المدن السورية خلال رمضان : حملات عسكرية متواصلة و اقتتال على المحروقات

2012-08-17

أجرى ناشطون في لجان التنسيق المحلية في سوريا تقييما للحالة الإنسانية التي عاشتها المدن السورية خلال شهر رمضان، ليصلوا إلى نتيجة مفادها أن «ليل رمضان تحول إلى موعد للقصف اليومي، فيما كانت نهارات هذا الشهر الفضيل شاهدا على النزاعات الشخصية بين السوريين في محطات بيع المحروقات وأمام الأفران، بعدما فقدت تلك السلع من معظم أسواق المدن التي تشهد الاقتتال».

ووصف قيادي في أركان الجيش الحر هذا الواقع بـ«المخزي»، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن «توقيت الإفطار ارتبط بموعد القصف والحملات العسكرية في درعا وإدلب وحمص»، مستشهدا بحادثة إصابة ستة أفراد من عائلة واحدة قبل أيام في معراتة في محافظة إدلب، «حين سقطت قذيفة مدفعية من عيار 122 ملم على منزل في القرية بالتزامن مع موعد الإفطار، ما أدى إلى وفاة ثلاثة منهم على الفور». وقال المصدر القيادي إن تلك الحادثة «لم تكن الوحيدة، فقد اعتاد الثوار وسكان المدن الثائرة على موعد القصف الذي يبدأ منذ موعد الإفطار، ولا يهدأ حتى صلاة الصبح».

المشهد نفسه يتكرر في محافظة درعا بطريقة شبه يومية. وقال ناشط من منطقة الحراك في درعا لـ«الشرق الأوسط» إن الأهالي «لم يعرفوا هدوءا طوال فترة رمضان». وأضاف: «ما إن يحين موعد الإفطار، حتى يبدأ دوي القذائف، ما اضطرنا إلى حمل إفطارنا وأولادنا والهروب من المنزل إلى أماكن أكثر أمانا».

وأضاف الناشط أنه «منذ اليوم العاشر من رمضان، بدأ الأهالي يختارون سلوكا آخر لنمط حياتهم، خصوصا مع اشتداد الحصار على قرى الحراك والكرك ودرعا البلد، وفقدان المواد الأساسية التي يحتاجها السكان مثل الأدوية وقوارير الغاز وغيرها». وأوضح أن هؤلاء «بدأوا يحاولون النزوح، وإبعاد أطفالهم، على الحد الأدنى، من مناطق الخطر إلى مواقع أكثر أمانا»، مؤكدا أن «قسما كبيرا من أبناء هذه المناطق، دفعوا أبناءهم باتجاه مناطق في ريف دمشق وريف درعا، فيما بذل البعض الآخر جهدا لإيصال الأطفال إلى خارج الحدود السورية مع الأردن ولبنان».

ولم يتوقف الأمر في المحافظات السورية على القصف؛ إذ شهدت المدن السورية أزمة محروقات وخبز قاسية، خصوصا في المحافظات الشمالية. ونقل ناشط من منبج صورة ما يجري بالقول: «يمتد صف السيارات المنتظرة أمام محطات الوقود، حين يصل صهريج المازوت أو البنزين، إلى نحو كيلومتر. يحتكر التجار هذه المادة، ويساومون الناس عليها، ولا ينفع ملء العبوات الصغيرة بالمحروقات، إلا بعد عراك في المحطة وإطلاق نار للحصول على قنينة صغيرة».

وأضاف الناشط أن تلك المواد الأولية «يمنعها النظام السوري عنا، في محاولة لتركيعنا والضغط علينا، وهو يعلم أننا عاجزون عن شراء المازوت والبنزين من تركيا بسبب ارتفاع سعر هاتين المادتين بشكل نعجز عن دفعه»، مشيرا إلى أن ذلك المشهد على محطات المحروقات «بدأ منذ بداية شهر رمضان، ويتكرر كلما وصلت صهاريج المحروقات إلى المنطقة». وقال الناشط: «إذا كان النظام يحجب عنا البنزين خوفا من استخدامه لآلياتنا العسكرية المقاتلة ضده، فإن المازوت يحتكره لتشغيل آلياته الحربية، حيث لا تصل إلينا إلا كمية قليلة جدا من المازوت لا تكفي تشغيل موتورات الري والجرارات الزراعية».

أما قوارير الغاز، فباتت بحسب الناشطين في قرى ريف حلب وإدلب «عملة نادرة»؛ إذ «فقدت هذه المادة بشكل كامل من الأسواق بسبب الأزمة». وقال ناشط من إدلب لـ«الشرق الأوسط» إن «سعر قارورة الغاز وصل في السوق السوداء إلى مائة دولار أميركي، بعد انعدام إمكانية الحصول على الغاز من المتاجر الشرعية». وأشار إلى أن «الطريقة الأفضل التي يتبعها الأهالي للحصول على الغاز، هو الاقتتال مع التجار والمحتكرين، وقد عمد النظام إلى الضغط علينا وبث الفرقة بين أهالي القرية الواحدة بغية الحصول على المواد الأساسية التي نحتاجها». ولا يجد هؤلاء سبيلا إلا النزوح باتجاه الحدود التركية، أو باتجاه القرى الساحلية التي يقيم بعض أقربائهم فيها.

في هذا السياق، كان مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للمشردين داخليا تشالوكا بياني أعرب عن بالغ قلقه إزاء وضع ما يزيد على 1.5 مليون شخص من الذين نزحوا داخليا بسبب النزاع المسلح في سوريا. وقال في بيان وصلت إلى «الشرق الأوسط» نسخة عنه قبل أيام، إن «القتال العنيف واستخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق المكتظة بالسكان، مصدر قلق كبير. يجبرون الناس أكثر وأكثر يوميا على الفرار من ديارهم نتيجة تصاعد العنف، والبحث عن ملجأ عند الأسر المضيفة، وفي المدارس وملاجئ مؤقتة».