الشرق الاوسط : دائرة اضرابات دمشق تتسع لتشمل جميع الاحياء و الأسواق

2012-06-01

شهدت العاصمة دمشق يوم أمس استنفارا أمنيا غير مسبوق في معظم أحيائها، مع اتساع دائرة الإضراب العام لتصل إلى قلب العاصمة التجاري الجديد، فبعد ثلاثة أيام من الإضراب في الأسواق التاريخية الشهيرة («حميدية»، «مدحت باشا»، «الحريقة»، «البرزورية»)، وقبلها بثلاثة أيام بدأ الإضراب في أحياء الميدان والقدم وكفرسوسة والقابون برزة، والقدم العسالي وحوش بلاس وجوبر،

وغالبية مدن وبلدات ريف دمشق، ويوم أمس وأول من أمس امتد الإضراب ليشمل سوق المكتبات في الحلبوني وسوق الإلكترونيات في البحصة وسوق برج دمشق وشارع خالد بن الوليد، وزقاق الجن وباب الجابية، حيث لم تجدِ الضغوط التي مارستها قوات الأمن وتكسير المحلات في فك الإضرابات في العاصمة احتجاجا على مجزرة الحولة.

ولخص ناشط في دمشق لـ«الشرق الأوسط» جولته في العاصمة السورية أمس قائلا: «كان هناك استنفار أمني كبير في حيي الشعلان والمالكي القريب من قصر المهاجرين، كما تم إخلاء مول الماسة بعد أنباء عن وجود قنبلة صوتية في المول، ولوحظ انتشار أمني كثيف في محيط المول بعد ظهر يوم أمس، وأن سوبر ماركت مول شام سيتي سنتر أغلق أيضا يوم أمس، وفي سوق الشعلان التي شهدت إضرابا لساعات محدودة بداية النهار، انتشرت عناصر الأمن والشبيحة بالعتاد الكامل، في السوق الحارات المتفرعة عنه، وكان هناك حملة اعتقالات وتفتيش، حيث تم اعتقال صاحب أحد المحلات وأفرج عنه بعد ساعات قليلة بشرط فك الإضراب».

وفي حي الميدان الذي بدأت حالة الإضراب فيه منذ أسبوع، اقتحمت قوات الأمن سوق الجزماتية وراحت تكسر أقفال المحلات لإرغام أصحابها على فتحها، وفي الحميدية، استمر الإضراب بنسبة 50 في المائة، أما في سوق مدحت باشا، جلس أصحاب المحلات أمام محلاتهم وامتنعوا عن البيع بعد أن أرغمتهم قوات الأمن على فتحها. كما فعلت ذلك في حي كفرسوسة حيث قامت قوات الأمن تقوم بتكسير أقفال المحلات في ساحة الشهداء وفي منطقة المعصرة، مما دفع شباب كفرسوسة إلى رمي قنابل صوتية باتجاه قوات الأمن لتجبرهم على الانسحاب من الحي.

مصادر أخرى نقلت مشاهداتها لـ«الشرق الأوسط» لأسواق دمشق ظهر يوم أمس، وبناء عليها فإن سوق قطع تبديل السيارات في زقاق الجن مغلقة بنسبة 65 في المائة، وسوق المكتبات في الحلبوني مغلقة بنسبة 80 في المائة، وسوق القنوات مغلقة بنسبة 60 في المائة، وسوق شارع خالد بن الوليد مغلقة بنسبة 70 في المائة.

باب سريجة امتداد باب الجابية 70 في المائة من حملاته مغلقة، انتشار للأمن والشبيحة غير مسبوق في سوق الحميدية والحريقة ومدحت باشا وباب سريجة والشاغور. وقال ناشطون إن الإضرابات التي تشهدها دمشق في الأيام الأخيرة ليست «عفوية ولا فردية، بل إن التجار بدأوا فعليا بتنظيم صفوفهم والتشارك باتخاذ القرارات»، ولفتوا إلى أن «مشاركة تجار دمشق في الثورة لا تقتصر على الإضرابات، بل إن الإضراب كشف عنها، فهناك العشرات من تجار دمشق قدموا الدعم المالي واللوجيستي والإغاثة للتنسيقيات والجمعيات والعائلات المتضررة منذ بداية الثورة، إنما من تحت ستار»، وأنه «سيأتي يوم وتكشف الأسماء التي تم التكتم عليها لضمان الاستمرار في ظل نظام قمعي متوحش».

ويتطلع الناشطون لاكتمال إضرابات دمشق بأخرى مشابهة في العاصمة التجارية حلب، لأنه «بذلك يحكم الطوق على عنق النظام ويسقط».

ويرى أحد سكان دمشق في إضراب التجار «مؤشر على اقتراب موعد سقوط نظام الأسد، وقال إن تجار دمشق لا يخاطرون بأموالهم ما لم يشعروا بأن كفة الثورة مالت كثيرا، وأن السقوط بات قريبا جدا»، كما لفت إلى أن مجزرة الحولة التي هزت العالم، فطرت قلوب السوريين، ولم يحتملوا «مشاهدة صور أطفال الحولة يقتلون بسكاكين طائفية.. دمشق قبل مجزرة الحولة ليست كما هي بعدها»، حيث كان غالبية تجار دمشق مترددين في إعلان مواقفهم لجهة دعم الثورة، وكثر منهم كانوا يدعمون الثورة سرا خشية تكرار تجربة الثمانينات المريرة، فحينذاك كل من شارك بالإضراب أو أبدى تعاطفا مع مدينة حماه المنكوبة دفع ثمنا باهظا أقله خسارته لعمله وأمواله وممتلكاته.

الطابع الطائفي الذي صبغ مجزرة الحولة استفز أهل الشام وتحرك وسط دمشق التجاري، بعد تحرك أطرافها لأكثر من عام، فأغلقت أهم الأسواق التاريخية في دمشق القديمة، علما بأن دعوات كثيرة للإضراب كانت تلقى تجاوبا كبيرا في المناطق الثائرة، ولكنها لم تكن تلقى تجاوبا ملحوظا في وسط دمشق. اليوم الأمر يبدو مختلفا في دمشق التي تحولت من مدينة متململة ومترقبة إلى مدينة مضطربة، تغزو الحواجز الأمنية، ويربض على صدرها جنود بالعتاد الكامل، ويقلق ليلها ونهارها عناصر الأمن والشبيحة.

ويشار إلى أن أول مظاهرة ضد النظام خرجت في سوريا كانت في سوق الحريقة في 12 مارس (آذار) 2011، وإثر مجزرة الحولة، شهدت السوق عدة اعتصامات لقراءة الفاتحة على أرواح أطفال الحولة، وجرى تفريقها بالقوة مع شن حملات اعتقالات عشوائية، مما أجج الأوضاع في السوق حيث انصب الغضب على المخبرين والمتعاونين مع النظام من أصحاب البسطات والمحلات.

وراحت نساء وفتيات من أهالي الشام يمرون من أمام أصحاب المحلات في سوق الحريقة والحميدية ويشتمونهم ويلومونهم «وين النخوة وين» و«يا حيف عالرجال»، وغيرها من عبارات تقلل من قدرهم وقيمتهم.

ومع أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها التجار للشتائم من قبل الناشطين والمناهضين للنظام، إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها التجاوب، وبالنظر إلى حجم الانتشار الأمني في الأسواق التجارية التاريخية، وأعداد الموالين للنظام من التجار في السوق كان من المفاجئ حصول إضراب في أسواق الشام التاريخية التي هي عصب الحياة التجارية في دمشق، وقالت عدة مصادر إن تهديدات جدية وصلت للتجار من قبل «الثوار» لإغلاق محالهم، حيث علقوا على أبواب المحلات أوراقا تضمنت التهديد بالحرق «أغلق أو نحرق»، إلا أن تاجرا في السوق لم يعلن عن اسمه وجه نداء للتجار بأن «لا يتراجعوا عن تهديدهم، فإن هذا من شأنه أن يساعدهم على تنفيذ الإضراب»، وقال إنه في الإضرابات التي شهدتها مدينة دمشق خلال فترة الانتداب، كان الثوار يرسلون الأطفال كي يهاجموا المحلات بالحجارة وشتم التجار ليجبروهم على الإغلاق، وأن ذلك كان يدعم التجار المترددين والخائفين من النظام كي يغلقوا محالهم»، ويصرخون بوجوههم: «سكّر.. سكّر».

إلا أن أحد المشاركين في الإضراب قال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيرا من التجار أغلقوا محالهم، وجلسوا أمامها في تحدّ لقوات الأمن ومن خاف منهم أطفأ الأنوار، ولم يعرض بضاعته كما جرى في سوق الصاغة»، وقال تاجر في سوق الحريقة إن قوات الأمن عندما أتوا لتكسير أقفال المحلات»، ثار أصحاب المحلات وصارت مشادات مع قوات الأمن، وقالوا لهم إذا كانت لديكم قدرة على حماية محلاتنا فنحن سنفك الإضراب ولكنكم غير قادرين على حماية أنفسكم».

ويشار إلى أن غرفة تجارة دمشق، التي استدعيت للاجتماع على عجل لفك الإضراب، بدت عاجزة عن ذلك لفقدانها التأثير على الشارع السوري لا سيما التجار منهم الذين تضرروا من النظام ومن غرفة التجارة التي كانت تعمل لجبي أموال للنظام ورجاله لا لرعاية مصالح التجار، كما يقول تاجر دمشقي تحول إلى صاحب محل صغير في الحميدية، بعد أن خسر الكثير من أمواله وتجارته في ظل حكم الأسد.