صِراع الهوية

2012-05-04

نُشعل كل يوم عشرات الحرائق في بيادرنا، نفتح عشرات الجبهات على أنفسنا، و نطرح أسئلة الشك حول من نكون.
نخرج من كل ذلك مثخني الجراح في كل مرة، و قد أدخلنا أنفسنا في دوامة جديدة لا نعلم كيف بدأت و متى سنتهي، و في أية محطة ستلفظنا، إلا أننا لا نكف عن ممارسة اللعبة التي أدمنّا عليها طويلاً.

و لأن محيطنا رخوٌ، نخوض فيه كل معاركنا بإقتدار، و نخرج منها كما نظن بدون خسائر، اللهم إلا ذلك العنصر المسمى (الوقت) الذي لا تعني خسارته شيئاً بالمقارنة مع بقائنا على قيد الحياة، فالوقت لا ينضب أبداً، و لدينا منه الكثير.
لماذا لا تصبح الشرعية من البديهيات؟ لماذا نحتاج كل مرة إلى تذكير أنفسنا بمن نكون و من نمثل، و إلى طرح نفسنا في مزادات الكلام في مُحاولةٍ للحصول على اليقين، هل لأننا لم نذهب مرةً مطمئنين إلى الفراش، دون أن نشعر بوخزات الشك في الوطن القومي.
اليوم العالمي لحرية الصحافة
منذ عدة سنوات تم الإعلان عن مشروع ثقافي طموح بإسم رابطة الكُتاب و الصحفيين الكُرد، و قد تم حينها إتخاذ خطوات أولية بتشكيل هيئة مؤقتة لإدارته، و لست هنا بصدد إعادة الحديث عن (الحملات) التي تمت على صفحات الإنترنت حين حاول البعض تنفيذ مشروع الرابطة التي لا زالت مسودة على الورق أو مجسماً فوق الرفوف، لكني أود الحديث عن رابطة الصحفيين السوريين التي أُعلن عن إنشائها قبل عدة أسابيع من قبل مجموعة من الصحفيين و الناشطين السوريين و بينهم بعض الكُرد، فلقد قطعت الرابطة كل المراحل التي أخذت من الرابطة الكُردية سنين طويلة و لم تنتهي بعد، و أتمت إنتخاباتها لإختيار هيئة تمثلها بنجاحٍ يُحاكي تماماً الإنتخابات التي تجري في البلدان الديمقراطية من حيث الترشح و الدعاية الإنتخابية و إعلان النتائج و تقديم الطعون، و رغم أن المتواجدين في الرابطة من مشارب شتى، منها السياسية و الثقافية و حتى القومية، إلا أن المرء لم يشعر بتلك الإختلافات، حيث حرص الجميع على تجاوزها، واضعين نصب أعينهم العمل الذي ينتظرهم في مواجهة النظام.
سبق و أن قلت أن من بين أعضاء الرابطة السورية العديد من الناشطين الكُرد منهم كاتب هذه السطور، و كنت في مناسباتٍ عدة قد قدمت ملخصاً عن حياتي، لكني تنبهت فيما بعد إلى نسياني لذكر أي شئ عن عضويتي في رابطة الصحفيين و الكتاب الكُرد، و قد توصلت إلى نتيجة مفادها أن سبب ذلك يعود إلى أن المرء يكاد لا يشعر بوجود الرابطة، و إن كل ما يخطر للمرء عند تذكرها هو تلك المنازلات التي جرت مؤخراً عند إقتراب البعض من ذلك (التابو) المسمى مؤتمر، حيث تبين أن سبب الصراع المحتدم وجود إجندات شخصية لا يتزحزح أصحابها عنها، تفوق ـ لا بل هي أهم على ما يبدو ـ من الإختلافات السياسية و القومية و الدينية مجتمعةً، و التي تجاوزتها الربطة السورية بسهولة. و قد دفع اليأس، و ربما التفكير العميق، دفع بأحدهم لأن يقترح كحل لتلك المشكلة المستعصية اللجوء إلى الحركة السياسية الكُردية المتمثلة بالمجلس الوطني و مجلس الشعب للتحكيم بين أطراف الخلاف!
معركة كسر عظم
ولأن الشئ بالشئ يذكر، و لأن المجلس قد أصبح كما يبدو مرجعية للمُثقفين، فلا بد من ذكر المعارك الكلامية التي يتسبب بها بسياساته التي تشبه أحياناً السيل الجارف الذي لا يعلم أحدٌ وجهته التالية أو ضحيته المُقبلة، بحيث لا تصمد أمامه سدود الآخرين إلى أن يصل جدار الواقع، فيعود إلى حيث بدأ. فالمجلس عندما يرفع نبرته يضع المثقفين في موقفٍ يضطر بعضهم فيه للتجاوب مع نفيره العام للدفاع عن سقفه المرتفع، تحت طائلة الإتهامات ذاتها التي كانت توجه إليه إبان إنطلاقته. و الدفاع لا يكون هنا بشرح القضية المطروحة بل بإحتلال مقدمة الصفوف للهجوم على الآخرين من خلال وضعهم أمام حدين متناقضين: أما معنا و إما ضدنا فيما نطرح، و لعل من أوائل ضحايا هذه السياسة ليس أصدقاء الشعب الكُردي من المُثقفين الذين يوضعون في إختبارٍ صعب فحسب، بل القضية التي نعمل جميعاً من أجلها.
لكن الملفت للإنتباه هو أن عودة المجلس عن خطابه لا يتبعها عودة المحاربين الذين يبقون مرابطين على الجبهة الأمامية يخوضون المعركة بالضراوة ذاتها.
إن قراءة سريعة لما يحصل بين بقايا أصدقاء الشعب الكُردي و بين مثقفيه يبعث على الأسى، فالطرف الثاني يبحث في تفاصيل التفاصيل، يجتزأ كلمة من هنا و أخرى من هناك ليعيد تكوين المشهد بما يتوافق مع ظروف المعركة، و حتى يُحرج الطرف الأول و يُخرجه عن طوره و عن ثورته، و يجره مُرغماً إلى ساحات الوغى، ضيفاً عزيزاً على معاركنا الكلامية.