عماد يوسف : ظاهرة انتحار النساء في كردستان العراق

2012-08-04

تلقى حوادث الانتحار في كل مكان اهتماما ً كبيرا ً للبحث في أسبابها و دواعيها
و من المعلوم أن ثورات الربيع العربي بدأت اثر انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي
حرقا ً تنديدا ً بالقهر و الظلم اللذين تعرض لهما و خلاصا ًمن واقع مأساوي مؤلم ..
فهل سيكون واقع المجتمع الكردي كذلك و ظاهرة انتحار النساء في كردستان تدق كل باب ؟

حسب الإحصائيات الحكومية في إقليم كردستان وصل عدد حالات قتل وانتحار النساء إلى
12500 حالة في ثلاث محافظات من الإقليم ( اربيل, السليمانية , دهوك ) في الفترة
بين 1991 - 2007
و قد أعلنت المديرية العامة لمواجهة العنف ضد المرأة في إقليم كردستان عن إحصائيات
العام الماضي 2011 المتعلقة بحالات قتل النساء و الاعتداء أن المجموع العام للإقليم كان :
( 43 ) حالة قتل , و ( 44 ) حالة انتحار , و ( 228 ) حالة حرق , و ( 123 ) محاولة
انتحار بالحرق , و ( 990 ) حالة اعتداء , و ( 2538 ) شكوى , و ( 109 ) حالة
اعتداء جنسي .....

لكن الناشطة النسوية ( هانا شوان ) اعتبرت أن العدد المعلن غير واقعي مؤكدة ً أن العدد
أكثر و أن العشرات من النسوة عندما يقمن بإحراق أنفسهن نتيجة العنف و المشاكل العائلية
تسجل الأهالي و الجهات المعنية أسبابا ً أخرى و كأنها قضاء ٌ و قدر ....
و أشارت إلى أن الأطباء يدركون بأن هذا النوع من الحرق هو محاولة الانتحار و لكنهم
يخفون الأسباب الحقيقية .....

و يبدو لنا أن سبب إخفاء الأسباب الحقيقية قد جاء بعد أن شهدت حكومة كردستان موجة ً
من الانتقادات العنيفة بعد تبين الإحصاءات المخيفة عن حالات انتحار النساء حرقا ً
في السنوات الماضية ..
فقد أكدت مصادر غير رسمية في وزارة الصحة بإقليم كردستان إلى وجود أكثر من
( 740 ) حالة انتحار للنساء فقط خلال الستة أشهر الأولى من عام 2007 ..
كما جاءت في إحصاءات رسمية في كردستان  و للحالات المسجلة فقط وصل عدد النساء
اللواتي تعرضن إلى العنف ( 2658 ) امرأة في سنة 2009 , منهن (414 ) امرأة
انتحرت حرقاً أو تم حرقهن ...

و لا شك أننا و من خلال قراءتنا لهذه الإحصاءات نتبين حجم ما تعانيه المرأة الكردية في
الإقليم من اضطهاد و عنف و تقييد لحريتها و التضييق عليها حتى يؤدي بها الرأي
إلى ترجيح كفة الانتحار على الحياة البائسة ..
و عند بحثنا عن أسباب انتشار هذه الظاهرة وجدنا أنها جميعا ً تتمحور حول العادات
العشائرية البالية و الفهم الخاطئ للدين و قلة الوعي العام ....
حيث صدمت بالكثير من القصص و الوقائع عن قتل أو إحراق الأهل للفتاة أو إحراقها
لنفسها بسبب حديثها العرضي مع أحدهم في الشارع أو امتلاكها للموبايل أو الزواج القسري
للمرأة أو إشاعة علاقة حب بين فتاة و أحد الشباب مما يؤدي بهم إلى قتلها أو إحراقها
بدافع غسل العار أو اضطهادها إلى أن تحرق نفسها , إلى أن أصبحت هذه الحالات ظاهرة
منتشرة بين النساء فتراهن يحرقن أنفسهن لأي سبب بسيطاٍ كان أو معقدا ً و كبيرا ً
حتى يمكننا القول عن المرأة الكردستانية : بمجرد أنها فكرت بالانتحار فمؤكد أنها ستفعل ...

كما أنه من المؤسف أن نجد من يسمون أنفسهم علماء الدين و هم أنفسهم لم يتبينوا حقيقة الدين
فيظهرون الدين بأبشع صورة , فالإسلام الذي جاء صيانة للمرأة و حقوقها في مطالبته
الرجال للرفق بالنساء و اللطف في التعامل معهم , نسمع عن رجال الدين و ملالي كردستان
أنهم يبيحون ضرب النساء و ينسبون ذلك إلى الشرع ....!!!
و يقال أنهم أقاموا الدنيا و لم يقعدوها حين تم إنشاء مكتب لشكاوي الزوجات في مدينة هولير

كما أن الكثير من العادات الاجتماعية البالية هي من البدع التي ابتدعها الناس في عهود
التخلف و الاستبداد لكنهم ينسبونها إلى الدين لجعلها أكثر قدسية و الدين منها بريء
و قد كانت تلك التقاليد لها السبب الأكبر في الحالة النفسية السيئة التي وصلت إليها المرأة
الكردستانية و منها عادة الختان المنتشرة عند أكثر من ( 80 % ) من النساء
لأن الختان في نظرهن واجب على كل امرأة و في كثير من الأحيان لا تخطب الفتاة إلا
إذا عرفت بأنها مختتنة , لأن المرأة الغير مختتنة بحسب زعمهم أكل يدها حرام و شغلها
بلا بركة  و ... و .... و غير ذلك من الحجج الواهية

و تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الانتحار لا تتعلق بالدين لا من قريب و لا من بعيد
بل هي ظاهرة مجتمعية أصابت جسد المجتمع الكردستاني بكافة معتقداته و طوائفه
و أن معظم أسبابه التي أظهرتها التحقيقات عن حالات الانتحار هي نتيجة عوامل عاطفية
و اجتماعية و تقاليد عشائرية و أسرية سائدة  ....

و بناء على ما ورد أعلاه من إحصاءات مخيفة تضع على عاتقنا جميعا تحمل مسؤولياتنا
تجاه هذا الإعصار الذي يهدد حياتنا  , فنحن كلنا المسؤولون حكومة ً و شعبا وعلماء دين
عن تأمين الحياة الكريمة للمرأة الكردية  من خلال حملة مؤسساتية لتوعية شعبنا
رجالا ً و نساء ًفي نبذ العنف الأسري  و دعم الشباب الكرد و خاصة المرأة الكردية لأخذ دورها في البناء و تفعيل دور المرأة في ضمان حقوقها الثقافية و الفكرية و الاجتماعية

و كل عام و المرأة الكردية بألف خير في ظل حياة حرة كريمة
و أتمنى لك كل الخير

عماد يوسف
emad-usef@hotmail.com