لورين جتو : لقاء مع الشاعر الكوردي السوري محمود بادلي

2012-06-14

حاورته: لورين جتو 

إن مستقبل سوريا السياسي ليس في التقسيم ولكن في بناء دولة مدنية تعددية فيدرالية
الترجمة من الكرمانجية إلى السورانية وبالعكس ليست ترفاً بمقدار ما هي حاجة
التواصل بين شعراء اجزاء كردستان الاربعة غير متوفر وهذه نقطة ضعفنا 
سأكون سعيداً بزيارة إقليم كردستان العراق وحضور مهرجاناتها
 
-متى بدأ محمود بادلي بدايته كشاعر وكيف كان ذلك؟
هذا السؤال يدفعني إلى أن أتعمق أكثر في ذاتي وأتجول في داخلي أكثر وأكثر، أتأمل ملياً في طفولتي التي ما زالت تشبهني حتى اللحظة، ولا أريد أن أكبر حتى أظل أكتب القصيدة التي تشبهني وتشبه الحياة وتتجاوزها إلى حد ما والتي أسعى إلى كتابتها بأسلوبي الذي أخذ منحى خاص به, فهل صرختي الأولى في الحياة كانت بداياتي، وولادتي المغتربة في قرية غير قريتي بسبب تنقل عائلتي الفقيرة سعياً وراء لقمة العيش، هناك أشياء أخرى كالفقر والحرمان والاغتراب الذي عشته طوال أيام طفولتي ومن ثم أيام الدراسة حتى أنهيت المرحلة الجامعية، بالإضافة الوضع الاجتماعي والسياسي المزري الذي يعاني منه شعبنا الكردي في سوريا وحرمانه من كامل حقوقه القومية والديمقراطية..؟, يمكن أن يكون كل ذلك قد خلق في أعماقي قلقاً وصمتاً مشتعلاً، ويبدو أنه قد تحول إلى الشعر في مرحلة لاحقة، كنت أكتب الشعر دون دراية مني بأنه الشعر، بداية عفوية بدأت عام 1987، وقتها كنت أكتب باللغة الكردية ولكن بالحروف العربية، لم أكن أعرف بان للغة الكردية أبجدية خاصة بها، لاحقا تعرفت على الأبجدية التي وضعها الأمير جلادت بدرخان.
-بمن تأثرت من شعراء الكرد وهل لك مرجع بخصوص كتابة الشعر؟
كنت متأثراً بأسلوب الشاعر الكبير جكرخوين وسيداي تيريز والشاعر يوسف برازي، وبدأت أتواصل مع بعض الشعراء كالأساتذة محمود صبري وصالح حيدو ويوسف برازي وخمكين رمو، وتواصلت مع الشاعر عمران أبو آمد وكذلك مع المناضل الكبير أوصمان صبري, بالإضافة إلى اطلاعي على تجارب شعراء المنطقة كتجربة الشاعر أدونيس ومحمود درويش ومحمد الماغوط و ناظم حكمت وكذلك التجارب العالمية من امثال طاغور، وبريتون وغيرهم وكذلك تجربة بعض شعرائنا الكرد المعاصرين كالشاعر جان بابير و شيركوه بيكس ولطيف هلمت ود. عارف حيتو وللشاعر جان بابير فضل كبير عليّ، فهو الوحيد من بين الشعراء الكرد الذي شجع أسلوبي في كتابة القصيدة الحرة وقام بترجمة مجموعتي الثانية Nexşên dînîtiyê(نقوش الجنون).
-لديك اصدارات شعرية عديدة فوضى الصمت – نقوش الجنون – نهر المساء – اي منهم استطاعت بقدر ماتريد تعبير ما بداخلك ؟
لكل قصيدة من القصائد الموجودة في المجموعات الثلاثة (فوضى الصمت، نقوش الجنون، نهر المساء) صدى مغاير عن الأخرى، وكل قصيدة استطاعت أن تعبر عن جزء ما بداخلي، وأن ترسم حلماً وتفتح آفاقاً جديدة وتلملم فوضاي لتعلن صمتاً وصخباً وجنوناً من ذات الأشياء إلى الحياة التي تحمل في ثناياها صراعاً مستمراً من أجل حياة وواقع يكون الحب دليله ومرشده. لكن مجموعة " نهر المساء " برأيي هي الأكثر تعبيراً ونضجاً من سابقاتها خاصة من الناحيتين الفنية والجمالية كونها قصيدة طويلة ذات نفس ملحمي مكتوبة بشكل مقطعي مرقم ومكثف.
-برايك هل كل من كان يستطيع قراءة الشعر؟ وماهي الحاجة التي لابد منها للوصول الى مضمون الشاعر وما يوحي اليه من خلاله؟
القراءة فعل حضاري مرتبط إلى حد بعيد بالحاجة النفسية والمعرفية والثقافية وكل إنسان يستطيع قراءة الشعر لكن ليس كل من يقرأ الشعر يستطيع أن يصل إلى محتوى مخيلة الشاعر، قد يتفاعل بشكل أو بآخر مع الأحاسيس والمشاعر والمعاني التي تتضمن محتوى القصيدة لأسباب تعود إلى شخصية القارئ وربما ظروفه وربما بما يكون عليه حاله لحظة قراءة القصيدة . 
-من خلال قراءة كتاباتك نلاحظ اهتمامك بالجانب النفسي هل ذلك محض صدفة ام ان اختصاصك لعلم النفس عمد الى ذلك وبرايك هل وجود هذا الجانب ضروري لاكتمال الصورة الشعرية؟
لا شك أن هناك علاقة وثيقة بين الأدب وعلم النفس، ومن الأهمية بمكان أن يتم تناول الجانب النفسي من قبل كل الأدباء ما دام المكتوب موجه إلى الإنسان نفسه، و ثقافة الشاعر ومعرفته بخفايا النفس الإنسانية تزيد من قدرته على التواصل مع نفسية قرائه وتلامس أحاسيسه ومشاعره وأفكاره, واعتقد أن أي نص أدبي لا يخلو من دلالات نفسية سواءً بقصد أو بغير قصد من المؤلف، وبلا ريب أن اختصاصي في علم النفس ومجال عملي كمرشد نفسي تربوي جعلني أتوغل أكثر في ذاتي وذوات الأشياء والآخرين من حولي، ويخيل إلي أن مؤشرات هذا الجانب واضحة في كتاباتي. 
-هل ترى ان ترجمة الكتب ضمن نطاق اللغة الكردية كالترجمة من الكورمانجية الى السورانية وبالعكس لها اهمية وما رايك بالانتقادات التي تبين ان ذلك يشجع تفريق اللغة الكوردية الواحدة؟
معلوم أن اللغة الكردية كأي لغة أخرى تتفرع منها لهجات متعددة، وحال هذه اللغة هي حال الشعب الكردي المنقسم على ذاته في الجغرافية والثقافة واللغة والحقوق القومية عامة، وهذا الانقسام بحد ذاته ساهم في تكريس هوة الفروقات بين لهجات اللغة الواحدة. فغياب مجمع لغوي كردي موحد ومدرسة كردية موحدة وقاموس كردي شامل وموحد وقرار كردي موحد للكتابة الموحدة يساعد أكثر على توسيع الشرخ القائم بين اللغة الواحدة، ولو بقي الوضع على هذه الحال - وهذا ما لا نتمناه - فيمكن أن تصبح كل لهجة لغة بحالها، وهذا ما نلمسه على أرض الواقع فيما يخص اللهجتين الكرمانجية والسورانية, من جهتي أعتقد أن الترجمة من الكرمانجية إلى السورانية وبالعكس ليست ترفاً بمقدار ما هي حاجة لما لذلك من أهمية بالغة في تقارب اللهجتين أولاً ثم على انتشار ما يكتب باللهجتين بين عموم الشعب الكردي ثانياً. 
-تتقن الكتابة بالحروف اللاتينية الكوردية هل فكرت ان تتقن اللهجة السورانية وهل لك تواصل مع شعراء كردستان العراق؟
أميل إلى اللهجة السورانية ليس من أجل الكتابة بها بل من أجل الاطلاع بشكل أوسع على نتاج أدبائنا الذين يكتبون بها، وأحاول الدمج بين اللهجتين عبر كتاباتي دون تفريق, أما ما يخص التواصل مع شعراء كردستان العراق فليست لدي علاقات شخصية مباشرة، وهذه نقطة ضعف نعاني منها جميعاً بسبب الحدود الفاصلة بين أبناء الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة, التواصل المتوفر غير مباشر أعني عبر النت لأن دور النشر في كردستان العراق لا تقوم بالدور المطلوب منها في إيصال منشوراتها إلى الأجزاء الأخرى.
-مارايك بالاحداث الجارية في سوريا؟
يمكن وصف ما يجري في سوريا من أحداث، بأنها ثورة شعبية حقيقية، وإن لم تتضح ملامحها بعد كثورة عارمة في كافة المناطق وذلك نتيجة آلة القمع النشطة ضد المتظاهرين المسالمين, والواقع أنها ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثورة الحقوق والإنسانية، ثورة من أجل الانتقال السلمي من حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطية الحقة وبناء دولة القانون لكل السوريين دون تمييز في الحقوق والواجبات والشعب السوري حسم خياره في اللاتراجع عن مطالبه، وانه كسر حاجز الخوف وكشف النقاب عن زيف الإصلاحات التي يدعيها النظام للعالم أجمع. إن مستقبل سوريا السياسي ليس في التقسيم ولكن في بناء دولة مدنية تعددية فيدرالية. 
-هل زرت اقليم كردستان العراق وهل تفكر بالمشاركة في مهرجاناتها الثقافية؟  
سأكون سعيداً بزيارة إقليم كردستان العراق وحضور مهرجاناتها عند وجود دعوة رسمية. لكن حتى الآن، لم يحصل لي هذا الشرف، لأن العادة – وهي عادة سيئة بالطبع – أن تتم الدعوة عن طريق بعض الأشخاص المحددين، وهؤلاء الأشخاص للأسف كثيراً ما يقدمون معايير المحسوبيات والمعرفة الشخصية على معايير الكفاءة والإبداع، ولذلك كثيراً ما حضر شعراء و أدباء مهرجانات الشعر الكردي أو القصة الكردية، وهم لا يكتبون أصلاً باللغة الكردية بل لا يقرأون بها !!.