جريدة آزادي العدد 443 آيار 2012‎

2012-06-12

مجزرة الحولة : بداية النهاية لنظام القمع ولحقبة سورية مظلمة
يكتبها سكرتير الحزب :  المحامي الأستاذ مصطفى أوسو
بعد أكثر من أربعة عشر شهراً من استمرار سياسة القتل والعنف والاعتقال والاغتيال والتعذيب والاستخدام المفرط للقوة، بحق المواطنين السوريين الثائرين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية وإسقاط النظام

لجأ النظام السوري في الفترة الأخيرة إلى إتباع أساليب أكثر وحشية وأشد فتكاً، في معركته الدموية لقمع الثورة السورية ومحاولة القضاء عليها، منها: القيام بعمليات التفجير والتفخيخ الإرهابية وارتكاب المجازر الجماعية في عدد من المدن السورية، وخاصة تلك التي تشهد حراكاً جماهيراً واسعاً، وتوجيه الاتهام للجماعات المسلحة والسلفية بالوقوف وراءها، لتبرير جرائمه بحق الشعب السوري، والتي وصلت إلى درجة فظيعة من الانتقام والسادية، لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلاً من قبل، في المجزرة الدموية الرهيبة التي أقدم على ارتكابها في مدينة الحولة في ريف حمص، في الخامس والعشرين من شهر أيار الجاري، وراح ضحيتها أكثر من مئة شهيد وثلاثمائة جريح، بينهم نساء وأكثر من ثلاثين طفلاً دون سن العاشرة، تم ذبح بعضهم بالخناجر والسكاكين، والبعض الآخر تم قتلهم وتصفيتهم ، بالقصف المدفعي لقوات النظام العسكرية.

 
  إن هذه المجزرة الدموية الفظيعة والمروعة، أظهرت للعالم أجمع الوجه الحقيقي القبيح والبشع للنظام الحاكم في سوريا، والذي أقل ما يمكن أن يقال عنه، بأنه نظام موغل حتى النخاع في القتل والإجرام، اغتصب السلطة عنوة بقوة العسكر، وحكم البلاد طوال العقود الماضية بنفس منطق القوة وعقليتها ذاك، فارضاً على الشعب السوري حكماً شمولياً استبدادياً، مجبولاً بالقهر والظلم والاضطهاد واحتكار السلطة والثروة، أوصل المجتمع السوري من خلاله إلى نفق مظلم ومأزق خطير، كان السبب الرئيسي والمباشر، الذي أدى إلى تفجر الثورة الشعبية المباركة. وقد أكدت هذه المجزرة أيضاً، بأن النظام السوري لا يمكن أن يفي أبداً بتعهداته والتزاماته، ونشير هنا إلى تعهده والتزامه بتنفيذ مبادرة الجامعة العربية وكذلك خطة المبعوث الدولي والعربي المشترك إلى سوريا السيد كوفي أنان، بنقاطها الستة، الخاصة بوقف القتال والتوصل بشكل فوري وعاجل إلى وقف العنف، وتحقيق الاستقرار في البلاد، وحث الحكومة السورية على الفور بسحب قواتها من التجمعات السكنية وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة داخلها، ورغم ذلك لم نرَ إلا المزيد من القمع والعنف وسفك دماء السوريين.
 
  إن الإدانة الدولية الواسعة وغير المسبوقة للمجزرة الوحشية، التي ارتكبها النظام السوري في مدينة الحولة، وقيام العديد من بلدان العالم ودوله بطرد جماعي لسفراء النظام ودبلوماسيه من أراضيها، وتبنى مجلس حقوق الإنسان الدولي لقرار يدين الحكومة السورية بارتكاب هذه المجزرة، وبإجراء تحقيق في ملابساتها، وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ومطالبة المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، مجلس الأمن الدولي، بتطبيق خطة كوفي أنان عبر اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبضرورة تمكين لجنة التحقيق الخاصة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان من أداء مهمتها للكشف عن منفذي المجزرة والمخططين لها والمتسترين عليها وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة الجنائية الدولية لاقترافهم مخالفات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، كل ذلك يؤكد أن المجتمع الدولي، دخل مرحلة نوعية جديدة في تعامله مع الملف السوري، وأنه لن يبقى متفرجاً إلى ما لا نهاية إزاء جرائم النظام وممارساته الفظيعة بحق الشعب السوري، لا بل نعتقد أن حجم الضغوطات على النظام السوري سيزداد مع مرور الزمن، وأن هذه الضغوطات ترافقت مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها النظام، وتصاعد الحراك الجماهيري الثوري على الأرض، والذي ظهر بأوضح صوره وأشكاله في جمعة " أطفال الحولة مشاعل النصر "، وكذلك إصرار الشعب السوري وتصميمه على المضي في ثورته مهما كانت حجم التضحيات، سيؤدي بكل تأكيد إلى إنهيار النظام وسقوطه وزواله ووضع حد لحقبة تاريخية مظلمة في حياة الشعب السوري.
 
  وما من شك، أنه وإزاء تصعيد النظام، لعمليات العنف والاستخدام المفرط للقوة وارتكاب المجازر الجماعية بحق الشعب السوري، تقع على عاتق المعارضة السورية بكافة قواها وفصائلها وتياراتها وأطرها، العمل على توحيد صفوفها وإنهاء حالة الانقسام والتشتت والتشرذم الحاصل فيما بينها، والاتفاق على خارطة طريق لسوريا المستقبلية، سوريا الديمقراطية التعددية البرلمانية، التي تضمن الإقرار الإقرار الدستوري بوجود مختلف القوميات والأقليات القومية المتعايشة فيها، وبشكل خاص الشعب الكردي وحقوقه القومية الديمقراطية على أساس احترام حقه في تقرير مصيره، ووفق الصيغة الفيدرالية ضمن إطار وحدة البلاد، وذلك لقطع الطريق أمام ذريعة عدم اتفاق المعارضة السورية وتوحيدها لصفوفها، وكذلك للاستفادة القصوى من الأجواء والمواقف الدولية الجديدة المشار إليها تجاه النظام، وللتعجيل والإسراع في عملية إسقاط النظام ورحيله وإنهاء حالة التسلط والقمع والاستبداد، وللتصدي لتحديات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها على مختلف الأصعدة.
 
  إن ارتكاب النظام السوري لمجزرة الحولة المروعة، تؤكد درجة خطورة الأوضاع الإنسانية في سوريا، وأيضاً وتؤكد درجة المأزق الخطير للحس الوطني والإنساني لمرتكبيها ومخططيها وفاعليها، وهي تندرج واستناداً إلى المواثيق والقوانين الدولية وبشكل خاص نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، في عداد الجرائم ضد الإنسانية.
 
  ومن هنا، فأن المجتمع الدولي مطالب بالتصدي لمهامه بجدية وحزم، وبالتدخل الفوري والعاجل، لحماية الشعب السوري من القتل والعنف والتدمير والاستخدام المفرط للقوة، الذي يمارسه النظام السوري بحقه، وإجباره على وقف نزيف الدم وأزيز الرصاص في شوارع المدن السورية المختلفة، والرضوخ لإرادة الشعب السوري في الحرية والديمقراطية وإنهاء النظام الاستبدادي الشمولي الحاكم بجميع أركانه وركائزه، وإحالة ملف سورية لمحكمة الجنايات الدولية، لمحاكمة المسؤولين السوريين ومحاسبتهم عن الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري، وبشكل خاص محاكمة المسؤولين عن ارتكاب مجزرة الحولة، وإلا فأن اتجاه الأمور سيكون أكثر خطورة وكارثية.
 
للحصول على الجريدة ...اضغط هنا