صدور العدد الثالث من نشرة دنكي ليبرال (النشرة الرسمية للاتحاد الليبرالي الكوردستاني - سوريا)‎

2012-06-17

ملامح الشخصية القيادية الكوردية السورية

أ. باران بختيار : رئيس هيئة المتابعة والتنسيق
الشخصية من أصعب الاصطلاحات فهماً وتفسيراً، وبإيجاز يعني مصطلح الشخصية " البناء الخاص بصفات الفرد وأنماط سلوكه الذي من شأنه أن يحدد لنا طريقته المتفردة في تكيفه مع بيئته، والذي يتنبأ باستجاباته".
للوراثة، والنضج، وأسلوب التنشئة خلال مرحلة الطفولة، والدوافع الاجتماعية التي تكتسب عن طريق التعلم مع الخبرات المكتسبة، دور كبير في تشكيل الشخصية حيث أن ما يصدر من قول أو فعل لا بد وأن يكون منسجما مع البناء الكلي للشخصية.
يمكن تصنيف الشخصية البشرية وفق العديد من النظريات، كنظرية الانماط والتي يتم التقسيم وفقا للأنماط الجسدية الفيسيولوجية او الانماط السلوكية، ونظرية السمات والتي تصنف الشخصية الى سطحية او مركزية، ونظرية التعلم التي تقوم على مبدا الثواب والعقاب في تكوين الشخصية البشرية، والنظرية التطورية والتي يتم التصنيف فيها وفقا للتطور الجسدي او التطور الاجتماعي النفسي، والنظرية الديناميكية والتي تعتمد على مفاهيم الانا والهو والانا الاعلى مبادئ اللذة والواقع، وما يهمنا هنا هو التصنيف الذي يعتمد على نظرية لعب الادوار (Role Playing) والتي تعنى بوصف الافراد وشخصياتهم من خلال الادوار التي يقومون بها، كدور الاب مع ابنائه، ودور الاخ مع اخوته، ودور الزوج والزوجة ....، والدور المهني الذي يتضمن كافة المهن التي يمكن للفرد امتهانها، والخبرات التي يكتسبها للقيام بهذا الدور او ذاك.
وبالتركيز على الشخصية القيادية وصفاتها نجد ان صفة القيادية تبدأ بقيادة الذات، وتنتهي بقيادة الآخرين للوصول إلى الهدف، وكل قائد يتمتع بشخصية قوية ولديه مهارات متنوعة يستطيع من خلالها تحريك الناس إلى الهدف، وليس بالضرورة ان يكون صاحب كل شخصية قوية قائد، فالقيادة عبارة عن مهارات ومعرفة وقيم، كثير منها موروث والآخر مكتسب، فبعض القادة يمتلكون مهارات قيادية، لكنهم لا يعرفوا كيف يتحدثوا، ويعانون من الرهاب الاجتماعي على سبيل المثال.
فالشخصية القيادية يجب ان تتمتع بعدد من الصفات المتميزة التي تمكنه من اداء دوره القيادي المناط به، كالتخطيط والتنظيم واتخاذ القرار والذكاء الاجتماعي والتفويض والرؤية الثاقبة والتحفيز والثقافة والثقة و الالتزام بالخطط والالتزام الخلقي والذكاء العقلي، وهذه عدة صفات أو سمات للشخصية القيادية، مع التأكيد على أن الأمر أعمق من مجرد صفات محدودة لكن هذه الصفات هي أشياء هامة وضرورية في الشخصيات القيادية وبأنه لا يكون القائد فعالاً وبارزاً دون توافرها فيه.
وبإسقاط كل ذلك على واقعنا السوري والكوردستاني تحديدا، نجد انفسنا امام ازمة حقيقية في التوصيف التدليل العلمي والعملي للشخصية القيادية، وسبب ذلك يمكن في الفهم الخاطئ للكثير من مفاهيم القيادة او صفاتها، واقتصارها على الشكل او ما يسمى بالترتيب الخارجي للشخصية، والتي تتضمن شكل الانسان ومظهره، وغياب شبه تام لترتيب الشخصية الداخلية، والتي تتضمن الفكر والعواطف والدوافع التي تعتبر المحركات والمحفزات الاساسية للسلوكيات التي تظهر او تترجم الى افعال.
ورغم ظهور بعض الحالات التي يظهر فيها نوع من تبلور للشخصية القيادية، كشخصية الشيخ معشوق الخزنوي مثالا، وامتلاكها لملكات القيادة القادرة على وضع اساس فكري لملامح الشخصية القيادية الكوردية، كونها قادرة على جمع وقيادة الشتيتين او المناقضين في آن واحد، الا انها كانت دائما تصطدم بواقع المجتمع الذي يتميز بصفة ممانعة كبيرة لتغير المفاهيم او السلوكيات السائدة، ولاسيما في جزئيات هامة في حياة الافراد والمجتمع، كممارسة السياسة.
فالمغالطة الكبيرة في الفهم المترسخ لمفاهيم السياسة والقيادة في المجتمع الكوردي، يفرض على كل شخصية قيادية تظهر على الساحة، احد الطريقين اما السير على الخط الذي تمت البرمجة عليه سابقا بأدوات واساليب قهرية خارجة عن ارادة الافراد او المجتمع ككل، وهو ما يتنافى مع مبادئ خلق القيمة المضافة او ما تسمى بالتطوير والتقدم، او السير في الاتجاه القائم على خلق نوع من التغيير الفكري والمعرفي والمتجاوز للموروث المتعارف عليه، وهنا يكون الشخص القيادي في محرق الصراع الذي يجد نفسه فيه، بنتيجة وجوده في منطقة تكون على الارجح ممانعة للتيار السائد او مخالفة لها في الاتجاه.
لذا لابد من الاعتراف بوضوح، أن افتقارنا – كشعوب متأخرة- للشخصية القيادية المؤثرة، يقف في مقدمة الاسباب التي تجعلنا نراوح في المربع الأول، ولكن هذا لا يعني إعفاء الشرائح المجتمعية الاخرى من مسؤولياتها، لاسيما النخب ودورها في تدعيم البناء الفكري الامثل. ويبقى الجانب الأهم في هذا المجال، هو دور العقلية القيادية وتأثيرها الكبير على طبيعة البناء والتطور والاستقرار من عدمه، وقد يعترض احدهم فيقول، إن بناء الدولة السياسي ينبغي أن لا يتوقف على فرد بعينه، وفقا للأنظمة المتحررة، فنقول هذا هو عين الصواب، ولكن لا يمكن بناء دولة ديمقراطية بعقليات قيادية مريضة أو فارغة، لذا نحن بأمسّ الحاجة الآن الى عقلية قيادية تؤثّر في الآخرين، وتمنحهم النموذج القيادي الانساني الامثل.
 
 
رابط المجلة الالكتروني من هنا :