطن.. منتصف آب 2012".