كلنا في الهوى سوا

2012-04-28

كان أول من رحب - حسب علمي - بالبيان الختامي للاجتماع الأخير لأحزاب المجلس الوطني الكوردي، هو الدكتور رضوان زيادة، المعارض السوري الشهير، فأعلن عن نضارة قلبه المنفتح أصلاً على قضايا الشعوب والأقليات، تجاه الصياغة المعدلة والواقعية "للمطلب الكوردي العادل، الذي هو مطلب كل السوريين الوطنيين"، حسب مضمون تصريحه الترحيبي

وأجاد في ذلك بحكم خبراته التي اكتسبها من العيش في الولايات المتحدة الأمريكية ومن علوم القانون التي يدرسها لطلابه من شتى الملل والنحل، ثم تبعه في الثناء على الأحزاب الكوردية فخامة الرئيس المرتقب لسوريا المستقبل، الدكتور برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، والسياسي الكوردي المستقل، الدكتور عبد الباسط سيدا، عضو الأمانة التنفيذية للمجلس ذاته، ومن ثم العديد من الناشطين الكورد والعرب، وأخيراً وقعت عيناي على تصريح جميل للناشط الكوردي الحقوقي، الأستاذ رديف مصطفى، على صفحات الفيس بووك، بدا لي أنه متفائل وسعيد، حيث كتب:"الاجتماع الموسع للمجلس الوطني الكردي السوري الذي عقد في الحادي والعشرين من الشهر الجاري وبالمعنى السياسي غلب علي خطابه الطابع الواقعي العقلاني بمواجهة الخطاب الشعاراتي العاطفي المبني على ردود الافعال. مبروك للمجلس الكردي نجاح اجتماعه مع تمنياتي بان نلتقي قريبا ضمن اطار المجلس."

 
ومن جهة أخرى، روي عن السيد صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي، والعضو البارز في هيئة التنسيق الوطني السورية، بأنه يجد البيان الختامي لاجتماع المجلس الوطني الكوردي قريباً – حسب ما سمعت -  مما يطالب به حزبه للشعب الكوردي في سوريا، أي  قريب من مطلب "الإدارة الذاتية الديموقراطية"، وهذا سيدفع الأمور صوب تقاربين هامين، الأول بين المجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديموقراطي، والآخر بين المجلس الوطني الكوردي وكلٍ من المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطني السورية، بمعنى أن الاجتماع الموسع للأحزاب الكوردية قد وضع لبنة أخرى لتأسيس قاعدة وفاقٍ وطني سوري، وهذه "ضربة معلم" كما تبدو لأول وهلة، فالكورد اقتربوا أكثر من بعضهم بعضاً، والسوريون الآخرون يهنئونهم على ما تفتقت عنه عقول عباقرتهم عن "الحل المرضي" لقضيتهم الشائكة التي لم يتمكن النظام من الاقتراب منها طوال عقودٍ من الزمن، ومن خلال تقارب المجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديموقراطي بصدد المطلب السياسي لكلٍ منهما، تزداد فرصة التقاء الجميع على برنامج وطني يفرح قلوب الجميع.
 
ولكن تبقى هناك ثغرة في هذا البناء المحكم الذي بناه البيان الختامي "الواقعي والعقلاني" حسب تعبير الأخ الناشط رديف مصطفى. ونقول "واقعي وعقلاني" لأنه مقبول الآن من قبل الإخوة العرب الذين رفضوا بشدة مطلب الكورد المطروح كبرنامج سياسي للمجلس الوطني الكوردي في مؤتمره التأسيسي المنعقد في القامشلي قبل فترة، وأكد على الالتزام به مؤتمر هه ولير (أربيل) للجالية الكوردية من خارج الوطن، بعد ذلك بشهور قلائل، وكان المطلب آنذاك يتحدث عن "إدارة سياسية لا مركزية" في صيغة "فيدرالية" قومية في المناطق التي يسميها الكورد ب"غرب كوردستان"، وعن حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه، ما أثار حنق وغضب العديد من رؤوس المجلس الوطني السوري، ومنهم الدكتور برهان غليون وهيثم المالح وحتى الدكتور عبد الباسط سيدا (الكوردي)، ولم تنفع الكورد في هذا الأمر زيارة وفدٍ من المجلس الوطني السوري إلى كوردستان العراق لملاقاة ومحادثة الزعيم الكوردستاني الكبير، الأخ مسعود البارزاني، فخامة رئيس الاقليم.
 
الثغرة التي ستنفذ منها الرياح العاتية هي أن اثنين على الأقل من قيادة المجلس الوطني الكوردي، أحدهما هو الدكتور سعد الدين ملا والآخر هو الاستاذ اسماعيل حمه، سكرتير حزبه "يكيتي"، قد صرحا بوضوح تام، أن المجلس الوطني الكوردي لم يتخل عن مشروعه بصدد "الإدارة اللامركزية السياسية" و "حق تقرير المصير"، فالأول صرح بذلك لقناة "كه لى كوردستان" يوم 25 / 4 في برنامج "غرب كوردستان"، مما أضطررت للرد عليه في البرنامج ذاته، حيث كنت مشاركاً عن طريق المحادثة التلفونية، والثاني أصدر بياناً أو تصريحاً بالمضمون ذاته في اليوم التالي. ولا أدري هل أصدر أحد آخر من قياديي المجلس الوطني الكوردي تصريحاً مشابهاً حتى الآن أم لا.
 
قد يبدو للوهلة الأولى أن لاتناقض بين "المشروع" و "البيان"، وهذا الوهم يذكرنا بسؤال أحدهم عن نوع من الحيوانات، هل هو ينجب أطفاله أم يبيض بيوضاً، فقال المجيب الجاهل."هذا حيوان غريب الطباع، مرةً يبيض ومرة ينجب الأطفال، حسب رغبته!." فالذي يريد للمجلس الوطني الكوردي أن يدافع عن حق الشعب الكوردي في تقرير المصير والإدارة اللامركزية السياسية والفيدرالية ووجود "كوردستان" في شمال سوريا، فها هو المشروع المطروح من قبله، أما الذي يريد لمطلب المجلس أن يكون متواضعاً وقريباً مما يطلبه حزب الاتحاد الديموقراطي، أي "الإدارة الديموقراطية الذاتية" فها هو  البيان الختامي لاجتماع المجلس ذاته، قد ظهر على الملأ بعد ظهور المشروع.
 
السؤال الذي سيطرحه السياسي السوري على نفسه بالتأكيد سيكون كهذا السؤال:
 
"ماذا يريد الكورد حقاً؟"
 
لقد تعرض القائد الخالد، مصطفى البارزاني، طيلة سنوات كفاحه الثوري من أجل حرية شعبه الكوردي، للعديد من المؤامرات والهزائم وعانى الأمرين في مراحل مختلفة، ولكنه لم يغير في لهجته الصريحة، أمام الأعداء والأصدقاء، بصدد مطلبه الاساس في جنوب كوردستان، ألا وهو "الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان العراق"، وعن كركوك الغنية بالنفط والتي بسبب تلك الثروة كانت أكبر عائق أمام السلام مع الحكومة المركزية كان يقول كلما سئل عنها:"كركوك قلب كوردستان"، وكان شعاره الكوردستاني الكبير دائماً "كوردستان يان نه مان – كوردستان أو الموت"... فهل لنا في ذلك عبرة؟
 
ربما يقول أحد المتفائلين:"المطلب الكوردي غير مهم الآن، المهم هو اسقاط الاسد الذي تدفن قواته الشباب السوري أحياء وتجر جثامين الشهداء خلف عرباتهم في الشوارع السورية!"  فأجيبه:"وهل ننسى تجربة الكورد مع مصطفى كمال؟ أو مع ثوار سوريا الذين كانوا يقاتلون المستعمر الفرنسي؟ حيث خرج الكورد من المولد بلا حمص في الحالتين... وبرأيي أن ثمة فارق كبير بين مطلب الكورد حسب مشروع المجلس الوطني الكوردي ومطلبهم وفق البيان الختامي للمجلس ذاته..."
 
هنا، لايستطيع أحد تغيير قناعتي مهما تقدم بالذرائع والحجج... فلا تؤاخذوني... وقبل كل شيء يجب أن لانكذب على إخوتنا في المعارضة السورية أبداً، وعلينا أن نقول لهم حقيقة ما نريده كأساس للحياة المشتركة في سوريا المستقبل، وإلا فإننا سنفتح علينا وعليهم أبواب جهنم.